الولايات المتحدة الأمريكية كظاهرة جغرافية ظهرت للوجود عام 1492م من قبل البحّار الأيطالي ( كريستوفر كولومبس) ، في حين اصبحت ظاهرة سياسية تمثّل بأستقلالها عن بريطانيا عام 1776 م ، امّا كونها قوّة عسكرية واقتصادية فقد ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 م ، ثلاثة عوامل صنعت اميركا هي المال اليهودي والعقل البريطاني و هجرة العقول والكفاءات اليها ، العمق التاريخي للعلاقات الأمريكية العراقية يعود الى عام 1889 مع اوّل قنصل لها بالعراق آنذاك و هو ( هنري هاينز) ، بعدها تحوّلت القنصلية الى بعثة عام 1931 ثمّ الى سفارة عام 1946 ، كان سفيرها بالعراق للفترة من 1954 ــ 1958 هو ( ولدمار غولمان) اثناء ظهور التيّار القومي الجارف القادم من مصر ، اذ تبنّت التيّار القومي و كان منفذها هو ثورة 14 تموز 1958 عندما جائت ببشارة طرد الملك فيصل الثاني و بريطانيا من العراق عن طريق صعود حركة الضبّاط الأحرار لسدّة الحكم ، وجدت في التيّار القومي اداة طيّعة لتنفيذ اهدافها كرّرت تجربتها ثانية عندما جائت بحزب البعث العربي الأشتراكي الى السلطة في 8 شباط 1963 اذ اعترف احد قادة الثورة و هو علي صالح السعدي بقوله ( نحن جئنا للحكم بقطار امريكي ) ، بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967 قطعت العلاقة السياسية و الدبلوماسية معها ، مذكرات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ذكرت بأنّ الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب كانت تربطه علاقة بالرئيس العراقي صدّام حسين عندما كان بوش رئيس لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1966 و برعاية مصرية ، للمرّة الثالثة جائت بحزب البعث للسلطة عام 1968 عن طريق ( عبد الرّزاق النّايف) رئيس الأستخبارات العسكرية و ازاحت ( عبد الرّحمن عارف) فيما عرف بثورة 17 تمّوز 1968 وهو خطّ (صدام حسين ) في حزب البعث ، العصر الذهبي لأميركا هو سبعينات و ثمانينات القرن الماضي بسبب سياسات التخطيط الستراتيجي لساستها مثل ( هنري كيسنجر) و (ديفد ماك) الّذين اتّبعوا سياسة الخطوة خطوة ، ( جورج بوش الأب) تعاطف مع العراق في حربه ضدّ ايران للفترة من 1980 ــ 1988 عنما كان نائب للرئيس الأمريكي ، اوّ لقاء بين وزير خارجيتها مع وزير خارجية العراق ( سعدون حمّادي)كان في 20/ 10/1980 ، اوعزت الى (صدام حسين) بمهاجمة ايران دون ان ينتصر احد كما جاء في مذكّرات ( هنري كيسنجر) ، في شباط 1982 زار العراق كلّ من (كاسبر واينبرغر) و(الكسندر هيغ) و(جارلس بيرس) ، في آذار 1983 زار العراق ( دونالد رامسفيلد) و زوّده بأسلحة كيمياوية ، رسميا عادت العلاقات السياسية و الدبلوماسية في 26/11/1984 ، انهارت سياستها بسبب مبدأ الردع التكنولوجي الألكتروني و هي تطبيق لنظرية مستشار الأمن القومي (زبيغينيو بريجينسكي ) انظمة الدفاعات الأقليمية في العراق ، فأوعزت لصدام بغزو الكويت و احتلالها في 2/8/1990 فكانت الهيمنة بالعراق و السعودية و الكويت و بناء قواعد عسكرية ، نتيجة الغزو هي حصار اقتصادي جائر و بقرار من مجلس الأمن الدولي 661 في 7/8/1990 و اخراج القوات العراقية من الكويت في 28/2/1991 عن طريق قيادة تحالف دولي من 40 دولة بعملية عسكرية عرفت عاصفة الصحراء ، كبّدت العراقيين 160 الف ضحيّة من الأرواح و اسقطت 88500 طن من القنابل على العراقيين ، نفّذ خلالها الجنرال الأمريكي ( باري مكافري) اقذر جريمة ابادة للعراقيين عند الأنسحاب من الكويت و كان وقتها مسؤول الفرقة الرابعة و العشرون مشاة الأمريكية ، خسارة اميركا كانت 27 طائرة قتالية خلال عاصفة الصحراء ، اثناء