"اختلط الحابل بالنابل" يقال هذا المثل حين تختلط الأمور ببعضها البعض، بشكل لا يمكن فيه الجزم في الحكم لأي أمر.
وحين يستحيل التعبير عن الصورة الكاملة دون الغرق في دوامات التفاصيل المبهمة أو المشوهة أو المبعثرة.
وحيث لا يمكن تدقيق التفاصيل وربطها بعلاقات منطقية وموضوعية دون ضبابية الصورة وهلامية إطارها وحدودها ، ودون تداخل في ألوانها وتشابك في خيوطها.
فيتداخل العتم بالنور دون ضباب ، و يمتزج مطر الحقيقة بتراب الواقع دون خصب محتمل.
يختلط الحابل بالنابل، فيتداخل الجيد بالسيئ دون معايير يُتفق عليها سواء بين الأطراف المتداخلة، أو سواء بين المراقبين الخارجيين المتباعدين في الأفكار والمعايير ، والمسافات والأهواء.
تتداخل الدولة بالمجتمع دون علاقات تتوافق عليها المكونات ، ويتداخل المجتمع بالدولة دون هيكلية ناظمة ولا تراتبية فاعلة.
في زمن الحابل بالنابل
يتداخل – و على ناصية الطريق – الرجل الوطني بالسياسي الفاسد ، والانتهازي الوصولي بالبائع الجوال اللاهث لكفاف يومه.
تتداخل فيه – وفي آراء المارة على طريق – الباحثة عن زوج وأمان، بالمومس الباحثة عن زبون ومال
يتداخل فيه – وفي نقاش صباحي – المثقف المحترم صاحب الموقف والرسالة ، بالحثالة الرث متذبذب التطلعات عبثي التصرفات.
يتداخل فيه – وأمام دارة عبادة – الملتزم أخلاقيا ودينيا بالمتزمت المتطرف ، ويتداخل فيه من انتهج آداب دينه منهج إيمان وعقيدة وعمل ، بمن اتخذ الدين هوى و تجارة وزعامة.
في زمن الحابل بالنابل
يتداخل فيه -وفي برنامج سياسي على فضائية – السياسي النظيف بالانتهازي الوصولي، والسياسي القذر بالوطني الملتزم، ويتداخل فيه العقل بالقدم . الشارع بالقاعة ، والصالون بغرفة النوم المعتمة.
في زمن الحابل بالنابل
وفي مآتم العزاء
يتداخل الملتزم قضايا الناس بالأزعر قاطع الطريق ، ويتداخل الداعية لحق ، بتاجر السلاح .
يتداخل فيه الدم بالماء بتمازج مبهم ، خارج المحمود من الأعراف وخارج حدود المنطق وخارج قوانين الفيزياء.
يتمازج فيه – وفي اجتماع تشاوري تصالحي – عرق الجبين المقضب بعرق الخصر ، و دمع العين القابض على الجفن المُتألم ، بدمع العين القابض على المال المُستزلم.
في زمن الحابل بالنابل
وعلى مساحة وطن
تختلط كل الأوراق .. أوراق لك بأوراق عليك من شمال السياحة في تركيا واللواء السليب الحاضر المنسي، إلى جنوب الجولان الواقف وغزة نصف الجالسة ونصف الواقفة، فغرب لبنان المقاومة والعنفوان والمزرعة الألعوبان ، فشرق العراق المتأصل و المتقطع.
يتداخل فيه الوطن بين أرداف دول لم تدخل التاريخ بعد وبين أكتاف الدول العظمى ثقافة وسياسة وعلما وتاريخ.
يتداخل فيه الوطن العقل الحق الكاتب لكل التاريخ ، الراسم لكل جغرافيا بالكروش والالِيّات التي تحميها القواعد الأجنبية وترسم حدود بقائها موانئ منسية تكاد تتسع للبوارج الحربية.
يتداخل الحق المتجبر المقتول بالشر المستظلم القاتل.
في زمن الحابل بالنابل
وفي حدود الوطن
تتداخل الحرية الصرفة بأحقية الفوضى ، والنظام العام بجدلية القمع،
ويتداخل بيض المداجن ببورصة الأوراق المالية في ناسداك.
يتداخل التحرير بالتدخل الأجنبي ، والاحتلال بالجيش الوطني
في زمن الحابل بالنابل – وعلى باب المطار- لا تميّز الرجل الصابر على كل الوطن ، بالرجل الهارب من كل الوطن.
في زمن الحابل بالنابل
وفي إطار مستطيل بمساحة 30 بوصة…..
يتداخل الثغاء بالغناء ، والمؤلف الموسيقي بالضارب على الإيقاع ، التبصير بالتنوير ، التوحيد بالتفريد ، وتضيع الاوطان في مراقص السيوف.
في ذات الإطار تهيم البيوت التي لا تتجاوز مساحتها ال60 م2 بين ليالي الخميس الحمراء في سرير لا يتجاوز الأمتار المربعة الثلاث مساحةً، بالوضع الأسود القاتم في الأمم المتحدة الممتدة على مساحة الأرض.
يتداخل فيه الجذر المفيد للنظر في برامج الثقيف للأطفال، بالجذر المهيج للشهوة في برامج التثقيف للكبار.
يتداخل فيه صحن السلطة من البندورة والخيار في طبق الخالة "نوسه"، بصحن البندورة المعصورة والخيار المقطع في إفتاء الشيخة "نوسه".
في زمن الحابل بالنابل
يحبس في ذات الإطار ذي ال 30 بوصة متابع مباريات كرة القدم بكل دقتها مع متابع الأحداث ولو ملفقة في ذات الشارة.
في زمن الحابل بالنابل
وعلى الصفحات الالكترونية ، تختلط الثقافة والعلم، بالدعارة و النخاسة ، ، فلا حدود فاصلة ولا فلاتر منقية.
في زمن الحابل بالنابل
يتداخل عقل المفكر المبدع الخلاق بعقل الجاهل المستكين بين الماضي والحاضر دون تعقل لمستقبل ، أو تدبر لطريق .
وبعد كل هذا ؛ ومع كل هذا
وبالرغم من كل هذا؛ ومهما استمر هذا النكرة المسمى " زمن الحابل بالنابل"
يختلط الدم السوري اختلاط تمازج لا تباين فيه مهما اختلط الحابل بالنابل وتباينوا فيه، تخسره سوريا وتحصده سوريا ، تتألمه سوريا .. وتتأمل به سوريا دون أي شرق أو غرب ، بعيدا عن أي دين أو قومية.
تبقى سوريا هي هي في الشروق والغروب … في الوضوح والغموض بلا أي أفول أو مواربة.
مهما تداخلت الظروف وكيفما اتجهت الأمور، تبقى هي ، عمادها جيش واحد مهما اختلفنا فهو الجيش العربي السوري ، وشرف واحد هو الشرف السوري ، وحق واحد هو حق أن نحيا بكل كرامة في وطن سيد حر مستقل مستقر ، وشعب واحد لا طبقات فيه ولا حق لفرد أو جماعه يزيد عن البقية ، وتاريخ واحد لا يمكن أن تستأثر به فئة أو كتلة مهما كانت ، هذا التاريخ هو التاريخ المكتوب من أول نقطة في أول صفحة لتاريخ إلى ما لم يكتب في سطور بعد.
أفيقوا واستفيقوا … فمهما يكن فسوريا باقية وكلنا زائفون زائلون راحلون
، سوريا باقية مهد وصيرورة لكل الرسالات الخالدة ، تحيا بها الحياة ..
سوريا تكبر فيها الأديان وتتألق فيها الأعراق.