بقلم : م . أبوزيد
وقد كتبه المقريزي عام ١٤٠٤ م
عقب فترة طويلة من المجاعات في مصر والتي غطت الفترة من ١٣٩٢ م حتى ١٤٠٤ م ..وهذا الكتاب يعالج في الواقع ازمة المجاعات في مجتمع سابق على الرأسمالية .. ومن ناحية المنهج فإن المقريزي يقدم كتابة في أربعة فصول : _
الفصل الأول : ويقدم فيه المقريزي عرضا تاريخيا للمجاعات التي عانت منها مصر وبخاصة في الفترة الإسلامية
الفصل الثاني : يعرض فيه المقريزي أسباب المجاعات بصفة عامة ، ومجاعات عصره بصفة خاصة .
الفصل الثالث : ويتناول أثر المجاعات على الناس وإنما الناس في إقليم مصر ، وفي هذا الفصل الذي أسماه ( في ذكر أقسام الناس وأصنافهم وبيان جمل من أحوالهم وأوصافهم ) لم ينظر المقريزي للمجتمع المصري ككتلة واحدة ، وإنما قام بتشريحه بصورة فريدة حيث ميز سبع فئات إجتماعية بإختلاف أحوالها أثناء المجاعة وهم : أهل الدولة _ مياسير التجار – وأولو النعمة والترف – وأصحاب البر وأرباب المعاش ( أى المتوسطون من التجار ) –
والمزارعون مع التفرقة بين كبارهم والفلاحين – أكثر الفقهاء وطلاب العلم وصغار كتاب الدولة ، والحرفيين وأصحاب المهن الحرة والأجراء ( الفعلة ) ونحوهم – وأخيرا أهل الخصاصة والمسكنة الذين يعيشون على هامش المجتمع بفضل الصدقة ..
الفصل الرابع : مقترحات المقريزي لعلاج ازمة المجاعة ( مايزيل عن العباد هذا الداء ويقوم لمرض الزمان مقام الدواء ) ..الجديد هنا هو تركيز المقريزي على ضرورة مواجهة مشكلة النقود المستعملة في التبادل فهو يوصي أن يقتصر التبادل على إستعمال الذهب والفضة دون غيرها من المعادن الأخرى ، ومن حيث كمية النقود التي يتعين ألا يكون مغالا فيها من الأصل كما يلزم إنقاصها في حالة المجاعة . ( ونرجو الإنتباه إلى أن الأزمة في مجتمعات ماقبل الرأسمالية كانت تتميز بنقص في السلع والمنتجات كقيم إستعمال وإرتفاع أثمانها ، بينما في المجتمع الرأسمالي فإنها تتميز بزيادة في السلع كقيم مبادلة زيادة تبين القصور في القوي الشرائية ، وتنعكس في تكدس السلع في الأسواق وإنخفاض الأزمان والأرباح والأجور وتعطل جزء معتبر من الطاقة الإنتاجية للمجتمع ومن القوي العاملة .. ) …
الجديد هنا أن المقريزي يقدم في كتابة هذا أفكارا عن الظواهر الإقتصادية المصاحبة للمجاعات والمسببة لها ..فالمجاعة لها أسباب طبيعية كقصور جري النيل في مصر ، وشح المطر بالشام والعراق والحجاز ..لكن وبالنسبة لمجاعات عصره فتوجد لها غير الأسباب الطبيعية أسباب إجتماعية بعضها سياسي وبعضها إقتصادي ..
فالعامل السياسي يتمثل في فساد الإدارة فسادا ينعكس على الإنتاج في مجتمع تلعب فيه الدولة المركزية دورا هاما ، وما يمارسه أهل الدولة من سياسة إحتكارية ، فتحت أيديهم كميات كبيرة من الغلال بفضل الضرائب الباهظة التي تحصل عينا ولم يكن بمقدور الناس الحصول عليها إلا بدفع الأسعار التي يفرضها أهل الدولة …
أما السبب الإقتصادي فيتمثل في زيادة كبيرة في الريع العقارى في الزراعة او ما يسميه المقريزي أجرة الفدان من الطين ، كما تزايدت كلفة الحرث والبذر والحصاد وغيره لإرتفاع أثمان البذور وأجر العمال الذين نقص عددهم بفعل زيادة ساعات السخرة لأهل الفلح مما دفع بالفلاحين إلى هجرة الأرض ..هنا يتكلم المقريزي عن عوامل تنحصر في مجال الإنتاج الزراعي وتتعلق بمظهره العيني وتؤدي إلى نقصان الناتج ومن ثم إرتفاع الأسعار ، لكنه لا يقف عند هذا الحد وإنما يضيف عاملا آخر يتعلق بالمظهر النقدي للحياة الإقتصادية ..
أخطر ما جاء به المقريزي هو أنه قبل ماركس ب ٤٦٣ سنة يفسر المجاعات بأسباب إقتصادية ، ويكشف عن الدور الذي يلعبه التفاوت الإجتماعي وإنقسام المجتمع إلي طبقات في خلق الأزمة وتعميقها …