/ مازبدا – Mazibda /
( اللاذقية في العصر الحديدي الثالث 330 – 550 ق.م )
لم يأت ِ وصف ابن بطوطة ، الذي عاش في القرن الرابع عشر ميلادي، لمدينتنا بأنها مدينة ” عتيقة ” عن عبث ٍ بقوله : ” ثم سافرت إلى مدينة اللاذقية وهي مدينة عتيقة على ساحل البحر ، يزعمون أنها مدينة الملك الذي يأخذ كل سفينة غصباً ” .
ولاريب أن معظم التنقيبات الأثرية والدراسات التاريخية تؤكد أن هذه المدينة العتيقة
منذ حضارة ( أوغاريت ) التي ذهبت أثراً بعد عين ، حتى يومنا هذا ما زالت عروساً على شاطئ الأبيض المتوسط .
وربما كان لهذه العتيقة أيضاً إحراز قصب السبق في الدور الحضاري البارز الذي لعبته في حياة الشعوب القديمة ، والتاريخ الممتد في أعماق ما قبل التاريخ لهذه المنطقة، حيث اتصفت بالوداعة والسكينة ، رغم ما عانته من أحداث ، مع سقوط معظم ممالك مدن الأبيض المتوسط واندثار بعضها ، لاسيما دمار شقيقتها أوغاريت حوالي 1200 ق . م . والتي مازالت الآراء متضاربة حول أسباب دمار هذه المملكة حتى الآن .. فكانت ( اللاذقية) أغنية البحر المتجاوبة مع كل الحضارات .
وقبل أن تملأ شهرتها الآفاق بالاسم الذي أطلقه عليها سلوقس نيكاتور ، أحد قادة الاسكندر المقدوني ، تيمناً باسم والدته ، معلناً إنتهاء العصر الحديدي الثالث ، أو ما يسمى العصر الفارسي الممتد من سنة 550 ق . م تقريباً حتى سنة 330 ق . م ، حيث بسط الفرس سيادتهم على البحر الأبيض المتوسط، سنة 539 وصار الساحل السوري في قبضتهم لمدة تزيد عن قرنين ، حتى عام 330 ق .م .
ويبدو أن مدينتنا هذه والتي كانت تسمى ( ياريموتا – راميتا ) شهدت خلال هذا العهد إزدهاراً كبيراً ، وهي التي قد تعلمت على الأرجح الدرس جيداً من قرينتها مدينة (صيدا) التي ثارت ضد ملك الفرس ( إرتحششتا الثالث ) فجاءها الأخير بجيش عظيم ليخمد مقاومة أهلها الذين تحدوا الحصار بشراسة ، وفضل أهل صيدا الموت على السبي والأسر ، فأحرقوا مدينتهم وجميع مراكبهم واستسلموا حرقاً، ويقال أن أكثر من 40 ألف شخص كانوا داخل مدينة صيدا ، هلكوا في هذا الحريق .. ، ودمرها الفرس تدميراً شاملاً .
فيما استطاع أبناء ( راميتا ) توثيق علاقاتهم مع أهل اليونان الذين وصلت دولتهم حينذاك إلى قمة حضارتها ، فاستفاد أبناء الساحل السوري من تجارته مع العالم اليوناني ، ومع العالم الفارسي .
وتشير مرويات التاريخ أن مدينتنا ، الواقعة آنذاك تحت سيطرة حكام بلاد فارس، أو ما يسمى العصر الفارسي 550 – 330 ق . م ، اشتهرت باسم ( مازبدان ) ، و ( مازبدا ) ، وقيل أن السكان المحليون دعوها باسم ( مزبدا ) ، والتي تعني حسب زعمهم في اللغة العربية ” زبد البحر ” ، وهذا ما لا يمكن الذهاب إليه كثيراً، حيث أن كلمة (مازبدان) أو (مازبدا) فارسيتا الأصل والأخيرة يقابلها بالعربية معنى ( زاهية ) ، وتعني أيضاً : مكان السرور ، والإنشراح ، إذ تتألف هذه الكلمة من مقطعين :
الأول : (ماز) ويعني بالفارسية : السرور، البهجة، الانشراح .
الثاني : (بادَه) ويعني بالفارسية : الخمر، المُسكر .
و ( ماز ) في العربية يعني فضل بعضه على بعض، وربما فصل بعضه عن بعض، وهو الأرجح . وجذره (مزّه) ومعناها دواق، أصل الكلمة هو الفعل (مزو) الآشوري ومعناه التقسيم لقطع صغيرة ؛ و(مُزه) : فاعل من أزهَى .
والسرور هو الإشراق والبهجة ، أي الزهزهة . وبهذا الصدد يقول شهاب الدين الخفاجي في ” شفاء الغليل في ما في كلام العرب من الدخيل ” ، الزهزهة بمعنى تحسين، وهي مولدة من قول الفرس : زه ، زه . وهو اسم فعل للاستحسان، فارسي، وانشى من الشراب ، فهو ” مزهزه ” .
وزها : تاه وتعاظم وافتخر . زها السراج وغيرُه : أضاء، صفا وأشرق . والزَّهوُ : الكبر . و – المنظر الحسن . و – النبات الناضر .
و { الزاهية } تعني الصافية اللون ، اللامعة المشرقة ، المتباهية ، الحسنة .
و( مازه ) تعني أيضاً سلسلة حبات الجواهر . و – سلسلة فقرات الظهر .
أما ( دان ) يعني مكان وزمان ، كما يعني حبة بذرة النبات ، حبة القمح ، أو الشعير ، والحبوب التي تقدم للطيور ، ودان لاحقة تلحق بالكلمة فتفيد المكان .
لعل ما سبق من مفردات متعددة متنوعة جميعها يتوافق والموقع الجغرافي لهذه المدينة الغنية بآثارها والتي يرقى بعضها إلى العصر الفينيقي ، مما يشير بشكل أو بآخر إلى أن هذه المنطقة التي تشغلها المدينة حالياً مأهولة بالسكن البشري منذ العصر الحجري .
وان موقعها الجغرافي ضمن مناخ متوسطي معتدل ساعد على أن تكون المناطق المحيطة بها مناطق زراعية بإمتياز ، فاشتهرت في العصور القديمة بريف خصب وغني خصوصاً بكروم العنب التي منها كان يصنع محلياً النبيذ الفاخر ويصدر إلى اليونان ومصر ؛ وهو لا شك أحد مقومات الزهزهة آنذاك .
اللاذقية 2 كانون الثاني 2 0 2 1 ☆ بسام جبلاوي .