ناجي صفا
بأبهة عالية، وبثقة كبيرة بالنفس، قطع الرئيس الأسد مسافة طويلة فوق السجاد الأحمر أمام مبنى قصر الشعب وحتى قاعة القسم، لم تكن المسألة محض صدفة، أو مجرد إجراء برتوكولي، كانت رسالة جد متعمدة، فان يستعرض كافة الأسلحة البرية والبحرية والجوية وليس فقط حرس الشرف كما تقتضي التقاليد فذاك رسالة كبرى للقاصي والداني عن سوريا المستقبل، وعن اللحمة ما بين المؤسسات وقائدها.
قطع الرئيس الأسد مسافة طويلة سيرا على الأقدام حتى بلغ قاعة القسم، كان منتصبا كالرمح، خطواته ثابتة وواثقة، وكأنه يريد أن يبدأ رسالة القسم من خطواته الأولى، ويريد أن يقول للعالم المشكك بالأمن وبالسياسة هاأنذا استعرض قواتي بكل أنواعها، وأمامها ومن خلالها ادخل قصر الشعب لأؤدي الأمانة التي أوكلها الشعب إليّ، وليقول للمشككين لقد نقلت الاحتفال من مجلس الشعب إلى قصر الشعب لا لأسباب أمنية كما حاول المصطادون في الماء العكر تصويرها، بل لأن المساحة هنا تتسع أكثر لعرض التلاحم ما بين القيادة والمؤسسة العسكرية الضامنة لأمن ومستقبل سوريا وشعبها، ولوحدة العلاقة بين الرئيس والجيش والشعب، وللرد على المتآمرين الذين شككوا بقيادة الرئيس ، ولأولئك الذين حاولوا منع الانتخابات وبذلوا الجهود لإفشالها، فكان الخيار السير طويلا أمام قصر الشعب، وكان الخيار صورة تجسد الوحدة مع جميع الأسلحة في الدولة ومع الشعب في قصر الشعب.
لم يشذ الرئيس الأسد في خطاب القسم عن منهجيته المعتادة في التحليل وفي توضيح الصورة الحقيقية للواقع، وان كان طغى هذه المرة على خطابه مستوى عال من الوجدانية تجاه الشعب السوري، وعرفانا بالجميل لاسيما لأولئك الذين تكبدوا الصعاب للإدلاء بأصواتهم، أولئك الجرحى والمعوقين وكبار السن والمهجرين والمهاجرين الذين لم تغير في قناعاتهم الدعايات المغرضة، أو ضغوط المنع والتهديد وحتى الإغراءات.
قاطعا كالسيف وقف يخاطب شعبه وأمته والعالم، بالحقائق الدامغة التي لم تفته يوماً، أو يغفل عنها للحظة. كثيرون ممن اكتشفوا الحقائق الآن كانوا يشككون، يعطون للإحداث أسباباً ومبررات ومعان هي ابعد ما يكون من أسباب المؤامرة التي حيكت على سوريا.
الملفت انه أقام ربطا جدليا بين ما يجري الآن في غزة وما جرى ويجري في سوريا وفي المنطقة، ليعيد تصويب البوصلة، لمن انحرف وظن أن في الأمر مطالب، حريات، وحقوق إنسان، وغيرها من الشعارات التي نحترم ضرورة وجودها وممارستها، لكنها لم تكن الأصل في ما جرى ويجري في سوريا، وفي المنطقة. ففلسطين هي الأصل، وكل ما جرى ويجري معنا وحولنا هو فلسطين، وما يتصل بقضيتها وقضية حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه.
لقد أكد في خطاب القسم ما كان سبق أن أشار إليه في خطاباته السابقة من صدق رؤيته، ودقة تحليله، سواء حيال المؤامرة على سوريا، أو على المنطقة العربية، وحيال انحراف بعض الدول والأنظمة، ودعمهم للإرهاب الذي سيدفعون ثمنه الآن بعد أن بدأ يدق أبوابهم.
