للشاعر الدكتور جهاد صباهي
ينبتُ على نافذةِ الكونِ المغلقةِ
قطيعٌ من الأسئلةِ الغامضةِ
تتحولُ إلى كرةٍ من الثلجِ
تكبُرُ وتكبُرُ
كلما حاولتُ اللَحاقَ بها
أعدو خلفَ غيومٍ من الأجوبةِ
تٌصابُ بالإغماءَةِ كلما اقتربتُ منها
أرتابُ ممن يحاولُ أن يكشُفَ غموضَها
ويصنعُ ثقباً في جنحِ الليلِ
بعيونٍ من زجاجْ
أُعلِنُ عصياني
وأفتحُ شقّاً كبيراً في ثوبِ النافذةِ المزركشِ
بأوهامِ الريحِ المسمومةِ
تتسربُ عبرَهُ
تُحولُ أجسادَنا إلى دمىً خائبةٍ
كأننا منفيونَ إلى عالمِ البرزخِ
ننتظرُ ساعةَ الرحيلْ
ريحٌ
تُصرُّ على اختزالِ ألوانَ الطيفِ
على وجوهِنا
لم تُبْقِ لنا غيرَ الأسودِ والأبيضِ
لم تُبْقِ لنا غيرَ ليلِ مرارٍ وبعضَ نهارْ
يوقظني صريرُ الشوقِ إليكِ
من هذا الكابوسِ المرعبِ
أعادني الى أماكنَ أعشقُها
حيثُ ملامحُ وجهِكِ
جعلني أشعرُ بالزمنِ المتجمدِ في عروقيْ
وقتٌ طويلٌ مضى
وأنا أسيرُ خلفَ حقولٍ من سرابْ
حاملاً في يدي حقيبةً
يتناسلُ منها شوقي إلى لقائِكِ
وجرحٌ يحاولُ أن يندملَ
من أثرِ الغيابْ
يالغبائي
كلما أمسكتُ بجوابٍ
توهمتُ أني وصَلتُ إليكِ
وأني عدتُ إلى تلكَ اللحظةِ العالقةِ
عند تلويحةِ الوداعِ
توهمتُ أسراباً من الطيورِ
تخرجُ من فتحةِ قميصِكِ
بين العروةِ والعروة
تحطُّ على جسديْ
لترتاحَ من كابوسٍ عصيٍ عن التفسيرِ
الطيرانُ فيه أشبهُ بالسقوطِ
على ريحٍ تمرُّ بيننا
محملةً بأبواقٍ خبيثةٍ
يُنذِرُ صفيرُها
بغيومٍ سوداءَ قادمةٍ
تُحاصرُ أحلامَنا باللقاءِ
خلفَ جدرانٍ
من خيوطِ العنكبوتْ
أحياءٌ لن نموتْ
طالما أنفاسُكِ تتصاعدُ عالياً
لتستقرَّ في صدريْ
تبعثُ الدفءَ في عقاربِ الساعةِ
المتوقفةِ عن الدورانْ
تعيدني إلى مجالِ جاذبيتِكِ الساحرةِ
حيثُ الأمانْ
لو كنتُ نبيّاً
لدعوتُ الله أن يسري بي إليكِ
لو كنت عازفاً بارعاً
لجعلتُ من أنامْلي ريشَ حمامٍ
تعزفُ على أوتارِ الكمانِ
موسيقى ( التايتنيك )
تزركشُ لنا النهايةَ البائسةَ
بألوانِ الخلودْ
لو كنت فناناً
لمسحتُ بريشتي سوادَ الليلِ
وحررتُ أحلامَنا المحاصرةَ
بين فكّيه الحالمينِ بتغييرِ ملامِحِنا
لو أني أعرفُ
كيف أسيرُ بهذه الريحِ المسمومةِ
إلى حشدٍ من الذئابِ تبتلعُها
كيف أُنقذُ عَرَقَكِ المتجمدَ على قميصي البائسِ
وعطرَكِ المتغلغلَ في حواسيَ المفقودةِ
من ركلاتِ الغيابِ
كيف أَرمي بالوهمِ في سلةِ النفاياتِ
وأُعيدُ إلى حبِنا معانيَهِ الغارقةَ
في مياهٍ ضحلةٍ
كيف أجدُ تفسيراً لوجودي في منفايْ
وروحي مشدودةٌ الى أنينِ نايٍ
أسمعُهُ عبر مسافاتٍ بعيدةٍ
خلف جدرانٍ سميكةٍ مصنوعةٍ
من قصائدَ فولاذيةٍ
حيث أنتِ وأنا والمقهى
وطرقاتٍ مَشَيناها
تعمّدتَ نظراتُها بفساتينِ الفاتناتِ
أريدُ أن ألمُسَ فتنةَ لقائِكِ
أريدُ أن أشمَّ رائحةَ الورودِ الهائمةِ
على صدرِكِ
أريدُ أن أصلي على طينِ الأرضِ
الممزوجِ بخلايا جسدِكِ
لقد ملَّني الإنتظارُ
ملّتني الطرقاتُ وأنا أسيرُ فيها كالضريرِ
متكئاً على قصيدةٍ مفخخةٍ بسوادِ الغرابِ
ليسقطْ اسمُكِ أيتها الريحُ
لتسقطْ نواياكِ برسمِ ملامحَ جديدةٍ
لعالمٍ كان جميلاً
ها أنا أصِلُ إليكِ عبرَ منعطفاتٍ سريةٍ
هارباً من خوفٍ مصطنعٍ يُلاحقُنا
أشعرُ بالقلقِ
لا أعرفُ كيف أرتبُ أولَوياتيْ
للبدءِ معكِ
أحاولُ أن أُلملمَ أفكاري
وألتقطُ أجزاءَ جسدي المبعثرةَ
على قارعةِ الطريقِ
لأعيدَ التحامَها معكِ
ونُغني معاً
المقطعَ الأخيرَ من ( سيمفونيةِ ) الحياةِ
د . جهاد صباهي