بقلم المستشار محمد ابوزيد محمد
نفحات القلم
ما كتبته عن سارتر ( سبعة أجزاء ) ، وعن كافكا ، وعن ماركس فى المسألة اليهودية ، أضعه بتصرف السيدة الفاضلة / منيرة أحمد صاحبة موقع نفحات قلم ..ففى عنقى وعنق كل سورى ، وكل شريف فى عالمنا ، دين كبير ، لتلك السيدة المخلصة لبلدها ، والتى عملت خلال السنوات الماضية فى صمت ودون ضجيج ، وكان دورها يماثل دور أى جندى سورى فى جبهات القتال ..
هى فرصة لأحييها ، ولأشد على ايديها ، وأمنحها اقل القليل مما تستحق …))
ونحن بدورنا نحييك ونحمل الأمانة .. وننقل الرسالة
جان بول سارتر
الجزء السادس
أخذ سارتر يولى الناحية السياسية أكثر اهتماماته . فزاد فى إلقاء المحاضرات ، والإدلاء بالأحاديث ، والاشتراك فى القاء البيانات وتنظيم المظاهرات . وقد أيد منذ ١٩٤٩ النضال لانهاء الحرب فى الهند الصينية ، وندد فى ١٩٥٠ بالمعسكر السوفيتى وادان هجوم كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية ..
وفى هذه الأثناء تمت القطيعة بين سارتر وكامى ..
وكان كامى يرفض اكثر مسلمات سارتر ولايرى فيها اختلافا عن المسلمات الدينية .
وعندما اصدر كامى كتابه ( الغريب ) عام ١٩٤٣ ، قوبل الكتاب من النقاد مقابلة حسنة ، فامتدحوه لنبل موضوعه ، وسمو تفكيره ، وجلال عباراته . ولكن مساعد سارتر فى تحرير الازمنة الحديثة جانسون ، انفرد فى مايو ١٩٥٢ بمهاجمة الكتاب فأتهمه بأن اسلوبه الجميل قد طغى على قضايا الكتاب الحامية . فالكتاب على حد قول جانسون ، صرخة احتجاج على الظلم ، والتطرف والتعصب ، والتنكر للمبادئ الإنسانية . ولكن المؤلف قد جعله احتجاجا مفرطا فى جماله ، ومبالغا فى رقته ، وكماله ، وتعاليمه .
وقد اخذ جانسون يهاجم حياة واعمال سارتر . فأتهمه بأنه ينظر للثورات من وجهة نظر ميتافيزيقية . او على الاقل فلسفية ، مهملا أسبابها الاقتصادية والتاريخية التى أدت إلى ظهورها . ( واذا كان هناك عيب فى الثورات فلا ينبغى ان نفتش عن هذا العيب عند الفلاسفة ، بل فى الافعال الثورية ذاتها . ولذلك فلاصحة فى القول بأن مذهب ماركس هو الذى أدى إلى إرهاب ستالين . ولا مبرر للحكم على انه نتيجة من نتائجها .
وقد أستمر جانسون فى الهجوم القاسى على كامى ، فقال : ( ان كامى قد اخطأ مرتين : الاولى ، انه لم ينقد النظرية الماركسية من داخلها ، بل حملها مسؤولية افكار وافعال بعيدة عنها بعدا كبيرا . والثانية ، انه مر مرور العابرين على على ظاهرة الثورة نفسها .وسكت عن ظروف نشأتها . وسكت عن ظروف نشأتها ، وحركة تطورها ، وعناصر السلوك البشرى المكونة لها .
وقد احسن كامى ان الهجوم الذى وجهه اليه جانسون ، لم يصدر عنه وإنما جاء من سارتر ، فكتب رده عليه وارسله ليس الى سارتر وانما إلى رئيس تحرير الازمنة الحديثة ، وكان فى رده آسفا ، وغاضبا ، ومتعاليا . وقد حمل سارتر مسؤولية الهجوم عليه ، وتسائل عن الغرض من محاولة تشويه كتابه والنيل من شخصه وتاريخه . ثم سألهما : لماذا لا أستخدم كلاما جميلا فى كتاباتى عن الثورات ؟ وكان الكلام الجميل لا يأتى إلا من اليمين . وان على الثوريين ألا يكتبوا الا بأسلوب ركيك ..
وذكر كامى لسارتر انه لم يبلغ من الجهل والغباء الحد الذى ينكر فيه دور العوامل الاقتصادية والتاريخية فى قيام الثورات ، لكنه اراد ان يقصر عمله على توضيح الخط المنطقى فى بعض الوقائع الثورية ، والكشف عن موضوعات التمرد الميتافيزيقى فيها ، وابراز ميلها إلى تأليه الإنسان .
ثم أتهم كامى نقاده بالتناقض والعدمية ، من الناحية الفلسفية ، وبعدم الفاعلية من الناحية التاريخية ، لأنهم يدافعون عن الماركسية كعقيدة ، ويعجزون عن تأييدها كسياسة . وبتجاهلهم لمآسى الاشتراكية الفردية .
