خاص بالقلم
بقلم : نمير سعد
أنا ورفيقي وآخرون .. ثلةٌ من الشهداء الأحياء! أنا السوري الذي هجر مهجره وآثر العودة للوطن منذ عامٍ مضى ، وما تواجدي في أوروبا إلا على سبيل زيارة تنتهي بعد أيام لأعود مرةً أخرى إلى حيث يجب أن أكون . أكتب اليوم على قاعدة أن الحاضر يفتح أرشيف الماضي ويقرأ من صفحاته ما يلائم مشهديات أيامه، سوف أبدأ ببعض الماضي الذي يخصني، لرمزيته وخصوصيته , والذي كان حتى الأمس سراً تخفى ما بين مشاعر فخري بما كان مني ، ورغبتي التي ما انطفأت شعلتها بتمني ما لم يك ممكناً ، سرٌ ما أفشيته حتى لعديد أقرب المقربين ، لكنه سرٌ بات من العار إخفاؤه في زمنٍ تنطق فيه جثامين الشهداء ، تخاطب ضمائرنا ، وتقول : وماذا عنكم يا "بعض" شركائنا في المواطنة؟ . في زمنٍ أعلن فيه قائد هذا الوطن للكون بأسره دعم القيادة السورية على مدار العقود الماضية للمقاومة اللبنانية دعماً عسكرياً بلا حدود إلى جانب الدعم المعنوي والسياسي ، "وهو الزرع الذي يزهر في أيامنا عطراً يذكي ترابنا عبر تمازج زاكيات دماء شهداء الجيش السوري وشهداء مقاومي حزب الله في محراب قداسة الوطن " . ولأننا أيضاً ، نعيش اليوم زمن المكاشفات وإزاحة الستائر وإيقاد شموع الحس الوطني ، وإشعال نورالمعرفة واليقظة في العقول المعتمة والأرواح التي أصابها الخدر ونال منها الضباب، لهذا كله، سوف يكون مقال اليوم خوضاً في السياسة والتحليل ، من بوابة الوطن ، الوطن الذي سيحتل كل مساحات المقال عن طيب خاطري . أكتب اليوم بغير طريقة وغير أسلوب وغير مفردات ، مفردات لا أبحث لها عن نياشين أو أوسمة ، ولا آمل منها إلا أن تجد طريقها إلى حيث يجب أن تصل . ما بين الماضي والحاضر، عني وعنه الوطن لو تسألوني . بإختصارٍ شديد ، "وإلا ضاع بسط المقال وتحول إلى سيرةٍ ذاتية" . كنت آنذاك في أول عهدي بالشباب ، إبان الغزو الصهيوني للبنان ، يوم لازمني وحفزني حسي الوطني ، وإيماني بلا حدود، بقدسية الشهادة في سبيل الوطن ، الحس الذي رسمت لوحته الأناشيد التي رفعت الشهيد وساماً للعلا و الشرف ، وتوجته ملاكاً علياً أبياً ، الحس الوطني الذي غذته وحفزته أنباء مواجهات الجيش السوري للغزاة على أرض لبنان ، و جثامين الشهداء التي كانت زائراً شبه يومي ينشد بيتاً صغيراً جداً ، بطول مترين وعرض مترٍ واحد ، بيتٌ يحتضن الرفات في هذا السهل ، فوق تلك الرابية ، على سفح ذاك الجبل ، أو في مقابر الشهداء الأبرار في مراكز كل المدن. بعد تشكل القناعة المشفوعة بالعزم والإيمان بقدسية القضية ، لم أتردد أو أتأرجح أو أحتار ، هكذا كان حالي ، وحال صديقي ، ومن كان معنا آنذاك . وجدنا بالطريقة التي لست مضطراً لذكرها .. قناة إتصال لنا مع كوادر المقاومة في لبنان .. كان العرض ، وكانت الدراسة المعمقة ، وكانت الموافقة، و كان الترحيب .. عمليات من طبيعة " إفتداء الأرض بالروح " في جنوب لبنان ، حيث يجثم كالشيطان ، جيش الإحتلال ، بعد فترة من اللهفة والترقب و الإنتظار ليوم الإلتحاق بفريقٍ ما .. شاءت الإرادة التي ما كان لنا رادٌ لها ، أن تؤجل المسألة إلى موعدٍ غير محدد ، ساهمت التطورات على الأرض حينها في إطالة أمد التأجيل وعمره حتى طوي الملف في أرشيفٍ ما .. وبقيت الرغبات في الأرواح تحتار ، تسأل ، تفكر، وتنتظر تغييراً ما ، دونما نتيجة . و ها أنا اليوم أكتب لكم ، ولأسبابٍ أراها كافية ، منطقياً وأخلاقياً . فحال اليوم أسوأ بآلاف المرات من حال ذلك الزمان ، وقضية اليوم هي قضية وجود من عدمه ، حياة أو موت ، بقاء أو تشظٍ وإنمحاق ، كرامة أو ذلٌ و مهانة ، رفعةٌ أو ضعةٌ وهوان ، شموخٌ أو خنوعٌ وخضوع . أيها السوريون .. هل يتسع صدركم لبعض النقد الهادف؟ باعتبارها مرحلة مصيرية لا مجال فيها ومعها لأية مجاملات ، مرحلةٌ لا ترتضي معها المفردات تنميقاً أو تشذيباً أو مداورةً ، تقبلوا مني الآتي ما استطعتم إلى ذلك سبيلا .. . إنها معركةٌ لا ينفع معها اللطم والندب على خسارة معركة هنا أو أخرى هناك ، ولا يفيد فيها التحاذق والإجتهاد في توزيع المسؤوليات وتوجيه الإتهامات . وإطلاق الأحكام الاعتباطية التي لا تستند إلى أية حجةٍ أو منطق . في هكذا حروب عبر التاريخ كان الشعب ، وهكذا سيبقى ، هو الجدار الاستنادي للإنتصار، يداً بيد مع جيش الوطن ، وفي هكذا حروب ، تعلن عادةً حالة النفير العام ، يتهافت البشر رجالاً ونساء إلى ساح القتال ، تفرض حالة الطوارئ ، وتضرب الحكومات بيدٍ من فولاذ ، كل من يشذ قوله أو فعله أو تموضعه أو سلوكه ، عن الصالح العام للوطن . في هكذا حروب ، قلما عرفها بنو البشر، لا يكفي الكلام ولا تنفع معلقات الشعر، ولا تجدي عنتريات العالم الإفتراضي .
