تفرض التطورات الميدانية على أرض المعركة، طبيعة وجود المجموعات الارهابية التي تنضوي تحت اكثر من فصيل، أبرزها تنظيما "داعش" و"جبهة النصرة"، بما يظهر نجاح بعض المساعي الخليجية وتحديداً القطرية بتسويق اسم جديد لكيان يلملم التنظيمات المتبعثرة، نظراً لعاملين رئيسين: اولهما تقدّم "حزب الله" والجيش السوري في القلمون واقتراب معركة تطهير الجرد العرسالي، وثانيهما استمرار التقاتل العنيف بين "داعش" و"النصرة". ما يستدعي الحاجة الى تغيير الثوب الارهابي بشكل يتلاءم مع مظهر الدول الداعمة مادياً، لتحويلها اعلامياً من اسم على لوائح الارهاب الى نشاط اسلامي معارض متشدد.
تسعى "جبهة النصرة" الى تلميع صورتها أمام الغرب، بشكل تعيد فيه ترتيب امورها التنظيمية الداخلية، بعدما مُنيت بخسائر كبيرة في القلمون، اضافة الى استمرار المعارك مع "داعش" وسُجل امس وقوع اشتباكات بين الفصيلين في منطقة الكسارات شرق عرسال، أستخدم خلالها مختلف انواع الاسلحة الثقيلة. وتعود المسألة حقيقة، الى أكثر من ثلاثة اشهر عندما أرادت مجموعات من "النصرة" قطع ارتباطها بتنظيم "القاعدة" من اجل تكوين كيان جديد، وذلك بدعم من دولة قطر التي شجعت ذلك الانفصال رغبة منها في توحيد الفصائل تحت مسمى غير ارهابي لتبرير دعمها للمسلحين، وكانت المرحلة الاولى مع تأسيس ما سُمي "جيش الفتح" بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وتركيا كما أكدت حينها صحيفة "واشنطن بوست"، مشيرة الى تصاعد وتيرة ضخ الأسلحة، واستمرار الجهود المكثفة للعمل على انفصال "النصرة" عن "القاعدة" وانضمامها الى "جيش الفتح". واعتبرت الصحيفة حينها، انّه في هذه الحالة يمكن ان نكون أمام نقطة تحول في ميدان المعركة شمالا في وجه الجيش السوري وتنظيم "داعش"، "في الوقت الذي تجري فيه الأردن وإسرائيل اتصالات سرية مع عناصر النصرة على طول الحدود". واعتبر الجيش بمثابة اتحاد عسكري بين عدة فصائل عملت على التصدي للجيش السوري، وقد تم تشكيله في 24 آذار من العام الحالي، وأولى معاركه كانت في مدينة إدلب.
كيان جديد
تحاول "النصرة" اعادة ترميم هيكليتها بشكل مستمر، وخصوصاً انّها لا تزال تتلقى ضربات قوية من "داعش"، مع تحوّل عدد من مسلحيها للالتحاق بالتنظيم، ولذلك لا يبدو اي حديث عن امكانية انشاء فصيل جديد مستبعداً. ومن المحتمل أن تؤدي المحاولة التي تقوم بها قطر الى جمع "النصرة" و"جيش المجاهدين" و"الانصار" و"جبهة القلمون" و"الكتيبة الخضراء"، وكتائب صغيرة اخرى، دون وضوح التسمية الجديدة بعد، حيث يتم السعي الحثيث الى الباسها ثوب الاعتدال. وعلى الرغم من تراجع دور "النصرة" امام "داعش"، الاّ انّ "النصرة" قامت أكثر من مرة بمحاولات للقضاء على فصائل مختلفة كان آخرها "حركة حزم"، وتُصنف الاخيرة على انّها من المعارضات المعتدلة وكان عدد كبير من مسلحيها يقاتل الى جانب "الجيش السوري الحر"، وتعرضت مؤخراً الى هزيمة على يد "النصرة" وطردتها من مناطق في سورية، وخصوصاً ريف حلب، وقامت بالاعلان عن ذلك في أكثر من بيان. وقبل "حركة حزم"، طردت "جبهة النصرة" من ريف ادلب مجموعات معارضة اخرى، لتستولي على كل الدعم المادي بعدها.
وكانت وكالة "رويترز" قد نشرت تقريراً قبل اشهر عدّة، تحت عنوان "جبهة النصرة قد تنفصل عن تنظيم القاعدة لتشكل كياناً جديداً"، معتبرة انّ هذا الكيان سيحرر جبهة النصرة" من إدراجها على لوائح الارهاب الغربية.
