سواء كان التاريخ يمشى للأمام أو يمشى بشكل دائرى ، فنحن كعرب لا نقرأ ..وإن قرأنا لا نأخذ العبر ، والدليل أن التواريخ تتكرر والعرب فى غيهم يعمهون …
دخل العثمانيون إلى ليبيا سنة ١٥٥١ عن طريق البحر ، فلم يأتوا من الشرق حيث كانوا متواجدين فى مصر قبل هذا التاريخ ب ٣٤ سنة ، ولم يكن دخولهم ليبيا إرتدادا لوجودهم فى تونس ..ليبدأ ما أسماه المؤرخون بالعهد العثمانى الأول الذى انتهى عام ١٧١١ على يد أحمد القره مانللى مؤسس الأسرة القرمانلية التى حكمت ليبيا لأكثر من مائة عام ..
وفى ظل الحكم العثمانى كانت ليبيا تعرف باسم طرابلس وبرقة احيانا ، وغالبا طرابلس الغرب ، وقد كانت طرابلس ولاية عثمانية وفزان سنجق تابع لها ، اما برقة فقد كانت سنجقا مستقلا ..
أما العهد العثمانى الثانى فقد بدأ عام ١٨٣٥ وذلك بعد ان أطمأنت تركيا أن محمد على بقواه المتنامية لن يفكر فى دخول الاستانة وذلك بعد ان انتهت حرب الشام بتوقيع اتفاقية كوتاهية عام ١٨٣٣ ، فأرادت تركيا حصار محمد على إبتداء من ليبيا كى لا يفكر فى القيام بمغامرة جديدة كتلك التى قام بها إبنه ابراهيم بك وكاد أن يسيطر على الدولة العثمانية لولا تدخل روسيا لحماية الدولة العثمانية من السقوط ، وطلب محمد على من ابنه الرجوع وعدم التقدم الى الاستانة قلب الدولة العثمانية . كما ارادت تركيا إرسال النجدات إلى أحمد باى الذى كان يقاوم التوسع الفرنسى فى قسنطينة فى الشرق الجزائرى حيث كان من الصعب على تركيا المرور بالمساعدات عبر تونس التى كانت تحكمها الأسرة الحسينية التى كان يربطها بفرنسا ود ظاهر يسمح لها بالبقاء على أريكة الحكم فى تونس ..
توجيه تركيا لحملتها الثانية الى طرابلس الغرب وقضائها على حكم اسرة القرمانللى سنة ١٨٣٥ وعودة الحكم العثمانى الى ليبيا بتحول طرابلس الى ولاية ، وبنغازى الى متصرفية ، هدفت الى تطويق محمد على من الغرب فى الوقت الذى كانت فيه قواته موجودة فى الشام ومنتشرة شمالا حتى جبال طوروس . وفتح الطريق الى دعم العثمانيين الذين يقاومون التغلغل الفرنسى فى الجزائر ، وقد شهدت الطرق الصحراوية مسيرة الكثير من القوافل التى تحمل السلاح الى الجنود العثمانيبن الموجودين فى قسنطينة ، وشهدت نفس الطرق تنقلات الشيوخ ورجال الصوفية الذين عملوا على رفع الروح المعنوية للاهالى والمجاهدين فى مقاومة الغزو الاستعمارى الفرنسى للجزائر .
وظلت طرابلس الغرب تؤدى دور قاعدة الأمداد حتى سقوط قسنطينة فى ايدى الفرنسيين عام ١٨٣٧ . ( هل فهمتهم الآن سر الحدة الفرنسية واللهجة العنيفة للرئيس ماكرون حيال التواجد التركى فى طرابلس )
( ورغم وضوح ان احد اهم أهداف التواجد التركى فى طرابلس الغرب إضافة إلى إستكمال الحصار المضروب حول مصر ، هو تحزيم الجزائر الذى تطرح لهجة مسؤوليه اكثر من علامة إستفهام حول إدراكهم لحقيقة الخطر الداهم الذى يتهدد الجزائر ، الذى تتم محاصرته بشكل هادئ ) ..
فطرابلس الغرب كانت محور الإهتمام العثمانى ومركز ثقل الوجود التركى فى ليبيا ، وينعكس ذلك فى حجم طرابلس فى منتصف القرن التاسع عشر حيث كان عدد سكانها يزيد على ٦٠ الف نسمة بينما كان عدد سكان بنغازى لا يتجاوز ١٥ الف نسمة ، فطرابلس الأغنى موردا والأكثر تطورا إذا قورنت بباقى اقاليم الليبية . .
فإبان عهدى الإستعمار العثمانى لليبيا كانت طرابلس هى مركز الثقل ومركز الإهتمام فى حين ظل الشرق ( برقة وطرابلس ) والجنوب ( اقليم فزان ) خارج الإهتمام وخاضع لحكم سلطات محلية فى الأغلب ..
نفس العملية التاريخية تقريبا تتكرر اليوم ، بجل لاعبيها ، فالعثمانيون بمجموعاتهم الإرهابية التى تؤدى الدور الذى كان يؤديه مشايخهم ورجال الطرق الصوفية فى الماضى بصورة معدلة ، لكنها لا تلعب لحسابها هذه المرة كما كانت فى الماضى وإنما تؤدى دورها المرسوم لصالح رأس المال الامريكى فى تناقضه مع رأس المال الفرنسى هذه المرة حيث مازال رأس المال الفرنسى يعتبر تونس والمغرب والجزائر محميات فرنسية ، بينما يعتبر العثمانيون وجودهم فى طرابلس الغرب ضمانة للحيلولة دون إسقاط حكم الأخوان لتونس حيث ان تركيا اردوغان مهددة بفقد دورها المرسوم من جانب راس المال الدولى إذا فشلت فى حماية حكم الإخوان فى تونس بعد ان سقط او كاد مشروعهم السياسى فى سوريا .
المصادر
_ د. جمال حمدان _ الجماهيرية الليبية
_ د. جلال يحيى _ تاريخ افريقيا الحديث والمعاصر
_ نقولا زيادة _ ليبيا من الاستعمار الايطالى الى الاستقلال
_ بحث غير منشور لمحمد ابوزيد بعنوان الحدود الليبية التونسية