………….هناك أكـثر من سبب لتأجيـل اكتســاحها ولكـن للصــبر حــدود
………….الجمهورية العربية السورية باتـت في حـلف وللحـلف تقـديراته
المحامي محمد محسن
عندما خاضت أمريكا هذه الحروب بصيغتها غير المباشرة، وعن طريق التسلل، والتسلسل، متنقلة من دولة إلى أخرى، بتسارع وبثقة وبقليل من الخسائر، حتى وصل بها المسار إلى سورية المتمردة، وغير المنضبطة ، والمهددة للصديقة إسرائيل، وحليفة ايران العدو الأكبر لأمريكا ومحميتها اسرائيل أيضاً، ولما كانت سورية البوابة الغربية لقارة آسيا، وكانت أمريكا تعتقد أنها عندما تحتل سورية، تكون قد أنجزت أهم حلقة في حروبها المستقبلية مع الشمال والشرق الأسيوي .
.
لذلك وظفت في حربها ضد سورية جميع الأسلحة، الاقتصادية، والسياسية، والنفسية، والاستخبارية، مع تمظهرات مسلحة، واستخدام لمئات من صواريخ ( تموهوك وغيرها ) وكثير من التهديد والوعيد، معتقدة أن الشعب العربي السوري سيستكين في نهاية الأمر، ويرفع راية الاستسلام ، وما علمت أن شعبنا كلما وُضع في حالة تحدي، ازداد صبراً، واصراراً وتحملاً، وشراسة، حتى في المواجهة، نسيتْ أمريكا وكل عملائها، أو تناسوا أن سورية درة التاريخ، كما هي درة الشرق، لذلك إن سقطت سقط التاريخ، وسقط الشرق .
لذلك لم تترك أمريكا وكل حلفائها سلاحاً إلا واستخدمته، حتى سلاحها الذي استخدمته في افغانستان، وأعطى بعض أكله ثم ارتد عليها ، استخدمته في سورية، بالرغم من أنها هي وكل من معها يدركون أنه سيرتد عليهم، ولكن نجاحه ضد السوفييت شجعهم لإعادة تدويره في سورية، وهذا ما حدث ـــ الارهاب الاسلامي ـــ .
هذه الحرب المتسللة أرادتها أمريكا حرب اقليمية، بقيادتها وتحت اشرافها، وبمشاركتها، وحلفائها، ومحمياتها، وتركيا، وزراعها الطويلة اسرائيل، ـــ التي كانت أحلامها تلاطم السماء ـــ كل هذه الحرب الكبيرة التي خيضت على الأرض السورية، والتي لم يكن لها مثيل في وحشيتها وفي اتساعها ، التي عمت الجغرافيا السورية من أدناها إلى أقصاها ، ولوحق الوحوش المرتزقة من بيت إلى بيت من حي إلى حي ومن مدينة وقرية ومغارة ، مع مساهمة فعالة على جميع الصعد لجميع الدول الاقليمية وعلى وجه الأخص ” اسرائيل ” .
.
كل ساهم بقدراته، وبحجم مصلحته، أما عملاء الداخل ، والانشقاقات الجزئية، التي تمت في الجيش، وفي المؤسسات العليا في الدولة والحزب، وكل الخروجات التي تمت على الوطن، من المثقفين المذهبيين والقشريين، والخزائن المالية الخليجية التي فتحت لها بكل سخاء، كل هذه التمظهرات شكلت حالة من الاطباق الكامل على المواطن السوري ، وأخيراً استخدمت أمريكا حصارها الخانق على سورية ، واستبشر عملاء الخارج ، وانتطاريوا الداخل ، أن صيغة التجويع، والتضييق، هي الحرب الاحتياطية التي ستحقق ما لم تتمكن الحروب العسكرية لعشر من السنوات من تحقيقه، ولكنها لم تحصد إلا الخيبات .
.
………..تخيلوا ورغم فداحة الحرب على سورية وما خلفته من موت ودمار ، لم تكن هي الغاية النهائية من الهجمة .
.