حرب عاصفة الصحراء المتضمّنة 40 يوم قصف جوّي بعدهاالهجوم البرّي اربعة ايام تركت قوات التحالف اربع فرق من الحرس الجمهوري العراقي سليمة لم تمس خلال الحرب تمهيدا لقمع انتفاضة شعبية عارمة عمّت العراق يوم 1/3/1991 وبأشارة من ملك السعودية (فهد بن عبد العزيز) و الرئيس المصري ( حسني مبارك ) لتدمير ما تبقّى من بنى تحتية و اضعاف قدرات العراق البشرية و الأقتصادية ، اميركا ارادت تدمير الدفاعات الجوية العراقية فكانت عملية ثعلب الصحراء و هي حرب الأيام الثلاثة الصاروخية الأمريكية على العراق في 16/12/1998 ، بعد احداث 11/9/2001 اعتبرت اميركا انّ الأسلام خطر على اميركا بدل الشيوعية و تحت هذه الذريعة مهّدت لعدوان جديد على العراق انطلاقا من اكذوبة وجود اسلحة دمار شامل عن طريق التقرير الذي اعدّه البريطاني ( جون تشيلكوت ) عام 2003 فقامت بحرب استباقية حسب ستراتيجتها الجديدة ، فشلت الحرب الأستباقية اذ لم تعثر اميركا على اسلحة دمار شامل بالعراق و لم تثبت تورّط ( صدام حسين ) بتنظيم القاعدة ، قبل بدء الأجتياح الأمريكي للعراق امر الرئيس الأمريكي ( جورج دبليو بوش) صدّام و ولديه بمغادرة العراق في 17/3/2003 و قال انّ القوات الأمريكية ستدخل العراق حتّى لو غادر القادة الثلاثة ، قادت تحالف دولي جديد على العراق من 49 دولة اذ بدأت طائرتين من طراز اف ـ 17 بالأغارة على بغداد يوم 20/3/2003مع دخول 31 مجموعة تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية تتكوّن من 300 شخص كأدلّاء للقوات الأمريكية ، و احتلّت العراق من اربع فرق عسكرية في مدّة 13 يوم و بغداد في ثلاثة ايّام و اكملت احتلالها للعراق في 9/4/2003 بعملية عسكرية سياسيا عرفت بتحرير العراق و دينيا عرفت بالصدمة و الرعب و هذه التسمية اخذت من الأصحاح الثاني و الثامن من سفر اشعيا في العهد الجديد جاء ذلك من خلفية و جذور (جورج بوش) الدينية المسيحية و الّتي يعتقد من خلالها بأنّ العراق جزء من اراضي الكتاب المقدّس و السيطرة على بابل ( العراق) علامات اكتمال دورة التاريخ ، و كان قرار مجلس الأمن الدولي 1483 هو تكريس للأحتلال الأمريكي للعراق ،فشلت اميركا في غزوها للعراق مثلما فشلت في افغانستان ، حصدت اميركا من اجتياحها للعراق قتل خمسة آلاف امريكي ، اصابة عشرون الف مقاتل بعجزدائمي ، خسارة ستمائة مليار دولار ، ارتفاع العجز في ميزانيتها الى اربعمائة و خمسين مليار دولار بعد ان كان مئة مليار دولارقبل الغزو ، نهاية الأحتلال كان بقرار مجلس الأمن الدولي 1546 عام 2010 ، اثناء وجودها بالعراق بنت اربع قواعد عسكرية رئيسية هي قاعدة عين الأسد و بلد و تل الأمير و كردستان ، وكان عدد جنودها بالعراق هو مئة وسبعين الف جندي عام 2007 ، بقي منهم خمسين الف عام 2010 ، آخر جندي امريكي غادر العراق عن طريق الكويت ضمن اللواء الثالث فرقة سلاح الفرسان الأولى كان يوم 18/12/2011 ، ثمن حرب اميركا على العراق الأخطر هو ماء الوجه لأقوى قوّة عل الأرض ، بعدها الّف ( جورج بوش) كتابه ( لحظات حاسمة) 2010تضمّن اخطائه في الحملة قبل غزو العراق و عم العثور على اسلحة الدّمار الشامل ، في عهد الرئيس الرابع و الأربعين لأميركا ( باراك اوباما ) الذي بدأ 20/2/2008 بدأ نمط جديد للحرب هو الحرب بالوكالة عن طريق دخول داعش الى العراق يوم 10/6/2014 و احتلال ثلاث محافظات و اضعاف الحكومة المركزية ، مما حدى بأميركا قيادة تحالف دولي جديد من خمسين دولة الذي بدأ مهامه في 7/8/2014 ، وطويت صفحة داعش في العراق في تموز 2017 في عهد الريس الجديد ( دونالد ترامب ) .
الكاتب محمود محمد سهيل الجبوري
العراق ـ بابل