بعنوان
نورُ قلب…
يا حبيباً وجههُ في كلِّ يومٍ مشرق
في فؤادي حاملاً وهج غرامٍ يجمحُ
ما لقلبٍ سابحٍ يقتادني عن رغبةٍ
لم يزدني راحةً بلْ مستحيلاً ألمحُ
أيُّ عفوٍ أرتجي بلْ أيُّ قهرٍ ينجلي؟
يا لها منْ نعمةٍ رغمَ عذابي تصفحُ
نورُ وجهي ساطعٌ بين الورى لم ينطفئْ
في زمانٍ وانتشارُ النور أمرٌ يُفرحُ
كنْ حبيبي وتعالَ الآن حتى نحتسي
من قصيدٍ نبضهُ يا همسَ طيرٍ يصدحُ
جاء نحوي راغباً في وردةٍ قد يَنِعَتْ
من ورودي، راجياً وعد وصالٍ أَمنحُ
دراسة نقدية تحليلية لقصيدة نورُ قلب
نبدأ من العنوان : باشرت الشاعرة باسم نكرة نور والحقته بالمضاف قلب لتوضح أيّ نوعٍ من النور تعني
والنور هو كلّ ما سطع قد يسطع إضاءةً أو ربّما بصيرة و غالباً يسطع القلب باليقين المتواري بين أبيات القصيدةالبنية الفكرية لقصيدة نورُ قلب :
بدأت الشاعرة بأسلوب نداء إنشائي طلبي يا حبيباً متعمدة تنكير الحبيب على عادة الشاعرات اللواتي يتسمن بالخفر من الاشارة الواضحة و تكتفي بالتعميم عل رسالتها تصل دون تصريح ، وهذا الحبيب وجهه في كلّ يومٍ مشرق دليل إنها تراه دوماً
و قد استطردت بأسلوب الخبر الابتدائي لتؤكد إشراق من تحبّ دون استخدام مؤكدات فهو مشرق بحدّ ذاته ، وعلى مدار الأيام(كلّ يوم ) .
و تتابع البيت الثاني بشبه جملة في فؤادي
و الفؤاد منطقة في وسط الدماغ مسؤولة عن توجيه الأوامر للقلب و هذا الفؤاد حاملاً لتوضح الحال التي أمسى عليها ، و قد جعلت الحال يعمل عمل فعله فنصب مفعولاً به هو وهج فهو يحمل وهجَ غرام يجمح و كأنها خلعت على الغرام صفة الجموح التي تتحلى بها الخيول غير المروضة
فغرام الشاعر جموح لم تحسن ترويضه .و نتابع مع البيت الثالث
فقد استخدمت المبدعة أسلوب تعجب سماعي
(ما لقلبٍ سابحٍ …يقتادني عن رغبةٍ ) و كأننا نرى بعين الخيال قلب الشاعرة يسبح في اليم يقودها و قد استبدت به رغباته بمن يحب ّ ..و قد جاء التشخيص من خلال الاستعارة المكنية لتجعل القلب يسبح كإنسان و يقود كقائد مجرداً المفعول لأجله رغبةً من مفعوليته بسبقه بالخافض حرف الجر .
غير أن قيادته لم تصل بها إلى شواطئ الراحة
فتقول : لم يزدني راحةً
و كأنها تنفي صفة الراحة عمن ينقاد وراء قلبه رغبةً ..مستطردة بحرف الاضراب بل مستحيلاً ألمح…و كأنها تتوقع الفشل بالوصول إلى هدف قلبها فهو بحكم المستحيل .و على عادة الشعراء العشاق تجد الشاعرة نفسها واقعةً في الحيرة
فتتساءل أيّ عفوٍ أرتجي
بل أيّ قهرٍ ينجلي ؟ ياللحيرة وما يعتري قلب الشاعرة من صراعٍ بين قلبها و رغبته واحساسها باستحالة مطلبه ..فالقهر ينجلي يتوضح كحقيقة متجلية … لكن عذاب الحبّ جميل ..يا لها من نعمةٍ رغم عذابي تصفح
فنعمة الاحساس و الحبّ يستشعرها من وقع فيها ..فالشاعرة تستخدم أسلوب التعجب السماعي يالها من نعمة بأسلوب إنشائي غير طلبي ، و تستخدم رغم الحالية لتؤكد الاكراه الذي تعانيه فهي تتعذب و تمنح قلبها الصفح للنعمة
التي وقعت عليها .
و ( نورُ وجهي ساطع …بين الورى لم ينطفئ ) فهي مشعة بالطهر ولم تقع بالخطأ و تؤكد اشعاعها بين الناس و إنها متألقة دوماً ..مستخدمةً الاستعارة التصريحية في قولها :لم تنطفئ وكأنها شمعة أو نار متقدة تشع بالضياء .