لم تكن هذه الحرب إلا البوابة لانطلاقة الحرب الفصل، الواسعة، والكبرى، والأهم ، الحرب الاستراتيجية والتاريخية، التي تعتبرها أمريكا الحرب الخاتمة، التي ستؤكد من خلالها تثبيت أركان امبراطوريتها العالمية، وهذه الغاية التي تعتبر غاية الغايات لن تتحقق، إلا بعد انجاز حصار روسيا والصين، وانهاء حلمهما بالتوسع والانتشار والمنافسة، وذلك من خلال قطع الطريق عليهما بعد اغلاق البحر الأبيض المتوسط، وقصقصة أجنحتهما بالاستيلاء على مجالاتهما الحيوية الإقليمية، والدولية، عندها فقط تؤكد أحاديتها القطبية، وتسوق حركة التاريخ على هواها، مستثمرة حضارة البشرية، وتوجيهها حسب مصالح شركاتها العملاقة، التي من أهم أولوياتها استثمار الأرض، والبشر، والحجر، ولو على دماء عشرات الملايين من البشر، أما صحة الانسان ورفاهة فهذه لم تعد في القواميس المتداولة في التشكيلة الرأسمالية المتوحشة .
.
لكن المفاجئ للاستراتيجيين الأمريكيين، ولغيرهم من الحلفاء، والخبراء، كان صمود الجيش العربي السوري وشعبه المذهل، الذي فاق كل حساباتهم، ومبادرة الأصدقاء والحلفاء السريعة لمواجهة وحوش الأرض، على الميدان السوري بدلاً من الانتظار ، لأن أمريكا كانت تبغي تصدير ونقل هذه القطعان الارهابية، إلى بلدي المقصد روسيا والصين، لإشغالهما ، تمهيداً لنقل الحرب الغاية، إلى بحر الصين والبحر الأسود حيث هناك الحرب الحسم ضدهما، فتلقوهم هنا على الميدان السوري قبا ان يرحلوا إلى هناك، .
.
نعم أمريكا لم يكن في حسبانها أن المنازلة الكبرى ستكون على الميدان السوري الذي بات الميدان الحسم، وأن روسيا والصين لن يرتكبا نفس الخطأ الذي وقع في ليبيا، لذلك قررا ملاقاتها على الميدان السوري، كما أن الزمن المخصص لتدمير سورية وتمزيقها، بالسرعة المطلوبة والمتوقعة لم يتحققا، كما كان مخططاً له من قبل معسكر العدوان ، لذلك ولا ريب أن صمود سورية، وصدها للهجمة المتوحشة الأولى واستيعابها لها بل ردها، قد فاجآ الأصدقاء قبل الأعداء، ولا بد أن يكون لتلك المواجهة الشجاعة الأثر الأكبر في تشجيع الحلفاء على المنازلة والتحدي .
.
كان على أمريكا أن تحسب حساباً أن الروس والصينيين، لن يكونوا في غفلة من أمرهم، بل سيبادرون إلى ملاقاة الزحف الأمريكي قبل الوصول إلى بلدانهم، لذلك بات الميدان السوري هو أرض ـــ الحرب ـــ المعركة العالمية بين معسكرين، من هنا علينا أن نقرأ تعقيدات الواقع وتشابكاته، لأن الحرب وصلت إلى حد كسر العظم، بين معسكرين، ولو لم تستخدم فيها الأسلحة الاستراتيجية، ليس تعففاً بل لم يعد ممكناً تحمل تبعة ذلك، من قبل المعسكرين، لذلك ستبقى الأداة الأهم في هذه الحرب، كما بدؤها من خلال الارهاب الأسود، المدعوم من المعسكر الغربي بكل دوله ومؤسساته، في الوقت الذي تزعم فيه أمريكا وحليفاتها الغربيات ان بقاؤهن في المنطقة هو لقتال الارهاب، علماً أن هذه الفرية لم تعد لتنطلي على أبسط الناس .
.