كانت رسائله للداخل كما الخارج شديدة الوضوح. فتكرار شكره وتقديره وامتنانه للشعب السوري كان خير تعبير عن عظيم تقديره لهذا الشعب. فعلى أكتافه وبالتعاون مع الدولة ستنهض سوريا العظيمة مجددا، ومعه وبأيديه سيعاد بناؤها.
أما بالنسبة للخارج فقد أعاد تعريف المواقف والمواقع، اقر بأنهم نجحوا في اجتذاب قسم صغير من الشعب السوري الذي باع نفسه للشيطان، وقبل أن يكون أداة رخيصة بيد الخارج، ولأطماعه بمواردنا، وأداة لمشاريعه الاستعمارية والتفتيتية، لكن كان حازما في تحديده، من يظن أننا سنتنازل عن حقنا في فلسطين وفي حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الشعب العربي فهو واهم، وان ما يجري في غزة اليوم إنما ينبغي أن يكون الأداة لإعادة تصويب البوصلة من جديد وللجميع.
أكد للسوريين وللعرب والعالم انه كان سباقا في رؤيته وتقديره لمشروع الحرب على سوريا منذ البداية، وعلى رغبة المتآمر في تدمير البنى التحتية والاجتماعية ومحاولة تفكيك النسيج الاجتماعي السوري، وتحريك المذهبيات والإثنيات والقوميات كمقدمة لتفكيك سوريا، لكن المواجهة الصلبة وإدراك قسم كبير من الشعب السوري لذلك أسقط المؤامرة بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة العسكرية والدولة السورية، ولم يفته أيضا وفي كل محطة من محطات خطابه من إعادة توجيه الشكر والتقدير للشعب السوري وتضحياته.
لم يفت الرئيس أيضا وأيضا تقدير مواقف القوى الحليفة والصديقة التي وقفت إلى جانب سوريا، التي دعمتها بكل أشكال الدعم والمساندة، لاسيما محور المقاومة ، لم يتوان عن توجيه التحية للمقاومة الوطنية اللبنانية التي قاتلت إلى جانبنا والى جانب أشقائها في الجيش العربي السوري في العديد من المواقع والمعارك وأبلت البلاء الحسن.
وكما المح إلى وجود الفساد في الدولة والمجتمع في سوريا واعتبر انه كان له دور كبير فيما جرى ويجري في سوريا، أشار وبنفس القوة إلى الفساد والمتاجرة والأقنعة في فلسطين، مشدداً على ضرورة التمييز بين شعب مقاوم وآخر ناكر للجميل، وإلى فريقين. فريق مقاوم يريد تحرير الأرض والوطن، وفريق فاسد ومزيف بأقنعة يلفها الفساد والتآمر والشبهات، وهي المرة الأولى التي يقارب فيها الرئيس الأسد الواقع الفلسطيني بهذه الصراحة ومن ذلك المنظار.
لم يخل خطاب الرئيس هذه المرة أيضا وكعادته من الدعابة السياسية اللطيفة والمعبرة في آن، عندما تحدث عن العنتريات والبندريات وهي إشارات كافية ووافية لكل من يتعاطى السياسة والشأن العام لفهمها وفهم مدلولاتها، سائلاً من يتحدثون عن الحلول السلمية مع "إسرائيل" ولاسيما من العرب، انه لماذا سلمية مع "إسرائيل" وحرب مع سوريا؟؟.
لقد أكد الرئيس السوري في خطاب القسم على الثوابت مجددا، وأكد أن الفارق بين عرب الثروة وعرب العزة والكرامة هذا السيل من الشهداء، وان وحدة سوريا أرضا وشعبا ومؤسسات هي في قوة المجتمع السوري وفي إعادة بناء وتطوير المجتمع واقتصاده، وفي قدرة المؤسسة العسكرية على حماية امن الوطن، وفي أن الحوار والمصالحات هما القاعدة المثلى والصلبة لإعادة اللحمة والوحدة إلى الشعب السوري والمجتمع السوري النامي والمزدهر والموحد.