عتاب البنادق للأحبة.
في سماءت الوطن يضج عتاب البنادق لبعض أحبتها ، عتابٌ يقول : بمقدور الشعب السوري العظيم كحالة مدنية تتحول زمن الحرب إلى رديفٍ عسكري للجيش العظيم ، إجتراح المزيد من معجزات الصمود التي قدمها ، وتسطير المزيد من بطولات المجد التي دونها . تتوجه البنادق هنا "لبعض الرجال .. الرجال "، في صفوف الشعب ، لأن الجيش كان على مدار عمر الحرب ، ولا يزال ، وسيبقى ، مدرسةً في الصمود والشجاعة ، ولأنه أدهش الكون بعقيدته القتالية الفريدة ، ولأنه بعظمته وعزيمته حقق الإنتصار تلو الإنتصار ، – ليس من الأخلاق الوطنية في شيء نسيان بطولاته على مساحة الوطن ، كل الوطن ، و إفساح البعض الطريق أمام سيل المشاعر السلبية بعد خسارة معركة -!! .و أما المواطن السوري ، فيكفيه فخراً أن يشعر بالرضى لما قام به أو ما هو بصدد القيام به على صعيد العمل الوطني .. وساعة تقرع أجراس النداء .. وهذا هو الأهم .. أن يكون حيث يتوجب عليه أن يكون ، والمقصود هنا بشكل خاص المتخلفون عن الخدمة العسكرية وخدمة الإحتياط ، فيما المقصود بشكل عام ، كل من هو قادر على حمل السلاح ،أو القيام بأي مجهود يطلب منه ، قتالياً كان أو تنظيمي أو إداري أو تعبوي . وباقة السوريين بهذا المعنى هم النساء والرجال ، الفتيات والشباب . ففي كل الحروب التي أرشفها التاريخ ، كانت المرأة شريكاً فاعلاً مذهلاً في مرحلة الدفاع زمن الحرب ، كما في مرحلة البناء ما بعد الإنتصار . يقيني أن المرأة السورية التي كانت كذلك منذ أزل هذه الأرض وحتى عهد زنوبيا، كذا هي اليوم ، متميزة ، خلاقة ، مبدعة ، بناءة ، مقاومة ، ومحاربة ، "ولنا في فارسات الجيش السوري خير مثال ، الفارسات اللواتي تفوقن على الرجولة الشكلية عند كثيرٍ من "الذكور" . عن الإنتماء .. اسمعوا همس التراب. لا يعقل أيها السوريون أن يدعي أحدنا امتلاكه لطرف الحبل السري الذي يغوص طرفه الآخر عميقاً في تراب الوطن ليعانق جذور باسقات الأشجار و راسخات القلاع وخافقات السواري، لا يعقل أن يدعي شرف هكذا إنتماء وهو يراقب بلامبالاة السكارى التائهين كيف يسرق لون التراب ، وتدنس قداسته ، ويضيع شذاه. لا يعقل أن يكون من صلب الوطن ذلك المخلوق الذي يكتفي بمراقبة الجريمة ولا يجرؤ على الإنضمام لذاك الفريق الذي يدفع أغلى ما يملك صوناً لتلك القداسة وحفظاً لتلك الطهارة . لا وسطية أيها السادة في عشق الأوطان ، فالوطن ليس أنثى نعشقها اليوم وقد نختلف معها غداً أو بعد غد ، وليس أنثى تمارس الأمومة فترعانا ثم ترحل إن تمكنت منها الكهولة أو غافلها المرض ، الوطن لا يشيخ ولا يشيب ، الوطن كما الله لمن آمن بالله ، والوطن أرقى المبادئ لصاحب المبادئ ، إنه مولدنا ومهدنا ومربانا و مفكرتنا وذكرياتنا وتاريخنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا وذكرانا ساعة يحين رحيلنا . عشق الأوطان هو تلك الحالة الإلهية الإعجازية التي تدفع بصاحبها ساعة تتملك قلبه وروحه إلى الخطوط الأمامية في ساح معركة إفتداء الوطن ، ليسخر في سبيل الدفاع عنه ،، عقله ولسانه ويده وماله ودمه وقلبه وروحه . كونوا على يقين بالنصر، واسلكوا درب العمل المقاوم ، يتوج النصر جباهكم مجداً وفخراً وكرامةً وخلود .. المجد لسورية والنصر لثلاثية شعبها وجيشها وقيادتها .