بركان الشوق يكاد ينفجر ألما… غضبا …. بحفر غرست أنيابها في الروح … محولة دموع العين إلى غصات متراكمة في القلب .مترامية … متلاصقة . كحبات الترب التي عجنت بدماء اليدين وهما يعملان على اجتثاث الأعشاب الضارة من بين غراس ونباتات عمدت بالحب والفرح … وسقتها بسملات السماء . وابتهالات الفرح بمواسم تحمل على أغصانها ألوانا شهية المنظر والمذاق .. تقطر عرق الأيام ومن جباه أحبت العمل .. ورعت البراعم مع كل ثانية من عمرها .
لم تترك يدها مجالا لغصن يابس أو وريقة صفراء إلا أبعدتها عن فرح اخضرار حبات هي عندها بمثابة حبيبات الدمع على عزيز . رحل .. أو حبيب أطال الغياب .
في تلك القرية التي كانت تحملها غصن فرح , وثمار عطاء , عشقا لا يعرف فتورا ولا يفارقها بل كان رفيقها الجميل تتغنى به .. تغازل صباحاته وهي تستعد لاستقبال أول خيوط الشمس .. جلساتها في ظل شجرة الرمان , أمامها أشجار الجوز واللوز والتين والعنب , وعلى مرمى نظر منها تتسابق مغناجا أشجار الزيتون والدراق والليمون و الاكيدينيا , والصبار الذي زرعت معه قطافا من روحها ليكبر وتقطفه متحدية شوكه …… لن تنسى مواسم الخضار الصيفية والشتوية التي كانت تسابق الوقت تزورها في اليوم عشر مرات وأكثر مطمئنة على أنها بخير … تبادلها حديث العين والقلب وبكل حنان تهدهدها …
منزل نقلت مع العمال حجارته واحاطته بأسوار من حب وحديد .. كسته بكل جميل وجديد … تنتظر الصيف بشوق لتغسل جدارنه الخارجية وما يحيط به من أشجار بما جمعته خزانات المياه التي ارتوت بعرق ودم والديها وهما يبنيانها .
نعم إنه بركان الشوق حتى لذلك الدرج الداخلي القاسي الذي سقطت عليه لتلك الحجارة الزائدة عن الحاجة التي كانت كل فترة تعيد ترتيبها ورصفها لتبدو جميلة … لنبات القريص الذي تحبه والذي جلبته من أرض بعيدة وأعادت زراعته
لأقراص الهندباء … لكأس من المريمية التي جلبها والدها أيضا من مسافة بعيدة وزرعها لتكون خير علاج لحالات البرد ذات الطعم القاسي كما كانوا يقولون لها لكنه طيب ومفيد , هل تسمحين لنا بباقة منه نرسلها لاولادنا في الشام أو حلب … نعم أكيد لكن أرجو منكم أن تقروا الفاتحة على روح والدي الذي زرعها … وكذلك سلال الرمان والعنب واللوز والجوز التي كانت تقدمها لتكسب من الجميع قراءة الفاتحة والترحم على روح والديها الذين زرعا تلك الأشجار وزرعا معها حب العمل والعطاء نعم ما زالت تذكر كلامهما عند نضوج أي موسم ( يا ولاد الرزق اللي بيتاكل منو الله ببارك فيه , ممنوع تبعوا شي طعموا منو لوجه الله تعالى ))
نيران البركان ترتفع في روحها . تحول إلى دموع تحرق فيها من القلب حتى أخمص القدمين , وتشعر أنه قليل . يدها تكاد تمسك به . تخنقه .. تقتله . تعيد إنعاشه لتقته مرات ومرات , ترتجف .. تتراجع خطوات عن أفكارها الجاسمة جمرا في مخيلتها , تتلاحق الصور بين ما كان وما أصبح على يد ابن أبيه ذلك المتخفي المعروف المجهول . تصرخ به ألا تبت يديك , ألا لعنة الله على من وسوس في قلبك النجس بأن سرقة جهد الأخر حلال , الا شلت تلك الايادي التي ابتاعت منك . سم زعاف ما تتذوقه من طعام أو شراب بثمن ما سرقته .
يا أيها المشبه بالبشر . يا شيطانا بجسد أدمي . ويقف الحرف على حطام المناظر .. مقيدة بكل تعاليم والديها . بمنظومة القيم والمثل التي شربتها منهما … نعم تكسر قلبها صار حطاما مع كل باب كسره ذلك الشيطان مع كل صحن وكأس ,مع كل قطعة أثاث قنصها او قام بتخريبها تقطيعا أو حرقا . , أبوابا ونوافذ تعرضت للخلع ومع كل حركة فارغة منها تخلع جزء من نبضها . مع بقايا وحطام متناثر هنا وهناك يتناثر قلبها وتتقطع سنوات الفرح ..
مشردة باتت بين الأماكن والأفكار وبقاياها المهزومة من هول الصدمة وشظاياها المبعثرة التي أعجزتها عن زرياة تلك القرية التي نبتت بذور حياتها فيها وأنبتت من الحب فيها ما لا تستطيع نسيانه ..
ما زال الحلم هو الوحيد الذي يقلها كل حين إلى شوارع وحارات وبيوت القرية ومساحاتها الشاسعة التي طالما جمعت منها الزعتر البري والزوفا والهندباء وووووو
وضحكاتها وصديقتها حين ينظران إلى ثيابهما وقد علقت بها أشواك البرية مع أياد صارت خشنة وعرق يتصبب وشمس تلفح الوجه .. وماء كان معهما نفد والكيس الذي كان يحوي كاسات القهوة وعلبة السجائر ما زال يحتفظ ببقايا القهوة .. وزهرات برية جميلة المنظر ………………….
أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأاااه يا جبال الشوق والمرارة ,
متوحش أيها الزمن الذي يجمع غلال العمر وزوادة خريفه في بطن شيطان ….
وقبل ختام بعض من فصول البركان ب( حسبي الله ونعم الوكيل )
استذكر قول شاعر الهند طاغور :
الإنسان أبشع من الحيوان إن اصبح حيوانا
منيرة أحمد – نفحات القلم