أميمة إبراهيم ..تدوّن مشاهدات إنسانية بحبر الدمع
*خلف عامر
في العتبة الأولى – العنوان – دلالة مكانية – دار الرحمة – دار مرئية تشغل حيزاً في المكان، و”الرحمة” لامرئية أي حالة حسيّة، و”الرحمة في بني آدم رقة القلب وعطفه”. الشاعرة أميمة إبراهيم إبراهيم، استطاعت من خلال تطويعها للغة، أن تجعل النص ينطلق من حالة توكيد جميلة، تؤكد على عظمة النساء ودورهن في صنع الحياة واستمرارها، وإكبارهن لدرجة التقديس إذ قالت:(يستحمُّ الضياءُ بهن / يتدفّقُ الكوثرُ من ثغورهنَّ).
نقلت الشاعرة القارئ من حيث لا يدري إلى قراءة احتياج نزيلات دارالرحمة، لرؤية عيني طفل كي يردهن إلى زمن الخصب الحياتي ، زمن الولادة، زمن تكوين الحلم المنتظر. صورت لنا كيف يتدفّق النبض من العين في الرؤية الأولى للوليد، وكيف تلوّن الضحكة الوجه.
الضحكة التي تسهم في تناسي وجعٍ قد يصل أحيانا إلى حد الموت.
(ينتظرنَ برق الفرح في عيني طفلٍ /
كي ينسكبَ الحبُّ دفوقاً من وردِ الخدودِ).
تبقى الشاعرة في مضمار التوكيد في الدار– أمّي وأمّكَ وأمّها /
والجدّاتُ الممعناتُ في الحياةِ)
ربما تعمّدت الصفع الموجع بشكل خفي لوجوه تنكرت لصانعات الحياة، لأمهات مرضن كي نشفى، جعن كي نشبع، بردن كي ندفأ، تعبن كي نرتاح، وهنا سارت القصيدة طريق المنهج الاجتماعي ، في رصد ظواهر حياتية مهمة تحصل في كل زمان ومكان، وتصور التناقض والزيف في الوجوه اللاآدمية، وهذا هو دور الأدب الحقيقي في مكاشفة الواقع وتعريته.
تعود لتصور لنا مشاهداتها لعيون نزيلات الدار، وتوقهن لزغاريد الفرح، ليطرد ماتراكم بقلوبهن من مرارات، وهن يعانين من موت سريري في ذواتهن يخفينه عن الزوار، وكيف يوهمن حالهن بفتح قلوبهن المتعبة للحياة.
فالشاعرة هنا سحبت القارئ إلى حكاية وجع متوالية ومستدامة مادام الطمع والتنكر في الذات الإنسانية:
( التوّاقاتُ إلى زغاريدِ الفرحِ / لا ينتظرنَ الموتَ /بل بشغفِ عاشقٍ
/ يفتحنَ القلوبَ للحياةِ).
كتب دمع الشاعرة النص قبل وداع الدار ونزيلاته… سلاماً لهن، وأجزم أن النص كتبها، ولم تكتبه، كيف لا وهي أنثى، وقد تصورت ذاتها في نفس الموقف. من مقل النزيلات ولِدَ هذا النص الإنساني العابر للمكان والزمان في آن واحد.
(سلاماً أيّتها السّيدات
البهيّات/ العاشقاتُ للفرحِ/
سلاماً للحياة تخضرُّ في المُقلِ).