وقد نشرت مجلة الازمنة الحديثة رد كامى على جانسون كاملا ، ثم تناول سارتر عن مساعده مهمة اكمال النقاش مع كامى ،فنشرت له المجلة خطابا قاسيا ، وجه فيه القول ألى كامى قائلا :
” عزيزى كامى …
من أنت حتى تتعالى كل هذا التعالى ؟ ماالذى يعطيك الحق فى التكبر على جانسون ..إذا كنت تكتب أو تفكر خيرا منه ، فهل هذا يبرر ان تتكلم عنه كما لو كان نملة ، او تقف منه موقف القاضى من المتهم ..
يا لسخف هذه الاتهامات جميعا
وماذا يفعل الناقد اذا كانت افكارك غامضة وضعيفة ، وكان كتابك شاهدا على عجزك الفلسفى ؟
وقد انقطعت الصلة بين سارتر وكامى بهذه الفصول من النقاش ، واستمرت القطيعة بينهما كاملة ، حتى توفى كامى سنة ١٩٦٠ .
زار سارتر روسيا عام ١٩٥٤ ونشر بعد عودته منها عدة مقالات فى ليبراسيون اكد فيها ان النقد فى الاتحاد السوفيتى مباح ..وفى طريق عودته من روسيا ، توقف سارتر فى فيينا وطالب المسارح هناك بوقف عرض مسرحيته الايدى القذرة حتى لا يغضب الشيوعيين هناك .
وفى عام ١٩٥٥ زار سارتر وسيمون دى بوفوار الصين الشعبية واعلن سارتر ان الماويين يلتصقون بالجماهير اكثر من غيرهم . ويأخذون منهم افكارهم ، وانهم لهذا اقرب الى الثورية .
وكان سارتر قد اتجه بعد ذلك إلى تاييد الثورة الجزائرية تأييدا قويا فأعلن فى عام ١٩٥٦ ( ان الشئ الوحيد الذى نستطيع ، ويجب ان نحاوله ، وقد أصبح اليوم ضروريا : ان نكافح الى جانب الشعب الجزائرى ، لتخليص الجزائريين ، وأيضا الفرنسيين
وعندما صادرت السلطات الفرنسية مجلة الازمنة الحديثة التى يصدرها سارتر ، بسبب نقده لكتاب هنرى أليج ( المسألة ) نقدا عنيفا ، عقد سارتر مؤتمرا صحفيا ادان فيه سياسة الحكومة الفرنسية الماسة بحقوق الانسان الجزائرى ، وسمى بعد ذلك ، الجنرال ديجول بالمدعى ، وشارك فى المظاهرات التى قامت فى باريس وأنشد فى منفيل مع سيمون دى بوفوار نشيد المارسييز مع المتظاهرين .
وقد قطع سارتر علاقته بالشيوعية والشيوعيين سنة ١٩٥٦ عندما اجتاحت الجيوش الروسية المجر ، فندد سارتر بالجيش الاحمر وقال :
( لقد اطلق الجيش الاحمر نيرانه على شعب المجر جميعه ، وليس على حفنة قليلة من المجريين المسلحين ..ان ماضاع ضياعا كاملا مع دماء الشعب المجرى الباسل ، هو الاشتراكية التى كان الاتحاد السوفيتى يصدرها للعالم )
وحين وقع العدوان الثلاثى على مصر سنة ١٩٥٦ أدان سارتر هذا العدوان ، ودافع عن حقوق وشعب مصر ..وقال :
( ان هناك دعاية ماكرة ، تهمس على الدوام فى آذاننا ..ناصر الديكتاتور ..ناصر الديكتاتورى ..لتقنعنا بأننا نخرر مصر من طاغية . ولكن كفاكم . ان طائراتنا قد القت قنابلها على فلاحى مصر البائسين الذين تأكلهم المجاعة المزمنة . وان ناصر بتأميمه قناة السويس ، إنما كان يلبى إرادة شعبه . فبهذه الموارد الجديدة ، سيستطيع ان يبنى السد العالى . وان يروى ويزيد مساحة الأرض المزروعة فى مصر )
وفى عام ١٩٥٩ قبض البوليس الفرنسى على المجموعة المعروفة باسم مساعد سارتر ( جانسون ) . فتضامن معها سارتر ، ووقف يؤيدها امام القضاء الفرنسى . وقيل ان ديجول قد سئل فى هذا الوقت : لماذا لا يقبض على سارتر ؟ . وانه قد أجاب : أن سارتر هو ايضا فرنسا . وهل أستطيع أن اقبض على فولتير ؟
وبعد …كنت انوى أن يكون هذا هو الجزء الاخير فى سيرة سارتر ، ولكن مازال هناك الكثير الذى يحتاج الى جزء آخر .. لكم تحياتى .