نفحات القلم
محمد هاشم الآلوسي
جاور النهر لسنوات عديدة، واعد ضفافه وشجر الصفصاف، وأسرّهم من نجواه حتى فاضت اللوحات القماشية البيضاء سحراً فراتياً اللكنات، مرّ بتجارب فنيّة متعددة، وعايش الفترة الذهبية للحركة الثقافية الرقيّة عامةً والتشكيليّة خاصة، إنه الفنان التشكيلي موسى الحمد.
ولد في الرقة عام 1963، درس الفن دراسة خاصة بعد أن تخرج من مركز الفنون التشكيلية بالرقة عام 1988. حاز على الكثير من الشهادات التقديرية وله أكثر من ثلاثين معرضاً فردياً وجماعياً موزعة في الصالات الأجنبية والعربية. كتب العديد من مقالات النقد الفني في الصحف السورية، وله أعمال مقتناة في أكثر من دولة عربية وأجنبية، وهو من مؤسسي تجمع توتول الفني.
يعتمد الفنان الحمد الرسم بالفرشاة والسكين وشفرة المشرط التي عمل بها بتكنيك جميل في لوحاته الأخيرة بألوان الباستيل الزيتي، والتي جاءت بعد انقطاع فترة طويلة نسبياً خصوصاً عن الرسم بالألوان الزيتية التي عايشها منذ تخرجه من مركز الفنون وحتى العقد الأول من القرن العشرين.
قال عنه الناقد الدكتور محمود شاهين: أعمال التشكيلي موسى الحمد تمدّ أكثر من جسر إلى العالمية بمفرداتها التراثية ومدلولاتها الفنية وتجربتها العميقة.
وهذا ما يميّز لوحات الفنان الحمد فعلاً، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ والهوية التي استمد مفرداتها من حضارة وادي الفرات، فوظّف رموزها وعاداتها وتقاليدها الشعبية في تشكيل أعماله، وسخّر ألوان الطبيعة فيها في تشكيل الطابع العام لها، لذلك نجد الأزرق والأصفر والأحمر من أساسيّات الألوان في هذا التعبير.
وعن ذلك يقول الفنان فواز يونس: لوحات التشكيلي موسى الحمد عبارة عن كرنفالات لونية تضجّ بالجمال وتأسرنا بمتعتها، حيث يبحث الفنان موسى الحمد عن ذاته بين عجائن الألوان ومتاهات الخطوط والأشكال، ليشكّل منها لغة بصرية تُدهش المتلقي، ليتعايش معها بكل أبعادها.
إن المراحل الفنيّة التي مرّ بها الفنان الحمد من الواقعية إلى الانطباعية التي سكنت تفاصيل لوحاته الصغيرة والكبيرة، إلى التجارب الشخصيّة اللاحقة، تأرخ لأصالة مدينة، وحضارة شعب موغل في المحلية، من الكلمة إلى اللون إلى اللحن، ويستطيع المشاهد لأعمال أن يشتمّ عطر التاريخ وقصصه من خلال تمازج وخليط لوني مميّز.
لقد عايش الفنان موسى الحمد تراث وحضارة البيئة التي ولد فيها بكل تفاصيلها، فكوّن اللبنة الأولى التي أسس عليها ثقافته البصرية والماديّة، وأثرى هذه المعرفة باطلاعه على المدارس الفنية الغربية، ودرسها دراسة معمّقة، فزاوج مابين محليّته والتجارب الثقافية الأخرى، مما جعله متمكناً من اللوحة التي يرسمها بكافة مفرداتها.