حكايا الطين تسرد عشق عبدالقادر السلامة للمكان
*خلف عامر.
من رحم المعاناة تخرج أعظم الأعمال وأكثرها صدقاً وديمومة وتصبح منهج حياة للآتين.
من طين روحه كان يعجن أحلامه فكان يركض مابين برودة الطين، ودفء الكتاب لأنه يدرك أن العلم ولاشيء سواه هو من ينقله من غربة وبرودة الطين، والتركيز في تصنيعه وهو يركض بين يديه بسرعات مختلفة، يترتب عليه التركيز بين الآنية والتصوّر وحركة الدولاب، ليكسب تسويقه والإقبال على منتجه.
كان يحلم أن يكون رأسه فوق النجوم، لكن مساره اتجه نحو اللغة الهويّة فحاز على إجازتها.
حكاية الطين التي تسردها أصابع "السلامة" تنقلنا لقرقيسيا التاريخ والحضارة، لطميّ وادي الفرات والخابور،
إلى اللقى الفخارية على التي توثّق قِدَم المنطقة، من خلال العثور على الكثير من الدنان والجرار والقطع التي كان يستخدمها الإنسان، ومنها ماهو للإضاءة كـ:"السراج، وأواني حفظ المؤن والسمن والزيت والحبوب فيها".
كأن روح السلامة ترتّل أغاني المهرة إبان العمل لطرد الملل والرتابة، وبث العوامل المحفّزة للهمة في إنجاز عمله بحرفيّة ومهارة عالية.
يجلب "السلامة "الغضار من الطمي الذي يتكون بعد فيضان نهر الفرات، وبعين الصائغ الماهر يأخذ ماترسب من هذه الأتربة النقية ليضعها في أحواض خاصة للتخمير، ويعزل شوائبها، ويدندن بأغانِ العاشقين الحالمين وهو يضعها في أحواض خاصة أخرى للحصول على الطينة اللازمة للعمل، ليسكب فيها روحه، وهو يخلطها مع بعض المواد كالرمل والملح بنسب صارت لديه من البدهيات، تعجن يديه الطين بالقدر الذي يحاكي فيه تصوره ماذا سيفعل من الطينة التي بين يديه.
يحمل "السلامة" الكتلة الطينية على الدولاب وهو آلة بسيطة، يتسابق الصوت للخروج من حنجرته، مردداً أناشيد انتصار جهده، في إيجاد جرار وتحف وصحون
.
هذه هي علاقة "السلامة" بالطين والماء الذي تشكّل منه، اتجه نحوه ليشكل منه ما يحتاجه الناس، إنها علاقة عشق بين المكان والإنسان، تتجلى في التوثيق الحقيقي في حقبة ما يحتاجها الدارس والباحث لمعرفة حياة الناس في تلك المرحلة.
*هامش:
( في رحلة التغريب يبكي الطمي في البصيرة – قرقيسيا – دفء حكايا عبد القادر سلامة حتى كاد أن يجف ريق النهر من النواح والانتظار)
*هامش2: عبدالقادر سلامة..المدير الأسبق لثقافة محافظة دير الزور.