و إن اشعاعها في هذا الزمان البخس يعلي من شأن النور و الطهر فلها أن تشعر بالسعادة و الفرح كونها لم تتأثر بمتغيرات الزمان .و تتابع بأسلوب إنشائي طلبي أمر(كن حبيبي و تعال ) دعوة حارة لا تحتاج إلى معاجم اللغة لسبر كم الحبّ الذي ملأ الشاعرة لتصرح بالدعوة و تناجي الحبيب كن حبيبي وتعال ….الآن ، فهي لم تعد تطيق وقلبها
الانتظار فتريد لرغبتها ان تتحقق الآن …
حتى نحتسي وكما نعلم
نحتسي من الحسو للشيء الساخن و كأنها تريد أن تشرب قصيدتها ساخنة طازجة قبل أن تبرد حروفها …
نحتسي من قصيدٍ نبضه
و لأنها عاملت القصيد كإنسان مشخصةً اياه في استعارة مكنية ،
و تستطرد يا همس طيرٍ يصدح .. و نلاحظ هنا التضاد بين همس و يصدح و كأنها تطلب إلى الحبيب أن بجهر بحبه الذي يهمس به ليغدو صداحاً .
و تتحقق رغبتها بالوصال فقد جاء نحوها
راغباً والرغبة أشد حالات الوله ، راغباً في وردةٍ قد ينعت ..اصبحت يانعة في عز صباها و عطائها ،و ما هي إلا وردة عطاء الشاعرة …و للفرح
راجياً متوسلاً وعد وصال …يتمنى عليها أن تمنحه وعداً بالوصال كما كانت تتمنى .
البنية الفنية لقصيدة نورُ قلب:
أجمل ما في أدوات أ. رحاب مياسه الفنية هذا التناغم بين حروف الجهر و الهمس مثل : حبيباً ..وجهه ..مشرق
وهج ..قهر …و غيرها كثير .
أما عن الأساليب فقد نوّعت الشاعرة بين الإنشاء و الخبر لأنها تريد للمتلقي أن يتفاعل و ينفعل معها فيما يقرأ
و لم تكتفِ بالانشاء الطلبي و إنما استخدمت أساليب الإنشاء غير الطلبي بالتعجب السماعي : يالها
من نعمةٍ ..
و أسلوب الاستفهام الذي خرج إلى معنى التعجب أيّ عفوٍ …أيّ قهرٍ ..
و أسلوب الإنشاء الطلبي
بالأمر المباشر : كن ، تعال .
و أسلوب الإنشاء الطلبي
النداء : يا حبيباً …
والخبر الابتدائي : في فؤادي حاملاً وهجَ غرام
نور وجهي ساطع …وغيرها .
نلاحظ كثرة استخدام الشاعرة لاسم الفاعل :
حاملاً ..راغباً ..راجياً
متمنية أن يغدو حبّها فاعلاً وفعالاً .
التجربة الشعورية :
نوع العاطفة :انسانيٍة ذاتية .
أهم المشاعر العاطفية:
حبّ و إعجاب و حيرة
و ألم وحسرة ثم حبّ و فرح و سعادة .
سمات العاطفة : صادقة حارة منفعلة .
الخط البياني العاطفي:
بدا متصاعداً وصل إلى ذروته الانفعالية في قولها : ايّ عفو ارتجي …ثم تدرج بالانفعال و وصل
إلى ذروته الانفعالية الثانية عند تحقيق الرغبة بالوعد بالوصال
الموسيقا الخارجية :
نلاحظ التحديث الّذي استخدمته المبدعة في قصيدتها حيث استعملت
تفعيلات بحر الرمل المجزوء المحذوف (فاعلاتن )
ونوّعت في أحرف الروي متعمدة التربيع للمجزوء و روي الحاء المشبعة بالضمة
وقافية مطلقة لأنها الأقدر على استيعاب الدفقة الشعورية
.أحببت أن أضع قصيدة نور قلب تحت عدسة مجهري لأنها أحدثت لغطاً كبيراً حين نشرها فلم يقتنع بعض الأدباء بأسلوب التحديث في مجزوء الرمل المحذوف
و تنوع القافية …
و اذكر أني درّست هذا النوع من التحديث في إبداع جبران في قصيدة الغاب والمواكب لايليا أبو ماضي .
ولا أجد مأخذاً على القصيدة سوى التضاد بالمعنى بين همس و يصدح فحدث التنافر السمعي بين همسٍ و صدوح .
آسية بديع يوسف
مديرة ملتقى عشتار الثقافي
أديبة و ناقدة