……………موقــف الشـعوب العــربية مما يجـري في سورية
……………لمــاذا كــان الحــراك خــجولاً ويكـــــاد ينـــــعدم ؟
…………..أسبـاب ذلك وهل يمـكن الخـروج من حالـة التـردد ؟
ـــــــــــالاستاذ المحامي محمد محسن ـــــــــــــــــــــــــ سورية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكاد أجزم بل أجزم أن حرب 1967كانت قاسمة الظهر لحركة التحرر العربية ، وانعطافه تاريخية مصيرية ، قلبت الموازين واخلت بالتوازن في المنطقة لصالح حلف العدوان ، وهذا يُجمع عليه غالبية المفكرين والباحثين ، حتى أنها ألقت بظلالها السلبية على حركات التحرر في العالم الثالث ، ويمكن اعتبار تلك الهزيمة النكراء حالة نكوص وارتداد على جميع المستويات العربية كافة الفكرية والاقتصادية والسياسية حتى والثقافية لأنها لجمت تماماً حركة التحرر العربية وأخرجتها عن مسارها ، بل اغتالت جذوة النضال وأطفأت شمعته التي كانت تتوهج وتتوقد وتبشر بمستقبل يشي بكل ازدهار ونجاح ، وواهم من يعتقد أن تلك الحرب كانت حرب اسرائيلية خالصة ،( لا ) بل كانت حرب أمريكية اسرائيلية ، صحيح أن اسرائيل بانتصارها المدوي ضربت حركة التحرر العربية بقطبيها حزب البعث وعبد الناصر ، ورسخت أمنها لعشرات السنين
أما أمريكا فلقد قدمت لها الهزيمة هدية لا تقدر بثمن على صينية من ذهب ، لأنها منها وبها مددت عمر وصايتها وسيطرتها على دول العالم الثالث عقوداً وذلك لأن هزيمة حزيران قادت إلى هزيمة القوى القومية التقدمية في كل المنطقة ، حتى أنها قادت تلقائياً إلى انفراط عقد ــ حركة عدم الانحياز ــ التي كانت رديفاً احتياطياً للقطب الذي كان يشكله الاتحاد السوفييتي .
.
فضرب حركة التحرر العربية بقيادة عبد الناصر الذي اصبح قطباً من أقطاب حركة التحرر العالمية ، كان بمثابة اغتيال جسدي له تدريجي حتى مات كمداً ــ ويقال أنه مات مسموماً ــ، وبموته قطع حبل التواصل النشط ـ حبل السرة ــ بين دول عدم الانحياز جميعها وبينها وبين الاتحاد السوفييتي ، ليس هذا فحسب ، بل استولى على الحكم " السوهارتيون "حيث جاء "سوهارتو" الحاكم الجديد لإندونيسيا وتقول بعض المصادر أنه أعدم وحرق مئات الآلاف من الإندونيسيين من أنصار " سوكارنو العظيم أحد قادة حركة عدم الانحياز " ، كما قام بتصفية جميع الأحزاب والحركات اليسارية ، ونقل إندونيسيا من معسكر عدم الانحياز إلى المعسكر الأمريكي ، كما جاء سوهارتو مصر أنور السادات الذي خاض حرب تشرين تحت شعار " حرب تحريك " حيث نقل مصر من الضفة العربية إلى الضفة الأمريكية الاسرائيلية أيضاً ، بل لم يكتفي بذلك بل أبرم صلحاً مع اسرائيل الخنجر المسموم المحضر دائماً لطعن اية محاولة انعتاق ، وغاب " نهرو وتيتو ونكروما " بذلك تكون حركة التحرر العربية والآسيوية ــ حركة عدم الانحياز ــ قد فقدت قياداتها الحقيقيين وانطفأت جذوة حركة " باندنغ " العظيمة .
.
كل هذه الانهيارات تمت بمساعدة وتخطيط من أمريكا ، ونصبت بدلاً من تلك القادة العظام عملاء أمريكا أو المتصالحين معها ، فتحولت دول عدم الانحياز إلى دول منحازة طبعاً لأمريكا وقدمت صك الطاعة والاستسلام ، وشكل هذا التحول والانتقال بداية أفول القطب السوفييتي لأنه خسر الكثير من قواعده فضلاً عن أمراضه الذاتية ، التي قوضت بنيانه عام 1989 فسقط جدار برلين ، وتفرد القطب الأمريكي في وصايته على العالم ، وراح يعربد في أرجاء الدنيا متفرداً ، وهذا ما نحصد ثماره الآن وما هذه الحرب إلا رداً على ارهاصات بدئيه خجولة لحركة تفاعل اقليمية استقلالية بدأت تتشكل من سورية وايران وحزب الله ، فجاءت الحرب لتضرب هذا التحالف من واسطة العقد سورية ،
ولا يجوز أن يغيب عن ذهننا أمر كان جللاً حيث ترافق موت القائد عبد الناصر في 28 أيلول 1970مع ذبح المقاومة في أيلول الأسود في الأردن طبعاً بمساعدة اسرائيلية أمريكية وبيد النظام ــ الوظيفة ــ الأردن الذي يعيش على حفنات إنعاشيه مالية من الغرب الاستعماري ، وخروج الجيش العربي السوري من الأردن الذي دخل ليؤا ذر المقاومة .
.
كل هذه الرزايا جاءت متلاحقة وكأنها وفق برنامج مدروس ومخطط ، حتى اليمن الجنوبي الديموقراطي سقط واستسلم ، هذا السقوط المتتالي والمتدرج يفسره غياب حالة التعاضد التي كانت تربط دول عدم الانحياز ببعضها ، مما قاد إلى تضعضعها ومن ثم انهيارها .
