عادل محمد عايش الأسطل
منذ قيام حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة، صيف عام 2007، في أعقاب صدامات دموية مؤلمة بينها وبين حركة فتح والسلطة الفلسطينية بشكلٍ عام، أخذت على عاتقها كل ما ترتب على هذه السيطرة، من مواقف محلية ودولية وتداعيات لاحقة أخرى. وبغض النظر عن مواقف دولية برغم صعوبتها على مسار الحركة في شأن مستقبلها السياسي والإداري، التي شملت تداعياتها الحصار الدولي، وتسميتها منظمة إرهابية، فقد كان الموقف المصري أشد وطأة لكونها غير مستساغة لديه فكرياً وأيديولوجياً، كما أن سلوكها ليس كما الرغبة المصرية، وتجيء شدّة الوطأة بالنسبة لها، كونها لم تأخذ بالحسبان أثقال مصر بصفة أكبر دولة عربية، وبعدّها الجارة والبوابة الوحيدة لعامة سكان القطاع من جهةٍ، ومن جهة أخرى إساءتها التقدير لدرجة التأفف المصرية بشأن عدم تقبلها الوضع الجديد الذي استقرت عليه الحركة لاحقاً. وبدل أن تُسفر مبررات حماس أمام الكل، وبخاصة مصر، بأنها على حق، وأن ما جرى هو نتيجة لتعديات ولتجاوزات السلطة عليها، كانت تجيء دوما بنتائج عكسية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمنذ ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وانهيار حكم الرئيس "حسني مبارك" أصبحت الحركة تئن تحت وطأة اتهامات مصرية متواترة، بلغت مستويات خطرة، وسواء -بحسب إعلاناتها- بمشاركتها في ثورة يناير، أو بتحميلها مسؤولية الأعمال العدائية، والمتمثّلة بالتفجيرات الدموية التي طالت جنوداً مصريين في سيناء، أو بالنسبة إلى أنشطتها تجاه زعزعة الأمن القومي، إلى غير ذلك من أعمال التهريب التي تطال مجالات أخرى، واحتوائها من ناحيةٍ أخرى على عناصر يتبعون حركة الإخوان المسلمين المحظورة، التي تمت تسميتها من القضاء المصري بالإرهابية خلال الأيام الأولى من نيسان/ أبريل لعام 2014.
كما أن مُضيّ الوقت على دفع الحركة لكافة التّهم الموجهة إليها، وتواجد أجواء تصالحية حمساوية باتجاه حركة فتح، حيث تصدرت مصر المشهد التصالحي، لم تخلق متغيراً عن ذي قبل، بل وازدادت الأمور سوءاً مرّة بعد مرة، حتى وصلت الأمور إلى حظر أنشطتها منذ أول آذار/ مارس من العام الفائت، وتفاقمت بزيادة في هذه الأثناء إلى عدّ الحركة منظمة إرهابية، حيث أصدرت محكمة مصرية للأمور المستعجلة قراراً بذلك، الأمر الذي يخرجها نهائيّاً خارج القانون، الذي جاء محصلة نهائية لعدّ كتائب القسام إرهابية، وهي الجناح العسكري التابع للحركة. وإن عُدَّت هذه الخطوة لا سابق لها على المستوى العربي، إلاّ أن الحكومة المصريّة تبدو ماضية في تنفيذ قرار المحكمة، كونها تؤيّد الحكم صراحة، وبالتالي فإن هناك انحدارات أخرى ستتكوّن نحو التصعيد، برغم وجود جهات محلية وإقليمية تستهجن الوصول إلى هذه المرحلة، بعدّها سيئة للغاية، وسيئة أكثر بسبب أن إسرائيل ستكون أمامها فرصة تاريخية نادرة ضد الحركة، وفرصة نادرة أخرى أمام إفلاتها من العملية السياسية، على خلفية هذه السياسة، وسواء بشأن تكرار عدوانها على القطاع، أو بشأن عدّها ورقة مفيدة جدًا أمام المحكمة الجنائية الدولية. فإسرائيل التي تتفاعل مع السياسة المصرية بكل خطوة، انفجرت أساريرها في أعقاب القرار المصري باتجاه حماس، وأكّدت في الوقت ذاته وقوفها خلف مصر في هذا الصدد، باعتبار القرار كما قال به خبراء ومحللون إسرائيليون (إعلان حرب) لمصر على جيرانها في الشرق، بعد أنّ أصبحت حماس -بشكلٍ رسمي- عدوّا مشتركا مع إسرائيل، سيما وأنّ هذه الخطوة قد حظيت بترحيب غير محدود لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، كونها أسست لدفعة مثيرة باتجاه تنمية رصيده الانتخابي، بعدما أثبتت صوابيّة عدائه تجاه الحركة وعدالة عدوانه على القطاع. الكثيرون هنا داخل القطاع، وداخل الكل في حماس، كانوا يأملون بأن تعود مصر لأخذ دورها الريادي المنصوص لها، بحيازتها الهيبة دون اللجوء إلى ابتكار مواقف تعصف بالعداوات وتطوف بالتهديدات، سيما وأنها لا تتحدث منذ فترة وإلى الآن، وبخاصة من خلال وسائل إعلامها الرسمي، إلاّ بصيغة الحرب، وهي غير مضطرة لها بالمطلق، وربما تزيد من حِدّة مشكلاتها الداخلية المختلفة، سيما وهي بصدد إغماس نفسها بالكثير من القضايا التي لها بدائل سياسة، فعلاوة على استعدادها لدخول الحلف الأمريكي في شأن قتال تنظيم الدولة في سوريا والعراق، ونشاطاتها العسكرية داخل الأراضي الليبية، وبحرصها على إثبات جدارتها في شأن نكفلها بحماية الأمن الخليجي ضد أيّ أخطار محتملة، وقيامها بتهديد كل من إثيوبيا على خلفية بنائها سد النهضة، وتهديدها للحوثيين بشأن مضيق باب المندب، فإنها الآن تقوم بمعاداة حماس. ولكل ذلك فهم لا يستبعدون أن يكون قرار المحكمة، بعدّه تقدِمة لتنفيذ ضربة عسكرية مصرية ضدها، لا تهدف إلى عمل ردعي وحسب، بل إلى إقصائها عن الحكم وإلى نثرها من الوجود أيضاً، سيما وأن استقدامهم لتلك التكهنات حدث بناءً على أن الأمور قد تغيّرت عن ذي قبل، سيما أن هناك أرضية صالحة للقيام بذلك، أوضحت عنها تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" تفيد باحتمالية تأسيس تحالف لمحاربة حماس وإقصائها عن السلطة.