صعوبة مبايعة
فما الذي سيتغير في حال انضوى الارهابيون تحت فصيل واحد، هل تسمح لهم اعرافهم ومواد تنظيمهم بالانضواء تحت راية واحدة، هل ستؤمن لهم التسمية الجديدة نظرة غربية معتدلة، تضمن لهم استمرار الدعم المادي من الدول الخليجية؟. وايضاً الى اي مدى يمكن أن يؤثر التقاتل بين "داعش" و"النصرة" سلباً على مخططهم، وهل يقبل امراء كل محور الانضمام ومبايعة اسم موحد، أو خلافاً لذلك سيوحدهم للوقوف في وجه "حزب الله" والجيش السوري؟. في الشكل، وحسب العرف لا تحتاج تلك المجموعات سوى الى اجتماع لتوحيد الصفوف ومبايعة زعيم للكيان الجديد، وغالباً فانّ "النصرة" هي التي تصدر قرارها النهائي بشأن الاجتماع للاتفاق. وامّا في المضمون فدون ذلك صعوبات جمّة، كما يشير الخبير في الشؤون الاسلامية والجماعات الاصولية الدكتور طلال عتريسي، معتبرا في حديث لـ"البلد" انّه يستحيل ان تتوحد تلك الجماعات في كيان واحد نظرا لصعوبة مبايعة شخصية موحدة على رأس تلك الفصائل.
دعم خليجي
يتحدث عتريسي عن فرضيات وجود كيان جديد، فسابقاً كانت هناك محاولات لتوحيد فصائل ناتجة عن ارادة خارجية بنفوذ سعودي وتركي وقطري، سعى الى لملمتها نظراً لتشتت العمل العسكري وتصاعد حدة الخلافات في ما بينها اضافة الى الفشل في تحقيق الاهداف لاسقاط النظام السوري. فماذا لو صحت المعلومات المتداولة، وهل هذه واحدة من الطرق لاعادة ترتيب امورها؟، يجيب عتريسي "صار هناك تلميحات أكثر من مرة، وذلك انّ دلّ على شيء، فعلى الارباك في الاداء والعمل، والبحث عن محاولة جديدة ستكون فاشلة كما سابقاتها، وخصوصاً بسبب تقاتل المجموعات المسلحة في ما بينها". ولذلك، فانّ تشكيل جيش يُعد مسألة صعبة ومعقدّة، "فمَن سيبايع مَن، وهل من الممكن الاتفاق على اسم واحد؟"، وحسب عتريسي، فانّه اذا كان المطلوب بناء تنظيم معتدل "فكيف سيكون "داعش" داخله وهو على رأس الارهاب؟". وفي ما يختص بتغيير التسمية لاعتبارات غربية، يعلّق "قد يسعون الى تعديل الاسم لحاجة عربية تتعلق بالدول الداعمة مادياً، فلا يستطيعون على سبيل المثال دعم "داعش" وهم يؤيدون حرباً ضد التنظيم"، تُضاف اليها مسألة الارتباط بـ"القاعدة"، بحيث أصبح واضحاً انّ الدول الخليجية طلبت مراراً اعلان "تبرئتهم من القاعدة ليصبحوا تنظيماً معتدلاً، من أجل تبرير التعامل معهم، بشكل لا يثير حفيظة الولايات المتحدة الاميركية والرأي العام الاوروبي". ولكن تلك المجموعات يجمعها ولاء لـ"القاعدة"، لذلك يجزم عتريسي بانّ هذه المحاولة لن تفلح وان دعمت الدول الخليجية ذلك، "ولا يمكن اغفال حقيقة انّه اذا استمر التطور الميداني لصالح "حزب الله" والجيس السوري، فهذا يعني انّ الارهابيين سيكونون بمأزق كبير والخيارات أمامهم صعبة، ووجهتهم الوحيدة اصبحت عرسال، وذلك سيشكل ضربة كبيرة لهم بحيث يصبح تأثيرهم ضعيفا بعيدا عن النقاط الاستراتيجية التي كانوا يتحكمون بها".
وتنقسم تلك المجموعات المقاتلة الى قسمين، أولهما متشدد وينتمي الى الاسلام السلفي، والمجموعة الثانية نتجت عن المعارضة السورية التي تشكلت منذ بداية الازمة في سورية وابرزها الجيش السوري الحر وبعض الكتائب التي تُصنف كونها معارضة معتدلة مثل "كتائب القلمون" و"كتيبة الفاروق".