سلاب نيوز / الكاتب: نور مخدر
بعد تدمير المتحف الوطني في العراق من قبل تنظيم "الدولة الاسلامية" واندثار آثار الحضارات القديمة فيها، ها هي داعش تلتقي مع حليفتها "إسرائيل" مرةً جديدة، كأنهما "ثعبانٌ متوحش" برأسين ينقض على المعالم التاريخية والدينية لتدميرها بهدف طمس الآثار والحقائق التاريخية في الشرق. فتحالف "إسرائيل" وداعش على المنطقة ليس بغريب، خاصةً بعد اشتراكهما بأعمال انتهاك المقدسات وتهديد السلم الامني والاهلي في الشرق الاوسط والعالم العربي. وفي الوقت الذي كانت فيه داعش تدمر آثار حضارة بلاد ما بين النهرين، كانت فيه "إسرائيل" عبر منظماتها المتطرفة تعبث بآثار بلاد الشام وتاريخها، وتهاجم دور العبادة المسيحية والإسلامية، ليصح تشبيه "الأفعى ذات الرأسين" على حال الصهاينة والدواعش.
بعد أن شهد فجر الأربعاء إحراق مسجد في مدينة بيت لحم، أقدمت الجماعات الصهيونية نفسها أمس، على إحراق مبنى تابع للكنيسة اليونانية الأرثوذوكسية بالقدس. بعدما خط المعتدون شعارات معادية للمسيحية، وللنبي عيسى على جدران الكنيسة. وشرحت مصادر صحفية أنّ المتطرفين أضرموا النيران بإحدى غرف الكنيسة في مبنى الحلقة الدراسية المسيحية اللاهوتية اليونانية، كما تم إضرام النيران بحمام وغرفة الاستحمام في الحلقة الدينية التي يستخدمها في العادة رجال الدين من الكهنة والرهبان، وغيرهم لدراسة الدين المسيحي.
وذكرت المصادر أنّ مستوطنين أحرقوا غرفة في كنيسة "دور متسيون" جبل صهيون في القدس، بعد كتابة شعارات معادية للمسيحية على جدران الكنيسة. ورجحت الشرطة الإسرائيلية أنّ عصابات "دفع الثمن" الاستيطانية هي من يقف وراء الحادث، الذي يأتي بعد يوم من إحراق مسجد في الضفة الغربية. وكان مستوطنون أحرقوا أيضاً، فجر الأربعاء، جزءاً من مسجد قرية في بيت لحم بالضفة الغربية، كما أنهم كتبوا عبارات مسيئة على جدران المسجد.
و"تدفيع الثمن"، هي جماعة يهودية متطرفة، ظهرت عام 2008، تقوم بتدنيس دور العبادة من مساجد وكنائس، وإحراق سيارات الفلسطينيين ومنازلهم وحقولهم، وقطع أشجار الزيتون، ومنع المزارعين من دخول أراضيهم لجني ثمار مزروعاتهم وتهديدهم بالقتل والتنكيل والتعذيب، وترافقها شعارات عنصرية واستفزازية، تنال من المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء. وهؤلاء لا يعملون سراً بل يكشفون عن هوياتهم وتنظيماتهم. ومن أبرز أعمالهم: اعتداء على دير رفات غربي القدس المحتلة، كتابة شعارات مسيئة للديانة المسيحية برموزها السيد المسيح ومريم العذراء، وثقب إطارات مركبات لسكان الدير. فهذه الجماعة هي نتاج الأيديولوجية والقيم المتطرفة، وذلك بتواطؤ علني من قبل سلطات الاحتلال التي تقوم بالممارسات نفسها، لكن بأسلوب القمع "الناعم" و"القانوني"، وتتعزز قوتهم في الخفاء إلى درجةٍ لم يعد بإمكان الجيش الاسرائيلي "التحكم بهم". وهم يعتبرون أنفسهم طلائع الحركة اليهودية التي تدعو إلى تشكيل "إسرائيل الكبرى".
يغلب على عصابة "دفع الثمن" طابع التطرف العرقي، والتعصب الديني، أكثر من اليمينيين الاسرائيليين الآخرين، وهي معروفة بحقدها الشديد على العرب، نتيجة تلقي عناصرها العلم في مدارس الإرهاب الصهيوني. ووجهت انتقدات حادة من قبل الساسة الإسرائيليين جراء هجمات "دفع الثمن". فأعلن كل من وزيرة القضاء الإسرائيلية تسيبي ليفني ووزير الأمن الداخلي يتسحاك أهرونفتش "أنهما يفحصان إمكانية الإعلان عن "دفع الثمن" منظمة إرهابية، وذلك في جلسة طارئة دعت لها ليفني وحضرها مسؤولون قانونيون وأمنيون". وهاجمت ليفني بشدة قادة المستوطنين قائلةً: "يتّضح أنّ جزءًا من الحركة الاستيطانية انقلبت على صانعيها. وما بدأ كمحبة الوطن، تحول جزءًا منه كوحش بري مليء بالكراهية تجاه العرب ودولة القانون وممثليها".
وأكدت تقارير شرطة العدو أنّ اعتداءات هذه العصابات تجاوزت 352 اعتداءً عام 2013، بارتفاعٍ يصل إلى 32% من اعتداءات العام 2012، واستمرارها بنفس الوتيرة في العام 2014. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة التي نشرت في وقتٍ سابقٍ من الشهر الماضي، إلى أنّ المعدل السنوي لهجمات "المتطرفين اليهود" ضد الفلسطينيين قد تضاعف بأربع مرات تقريباً على مدى الأعوام الثمانية الماضية.
إنّ "دفع الثمن" ربما ليست حزباً يعمل بحسب قانون الدولة، بل هي عصابة تتحول إلى مصدر سلطة "سيادية" مستقلة تقوم بتطبيق القانون، غير خاضعة لسيطرة الدولة الصهيونية. ويبقى هدف هذه العصابة تدنيس المقدسات الدينية وتدمير آثار الحضارات غير اليهودية، لتمثل نموذجًا طبق الأصل عن داعش، وتشكل مع باقي الأذرع الصهيونية، رؤوس الأفعى التي تبتلع حضارة المشرق وآثار من مرّوا عليها.