الطابور
حصان أصيلٌ يقف في الطابور في يوم من أيام تموز ، كان ينضح عرقاً استجابة للشمس المحرقة ، ينظر أمامه ويأخذ بالعد ، حصان ، حصانان ، أربعة ، ستة ، يا إلهي لم يبق أمامه غير ستة أحصنة ، كانت فرحته كبيرة بهذا العدد القليل ، نظر خلفه ، أخذ بالعد حتى العشرين ، قال في نفسه : رائع ، أنا أوفر حظاً منهم ، لقد مضى عليّ يومان ذهاباً وإياباً حتى أضع " حذوات " جديدة فقد مضى وقت طويل على وضع هذه الحذوات المهترئة
كان عليه أن ينتظر حتى يصله الدور، لا بدّ لي حذوات جديدة أتباهى بها أمام الخيول الأصيلة قال الحصان فلأنتظر، المهم أن أصل إلى ما أريد وآخذ حقي بحذوات جديدة جميلة لتبارك لي الفرس بها، إنها تنتظر كما أنتظر بلهفة هذا الأمر، سأهديها حفنة من التبن تحلاية من حصتي الخاصة عندها ابتسم الحصان كعاشق يهدي حبيبته وردة وقال : إنها تستحق أكثر من حفنة تبن لأنها تهتم بي ، وتنتظرني دائماً قرب السهل لنركض معاً نعانق الهواء، ونصهل، نصهل حتى المساء في هذه اللحظة شعر الحصان بنسمة هواء تمر على جسده تمسح عرقه وتعبه، نعم قال الحصان فكلما تذكرتها ارتحت .
انتهى النهار ولم يأت دور الحصان وأصبح عليه أن يعود إلى بيته حتى لو كان مكسور الخاطر لأنه لم يضع الحذوات لتفرح معه الفرس، حاول أن يخفف عن نفسه هذا الشعور بأن غداً سيكون له ما يريد وسيفرح مع فرسه خاصة وأنه لم يبق أمامه سوى حصان واحد .
في اليوم الثاني صحا الحصان باكراً ، وكانت الفرس في استقباله، اقترب منها وقال : اقترب موعد فرحنا، اليوم سوف ألبس الحذوات الجديدة، ولك أن تصهلي أمام الخيل بفرح وتفتخري لأني بحبك، ضحكت الفرس وقالت بخجل : اليوم موعدنا في السهل لنتسابق تسبقني مرة وأسبقك مرات كما تعودنا، و"نوكل عشب تا نشبع"، ثم تنهدت وقالت : مضى وقت لم نذهب به إلى السهل فقد كنت تعتذر بسبب الحذوات المهترئة التي كانت تؤلمك، أجابها الحصان، بعد اليوم ما في ولا عذر ، وانتظريني عن شجرة البلوط حتى تكوني أول واحد بيباركلي يا فرسي الرائعة، وصهلا معاً.
وصل الحصان إلى الطابور، وفعلاً لم يكن أمامه سوى حصان واحد ، فكل حصان عندهم يعرف دوره ومكانه في الطابور، ولكم أن تتخيلو كم كانت فرحته بذلك، فبعد أقل من ساعة سوف يصهل ويركض كما يشاء، ومن فرط فرحته أحس أن أقدامه بدأت تصاب بالخدر اللذيذ، فهو من مدة طويلة لم يضع حذوات جديدة، المهم الحصان الذي قبله قد بدأ يضع الحذوات، عندها أخذ الحصان الأصيل ينظر حوله مبتسماً وهو يتمنى أن تكون كل الخيول تراه وهو قادم على تبديل الحذوات، كان يتمنى لو أنه يعرف أحداً من الفضائيات لالتقاط الصور، لقد كانت فرحته أوسع مساحة من تحمله، إنها السعادة التي تسكن بين الحلم والواقع وتفسر الواقع بأجمل من الحلم .
غادر الحصان الذي قبله، مدّ الحصان الأصيل قدمه بفرح كبير وإذ بحمار يأتي من بعيد، يلبسُ سرجاً أكبر من حجمه ، مدّ الحمار رجله وأخذ دور الحصان الأصيل، هكذا يحدث عندهم ، فهل من المعقول يحدث عندنا كذلك
*إربد: حسن ناجي
رئيس اتحاد الكتّاب الأردنيين الأسبق