خسر التيار القومي النهضوي، كما خسرت الثقافة العربية، إبداعاً ونشراً وفكراً سياسيّاً، إحدى قاماتها المميّزة وأصواتها الفريدة، مع انطفاء خير الدين حسيب أمس الجمعة 12آذار 2021 في بيروت عن عمر يناهز الـ 92 عاماً. وقد نعى «المؤتمر القومي العربي» أمينه العام المؤسّس، «أحد أبرز مؤسّسي «مركز دراسات الوحدة العربيّة» وراعي تجربته المهمّة منذ عام 1975 حتّى استقالته من رئاسة مجلس أمنائه وإدارته العامة عام 2017».
ولد خير الدين حسيب في مدينة الموصل في آب 1929 ، وتلقّى علومه الابتدائية والثانوية في مدارسها، والجامعية في جامعة بغداد. وبسبب تفوّقه الدراسي حاز منحة لدراسة المالية في جامعة كامبريدج البريطانية، حيث نال شهادة الدكتوراه تحت عنوان(تقدير الدخل القومي في العراق) وقام بدور في قيادة الحركات الطلابية العربية، ليعود إلى بلاده مدرّساً في جامعة بغداد عام 1963، ثم حاكماً للبنك المركزي العراقي عام 1964. وأخذ على عاتقه إرسال قرض إلى مصر بعد حرب 1967.
بعد مغادرته العراق، عمل مديراً لمنظمة الإسكوا، ثم عمل في أواسط السبعينيات مع كوكبة من الشخصيات العربية الوحدوية على تأسيس «مركز دراسات الوحدة العربية»، حيث اختار خير الدين حسيب أن يبقى عاملاً طيلة الحرب اللبنانية، يصدر الكتب ويعقد الندوات، ويصدر مجلته الشهرية «المستقبل العربي» من دون انقطاع. وتقديراً لدوره الثقافي في لبنان، وبتوصية من رئيس وزراء لبنان سليم الحص، منحه الرئيس اللبناني ميشال سليمان الجنسية اللبنانية.
أدّى خير الدين دوراً مهمّاً في عدد من الملفّات القومية، ولا سيّما على مستوى العلاقات العربية ــــ العربية، وخصوصاً في السعي لتحقيق لقاء بين سوريا والعراق قبل الاحتلال. وكانت تربطه علاقات قوية بأبرز الزعماء العرب، وخصوصاً الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يعدّ إحدى الشخصيّات العربيّة المقرّبة إليه. وكذلك كانت له علاقات بالرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس العراقي صدّام حسين، والرئيس الجزائري هواري بومدين، والرئيس الليبي معمر القذافي، وحاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي وكان معروفاً بجرأته وصراحته في لقاءاته مع الزعماء، كما في إطلالاته الإعلاميّة وتحرّكاته السياسيّة.
ولا يمكن لأيّ مؤرّخ لتاريخ الحركة القوميّة العربيّة المعاصرة منذ سبعينيات القرن الماضي، إلا أن ينكر الدور الريادي والتأسيسي الكبير للدكتور خير الدين حسيب الذي له في كل قطر عربي مكانة وعلاقات وصداقات، وله في كل مجال من مجالات الحياة العربية حيّز بارز.
وباعتباره مديرا عاما لمركز دراسات الوحدة العربية، أشرف على نشر أكثر من 500 دراسة، ظهرت بشكل كتب، بيع منها أكثر من مليون نسخة. يدير أيضا المجلة الشهرية الهامة: المستقبل العربي منذ 1978 بدون انقطاع. وصدر منها حتى شهر أغسطس عام 2007، 342 عددا وقد فاقت في توزيعها مليوني نسخة.
قام خير الدين حسيب بإنشاء منظمة “المؤتمر القومي العربي”، منذ عام 1990، الذي أصبح يضم اليوم قرابة 800 عضو من نخبة من المثقفين العرب، بمن فيهم المفكرون والكتاب وكبار السياسيين المخضرمين، ومنهم رؤساء دول وحكومات ووزراء ونواب سابقين. وقد شغل منصب أمينه العام في السنوات الأولى بعد إنشائه.
كذلك كان له دور فعال في المؤتمر القومي الإسلامي، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، المنظمة العربية للترجمة، المنظمة العربية لمكافحة الفساد، والتي أنشئت مؤخرا في 2004.
باع خير الدين حسيب بيته في بغداد ووزع ثمنه بين: مركز دراسات الوحدة العربية والصندوق القومي العربي والمنظمة العربية للترجمة.
إعداد : محمد عزوز
عن ( صحف ومواقع )