منطقتنا لم تحكمْ نفسها من ( قَبْلِ المُتَوكِّلْ ) ، حُكِمَتْ ( بخلطة ) لا نهوض بدون نسفها
صمــودُ الشـعوبِ ، وتحـديها ، ليسـت بنـت ساعتـها ، بل هـو ارث تجـدده الضـرورة
التاريخ لا يتشكل من تجمع أحداث ، بل هو صيرورات وتحولات ، ونحن على أبوابه
المحامي محمد محسن
( مقــالٌ جــادٌ أقــدمه للوطنيين للجادين )
لا نتفلسف ، ولكن يجب أن لا نستخف ، ولا نَلْعَنْ حاضرنا ، بل أن نقرأ أسباب قعودنا عن المساهمة في حركة التاريخ ، [ بغاية الخروج ] ، وهل كان القعود إلزامياً جاء من الخارج ، أم هو خصيصة عنصرية تتعشق بنا كعرب ، أم الاثنتين معاً ؟
ومع أن النظرية العنصرية قد سُحِبتْ من التداول عالمياً ، ومع ذلك يبقى من العرب وغيرهم ، من يقول لك ، أنتم العرب [ لا تقرؤون ، لا تساهمون في التقدم العلمي ، دوركم الحضاري صفر ] ، ويعمم هذا الفهم الكثير من ( مثقفي ) الشهادات العليا ، القادمين من الغرب .
حتى استوطن وعي عام يروجه ( المتغربون ) و ( الاسلاميون ) ، يقوم على التسليم بهكذا مقولات تدفع للخنوع ، ويمكن أن نفسر هذا من خلال تنطُحِ بعض من (المثقفين) ، حملة الشهادات ، لحمل راية النضال الوطني في بلدانهم ، وإذا بهم وبعد ( نسمة غربية ) ، يهيمون في الغرب عشقاً ، فَيتَرَحَّلونَ فكراً ، ويْرحلونْ جسداً وكياناً إلى هناك حيث ينعمون ! ، ومن هناك وبعد تقديم أوراق اعتمادهم ، كعملاء لحضارة الغرب المُشيَئَةُ ، يقومون بأدوارهم في قيادة مجتمعاتهم من أرضِ فكرية غربية ، ومن أرضِ ذلك الغرب .
ولكن بصيغة معكوسة ، فالشيوعي يصبح لبرالياً بمسحة دينية ، يستبدل القانون ( الماركسي ) انتقال الكم إلى الكيف ، إلى القانون الذي يعتبر المذهبيات الدينية هي محركة التاريخ ، ( برهان غليون ، وصادق جلال العظم نموذجاً ) ، والقومي المنادي بالوحدة العربية ، يصبح ( كسمبوليتياً ) لا منتمياً لوطن ( لا يحصون ) .
والحقيقة المطلقة الوحيدة المقرة : أن الشعوب ( أية شعوبٍ ) ، هي بنت ظروفها السياسية ـــ الاقتصادية ، ووعيها الجمعي العام الذي يقود سلوكها ، ليس إلا الابن البار وانعكاس لتلك الظروف ، بكل تعقيداتها ، ويعود فيؤثر بها ، وتعود فتغنيه بما عندها ، سلباً كان أم ايجاباً .
وتبقى هناك حقيقة تاريخية ، لم تتمكن موجات الاجتياح ، لأرضنا وتاريخنا ، التي لم تتوقف حتى الآن ، أن تحذفها من تاريخنا .
…………..وهــــــــــــــــــــــــــــــــي :
شعوبنا هي أول من فتحت باب التاريخ للحضارة الانسانية ، [ (من أوغاريت ، وبابل ، ونينوى ، وماري ، وخوفو ، وخفرع ، ) و ( من جلجامش وأنكيدو ، وعشتار ، إلى بعل ، ورمسيس ، ” والمسيح ، ومحمد ” ) ] .
بهاتين الحقيقتين :
نكون قد أثبتنا فساد النظرية العنصرية ، وأن شعبنا الذي أشعل النور الأول للحضارة ، هو بقادر على المساهمات الحضارية حاضراً ، ومستقبلاً .
[ إذن ما هي أسباب قعودنا على حافة التاريخ ] ؟؟ .
الاجابة على هذا السؤال ، يجب أن تكون بشجاعة تنبعث من ضمير الأمة ، وبكثير من الموضوعية .
[وفق ثلاثة مفاهيم لا انفصام بينها كل منها تشد الأخرى ] .
أول خطوة :
( دراسة تاريخنا ضمن ظروفه المكانية والزمانية ، بكل ما فيه من فقه وفلسفات ، وتركه في ذلك الزمان) ، لا أن نستحضره ونعيشه كدليل للحاضر والمستقبل ، لأنه بات عتيقاً لا يتلاءم والتقدم العلمي الهائل .
الخطوة الثانية :
أن نخرج العقل من [حبس] ( المُتوكلْ ـــ الغزالي ـــ ابن خلدون ) التاريخي ، ونمنحه حريته في قيادتنا إلى المستقبل ، على مبدأ أن الانسان ( مخيرٌ وليس بمسيرٍ ) و ( أن ما قاله فلان ( فقيهاً كان أو فيلسوفاً ) في الماضي مهما كان (عالماً) هو ابن زمانه ، ولا يجيبنا على تساؤلاتنا الراهنة ، التي نتجت عن التقدم العلمي الهائل ) .
الثالثة :
أن نحول دماء شهدائنا ، ودمار بلادنا ، وصمود شعبنا ، وجذرية تحالفاتنا التي عمدها الميدان ، إلى نصر على كل ذلك التاريخ الذي حجب عنا ضوء الشمس ، ومن ثم تجاوز ، لكل تلك الاجتياحات السوداء التي اغتالت دورنا .
من هولاكو وحرقه لمكتبات بغداد ـــ والسلاطين العثمانيين الذين حكمونا ، بنسخة اسلامية محرفة وظلامية . والاستعمار الغربي بكل تلاوينه ، الذي وظف تقدمه العلمي في استخدامنا ( كفئران تجارب ) ، للكشف عن أسرع طريقة لاستعمار الشعوب ، وتمزيق المجتمعات ، وتجهيلها ، ومن ثم السيطرة عليها ، ثم عمم نسخة دينية محرفة متوحشة ، كان قد طورها ، ثم استخدمها كآخر أداة لتدمير بلادنا .
…[ لا عودة للوراء ذاك زمن انقضى ، ونحن نتطلع الآن إلى المستقبل ]..
انتقالنا النوعي لن يكون (هيناً ) بل لابد أن يكون ، ولكن مع معاناة صعبة .
لأن جحافل الأعداء بمعسكريها :
الديني الظلامي ، وكل حلف الطغاة ، بما لهم من استطالات ـــ واسرائيل ـــ وعملاء . سيستخدمون حتى الأسلحة الاحتياطية . ولكنهم سينهزمون :
[ لا عودة للوراء لأن الغرب المتوحش خسر حربه الحسم ، وهو في مرحلة الانكفاء ، كما خسرت أداته الفكر الديني الظلامي . وسيسلم التاريخ عهدة بناء الحضارة للشرق ، لأن الميدان السوري ، قال : من هنا ولدت الحضارة ، وأرض المولد معنية بإعادة التوازن الحضاري ]