د. عادل محمد عايش الأسطل
الهولوكوست – كما الزعم اليهودي-، هو ذكرى المحرقة اليهودية، تعتبر كيوم حداد رسمي في إسرائيل واللوبيات اليهودية المتواجدة في أنحاء العالم، وفي نفس الوقت يُعدُ ذكرى تحرير الناجين من معسكر الاعتقال (أوشفيتس، بيركينو– بولندا)، الذي تم فيه إبادة ما يقرب من 2 مليون يهودي، والتي حصلت إبان العهد النازي في أربعينيات القرن الماضي، حيث تحرص إسرائيل على إحياء ذكرى الهولوكوست، باعتباره عبرة للشعب اليهودي، ومن ناحية أخرى لترسيخه في الأذهان، بوصفه الكارثة الأقوى في تاريخ البشرية، من أجل اكتساب المزيد من التعاطف والدعم الدوليين. ولنتساءل، هل يوجد شيء كهذا؟ مشكوك جداً في حدوث كارثة كهذه، وبهذا الشكل الذي تصفها إسرائيل، وبهذا الكم أيضاً، حتى لدى اليهود أنفسهم، من يرون – بأن هناك من تعمّد المبالغة-، وحتى فيما إذا كانوا هم أنفسهم كان لهم ضلعاً في أحداثها، كونهم موصوفون باختلاق البدع والخداع، إذا ما أرادو الوصول إلى هدفٍ من أهدافهم المرتفعة، وهذا بالتأكيد ما أفسد حقيقة استسلام الكل أمام الحادثة كحقيقة سليمة لا تشوبها أية شكوك. وكما أن هناك من الدول داخل المجتمع الدولي والعربي أيضاً، من اعترفت بالمزاعم الإسرائيلية، فإن هناك دولاً أخرى اعترفت بمسؤوليتها مباشرة باقترافها، وخاصةً دولة ألمانيا التي اضطرّت إلى الدفع من أموالها في كل عام وإلى ما لا نهاية، تكفيراً عن مسؤوليتها تلك، والتي تعتبر الحقيقة الرئيسة حول وقوع الحادثة، بغض النظر عن حقيقة الأعداد الواردة. كانت إسرائيل على مدى حياتها تنجح في كل مرة باتجاه تعظيم الهلوكوست، سنة بعد أخرى وعلى المستويين الرسمي والشعبي في أنحاء العالم، من خلال تجنيد وسائلها الإعلامية المسيطرة، وبالاعتماد على الدعاية اليهودية المنتشرة في المراكز المهمة داخله، لاستدرار التعاطف، وكسب الدعم، سيما وهي لا تزال بعيدة عن امتلاك الأمن والسلام. ومن ناحية أخرى فقد نجحت في شأن قيام الأمم المتحدة، باعتماد قوانين خاصة مهمتها انتقاد وتجريم، منكري المحرقة واتهامهم باللاسامية والإرهاب، واعتبار أن العبرة الرئيسية المستخلصة من الحرب العالمية الثانية، لا يجوز لأحدٍ في المجتمع الدولي التغاضي عن النوايا التوسعية ضد إسرائيل. لا يهمنا البحث في شأن الاعتراف أو الإنكار بهذا بشأن، بقدر ما يهمنا أكثر في كيف يواجه الإسرائيليون، الناكرين، والذين دحضوا الافتراءات اليهوديّة، والمعترفون بها، من أجل المساهمة في دعم الدولة الإسرائيلية من جهة، ولإعطاء صورة أكثر حسنة باتجاههم وباتجاه دولهم أيضاً وعلى نحوٍ عام. كانت إسرائيل تقطّب بشدة، عندما تجد منكراً، وتنفرج أساريرها كسباً وفخراً، لدى معترفٍ وداعمٍ لمزاعمها، وكان أكثر ما أقلقها، وأغاظها في ذات الوقت، هو ما جاء من الناحية الإيرانية، التي تسود معها حالة متقدّمة من العداء، حينما أهملت الهولوكوست طواعيةً، باعتباره غير جديرٍ بإشغال العالم إلى هذه الدرجة وإلى هذا اليوم، وكان المرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة "آية الله الخوميني" قد قلل من شأنه، وكذا سار خلفه المرشد "علي خامنئي" أيضاً. وكانت إسرائيل قد أخذت تصريحات "الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد" على محمل الجد، حين أنكر بالكليّة حدوث الكارثة وعدّها للابتزاز وحسب، وإن كان في الحقيقة يؤمن ببعضها، سعياً لاستثارة الصدور الإسرائيلية واستنزافها أيضاً، وحتى في عهد الرئيس الإيراني الإصلاحي "حسن روحاني" الذي اعتُبر في نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" منكراً، كونه لم يعترف صراحة بالمحرقة، برغم اعترافه، وإن لم يكن بالصيغة التي يُريد، وكان "نتانياهو" قد اتهم إيران، بأنها تنكر يوماً بعد يوم الهولوكوست أمام الكل وفي كل محفل آخر، في الوقت الذي تعد فيه لهولوكوست جديد وتدمير دولة اليهود.
وبالمقابل، فإن إسرائيل فخرت بأدوار عربية وإسلامية، اعتبرتها نصرة للشعب اليهودي، ومنذ حدوث الكارثة، حيث كانوا خبّأوا يهوداً في منازلهم وتستروا عليهم، وحتى هذه الأثناء، عندما تجد من يهتم بالكارثة ويبدي تعاطفاً، ولمّا كان الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" متهماً بأنه ضد الادعاءات الإسرائيلية، وقام بتسجيل ذلك في كتاب، إلاّ أنه كان محل ترحيب لدى الإسرائيليين، عندما عاد واعتبر الهولوكوست، أبشع جريمة شهدها العصر الحديث، وربما كان وراء ذلك القول هدف ما، يريد التوصل إليه، أو اضطر إلى ذلك، وإلاّ ماذا سيفعل إذا ما واصل مواقفه السابقة؟ وكان أكثر ما شرّفت الإسرائيليين وفاخروا بها، هي مواقف فلسطينية عِدّة، عبّر عنها – تقريباً-عضو الكنيست "أحمد الطيبي" في خطاب له، بمناسبة يوم الذكرى ذاتها، ذلك الخطاب الذي لم ينسوه، برغم مرور خمس سنوات طوال على إلقائه، معتبرينه مَعلَمًا في تاريخ البرلمان الإسرائيلي، لقوله:
"إنه المكان والزمان لنصرخ صرخة كلّ أولئك الذين كانوا معنا، ولكنهم ليسوا معنا الآن، صرخة البقية التي تواجه صعوبة، وبحقّ، في التحرّر من صُور الموت والفظائع تلك، وأكرر من جديد، بأنني أتعاطف بشكلٍ كاملٍ مع ضحايا الكارثة حيثما كانوا في العالم، بمن فيهم أولئك الذين أحيا معهم في البلاد نفسها، في الدولة عينها، إنها اللحظة التي يُفترَض فيها أن يرفع الإنسان جميع قبّعاته القوميّة أو الدينيّة. إنه وقت إسقاط الفوارق وارتداء ثوبٍ واحد ووحيد، ثوب الإنسانية، والتأمل في الذات والبيئة والكون إنسانًا – إنسانًا فحسب. خانيونس/فلسطين 17/4/2015