بعد أن وصلت الحرب إلى ما هي عليه الآن، يمكننا أن نسميها بكل موضوعية، ودقة، بأنها حرب تصفية بين معسكرين، لذلك لابد وأن تأخذ الحرب صيغاً اخرى مختلفة عن الحروب السابقة، لأنها لم تعد حرب كر وفر، بل دخلت عليها عناصر جديدة، وباتت تخاض وفق ومعايير دولية حساسة ودقيقة، فالكل يتحرز من التصادم مع الآخر، مما يجعل صيغة عض الأصابع، هي الصيغة الأقرب لوصف ما يجري الآن من تفاعلات، ، ومحاولات لحلحلة بعض الأمور بدون حرب حتى يتفادى الكلُ الكلَ، من هنا يمكن أن نطل على أسباب تأجيل الحرب على إدلب وما بعد بعد ادلب، ولا يمكن أن ننسى المحاولات والمناورات التي سيستخدمها كل من الطرفين ضد الآخر .
.
تحاذر وتتردد أمريكا الخروج المطلق من سورية، لأنها بذلك تخسر قدرتها على المناورة، والمساومة في مستقبل سورية، كما وسيلعنها حلفاءها الأكراد الذين استقووا بها، ومن ثم خذلتهم كما سبق فعلتها مع البرزاني العميل، وستتركهم في مهب الريح، تحت رحمة العدو الكردي، المهدد والجاد في سحق آخر احلامهم، كما أنهم سيضطرون لتقديم الولاء والطاعة للدولة السورية، التي خانوها، لتحميهم من الأكراد، ولكن على عقلاء الأكراد أن يعلموا أن بقاء أمريكا ليس مؤبداً، وسيجدون أنفسهم في حالة استجداء للصفح .
.
أما أردوغان العدو الذي لم يترك سلاحاً إلا واستخدمه ضد سورية، والذي لايزال يظهر بمظهر العدو، هو مضطر الآن، وبحكم الضرورة فتح خط مع سورية عن طريق وسيط، للتعاون والمساعدة على حل قضيتين:
ارهابيو ادلب الذين سيهربون باتجاه الأراضي التركية في حالة اطباق الجيش العربي السوري وحلفائه عليهم من السماء والأرض، لأنه البر الوحيد المتوفر لهم، وبذلك قد يشكلون خطراً وجودياً عليها، لذلك لمصلحته التعاون على الحل .
الرغبة بتواجد الجيش العربي السوري، على طول الحدود مع تركيا، وتشكيل حاجز فاصل، بين الأكراد السوريين، والأكراد الأتراك، فيريح تركيا من هذا الخطر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علينا أن ننظر لتعقيدات الواقع بعقدتيه، ( تحرير ادلب، وشرقي الفرات )، من أفق كنا قد أشرنا إليه سابقاً، بأن الحرب الدائرة على الأرض السورية، لم تعد حرباً اقليمية، بل باتت وبكل وضوح حرباً بين قطبين، قطباً كان مهاجماً وبمنتهى القوة، والاندفاع، والثقة بالنصر، وإذا باندفاعته الواثقة تصطدم بحاجز صد ورد غير متوقعين .
ليس هذا فحسب بل تسببت هذه الهجمة المتوحشة على سورية، بولادة القطب المشرقي، الذي كانت الولايات المتحدة تحاول اغتياله وهو في مهده وعلى أرضه، وإذا به يلاقيها على الميدان السوري، ويلحق بها هزائم على جميع الأصعدة، العسكرية ، والسياسية، والمعنوية، ويتمدد القطب الوليد بحجم خساراتها .
يجب أن نعترف أن النصر لم يصل بعد إلى مرحلة الحسم، ولكن بات مؤكداً أن سورية باتت ضمن حلف مشارقي، لا انفصام فيه، لأن لجميع الدول المتحالفة فيه مصلحة وجودية في انتصاره، فانتصار سورية بات انتصاراً حاسماً للصين، وروسيا، وإيران، وحتى للهند وغيرها .
وبذلك يمكن الجزم بأن الحلف المشارقي بات حقيقة واقعة لاريب فيها، كما بات النصر السوري مؤكداً، لأن نصرها بات نصراً لدول الحلف كلها، وأن هزيمة أمريكا المتوحشة هي نصر للدنيا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