هذه الهزائم والخسائر أدت كما قلنا إلى حلول النقيض في قيادة الدول والمجتمعات في الدول العربية ، قيادات مستسلمة وعميلة تعتبر أن 99بالمئه من خيوط اللعبة بيد أمريكا ــ كما قال السادات ــ فأصيبت المجتمعات العربية بحالة احباط وذهول ومن ثم كمون وشكل من اشكال القنوط لفقدانها قياداتها السياسية ونخبها ، وهذه الحالة تنعكس على جميع مناحي الحياة العربية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى والثقافية ، حتى يبدو المجتمع راكداً لا حياة فيه ، حالة مستنقعية يعشعش فيها الفاسدين المفسدين .
.
وبدهي أن تقمع الأنظمة العميلة والمتعاملة مع أمريكا كل نزوع حزبي سياسي عقلاني يهدف تحريك الساحة السياسية الراكدة ، وأن تشجع بالمقابل القوى البديلة أو على الأقل تغض الطرف عن أنشطتها وهي حتماً الحركات الدينية الاسلامية بشتى صنوفها ومشاربها ، فتنموا وتترعرع وتقود المجتمع من موقع إلى موقع آخر ، من موقع التفكير العقلاني لتدبر أمره وسبل معيشته إلى الاستسلام والخنوع " الجبرية " وأن الله هو الرازق ، الرزق مقسوم ، وخيره وشره من الله ــ فيتحول المجتمع إلى مجتمع راكد تسير الحياة فيه ببطء وكأن نسغ الحياة قد جف حد اليباس ،
إذا ما أضفنا لهذا الواقع المستنقعي المال الوهابي السعودي الذي يبذر هنا وهناك ، والطامة الكبرى سقوط الأزهر المؤسسة الدينية الأكبر بيد الوهابية أو بيد الاخوانية ، وعليه ومن باب أولى استسلام رجال الدين وخطباء المساجد أمام الدينار السعودي ، والسعي الأمريكي الأوربي الحثيث لإيصال الحركات الاسلامية إلى سدة الحكم في جميع البلاد الاسلامية ، كفيلة بإبقاء المجتمعات الاسلامية في حالة احتراب وتناقض وهذا هو الواقع الأمثل لإبقاء المنطقة تحت السيطرة وفي حالة كمون .
.
وتتحول إلى وحدات اجتماعية يعشش فيها الجهل والتخلف ومن ثم كراهية الآخر وصولاً إلى تكفير من لا يقدم الولاء لهذا الفكر الغيبي الذي يعيد المجتمعات إلى التفكير بمفاهيم القرون الوسطى ويتحول الدين إلى طقوس ومظاهر شكلانية يراقب كل فرد فيها الآخر ،
هذا الواقع الراكد المتحول يجعل الانسان مجرد رقم فاقد الو زن لا قيمة له ولا شأن ، مستقيل من كل واجباته الاجتماعية والسياسية منصرفاً لهمومه الفردية حد التواكل وعدم الاهتمام ، منصرف لهمومه الشخصية ولتحصيل رزقه .
هذه الخصائص يمكن تعميمها على جميع الوحدات الاجتماعية العربية ، فالأنظمة العميلة والمتعاملة مع الغرب الاستعماري ، هي دول وظيفية تقوم مقابل حمايتها ورعايتها من قبل أمريكا بملاحقة واجتثاث القوى العقلانية التقدمية أو القوى التي تفكر أن تكون عقلانية ، وتمنع أو تحول دون قيام أية أنشطة وطنية معارضة أو اية فعاليات احتجاجية تضامنية لنصرة قضية عربية في بلد عربي آخر ،
فانتقلت المجتمعات العربية من الفعل والتفاعل مع القضايا الوطنية والقومية التقدمية ، ــ والتي كانت ابسط قضية تمس المصالح الوطنية لأي قطر من الأقطار كانت تستنفر ملايين من المتظاهرين العرب من المحيط إلى الخليج ــ انتقلت إلى حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام .
.
حتى مصر أرض الكنانة تخلت عن دورها التنويري التثويري بعد أن اغتال مبارك كل فكر عقلاني تقدمي ، وتركها نهباً لكل فاسد ومفسد جائعة تستجدي ، فتقمصها مرسي الاخواني بكل يسر وسهولة فتشوشت الصورة عند طلائعها ، وتخل الشعب العربي في مصر عن دوره ووقف بين متردد وبين مؤيد خجول للشعب السوري .
أما بقية الشعوب العربية فعملية سرقة مواقفها النضالية قديمة ، منذ أن نصبت أمريكا أنظمة عميلة على مقاليد الحكم وفرضت وصايتها عليها فحولتها إلى مجتمعات مستسلمة خانعة ، غير متفاعلة مع أي حراك قومي أو وطني وأشغلتها في البحث عن رزقها .
…. …لكن صمود الشعب العربي السوري الذي فاق أي توقع وبعد أن ينجز انتصاره ، سيقلب الطاولة على رؤوس الحكام العرب وسيفتح المجال واسعاً امام نهوض وطني وقومي سيكون جارفاً وستنتقل المنطقة العربية إلى واقع جديد ينهزم القديم بفكره الديني العفن وبأنظمته العميلة وستنطلق رسالة التنوير والحرية من سورية قلب العروبة النابض مجدداً .