عمر معربوني
إنّها الحرب المستمرّة منذ خمس سنوات على أغلب الأراضي السورية، حرب تتخلّلتها معارك هي الأعنف في تاريخ الحروب منذ الحرب العالمية الثانية مدّةً وضراوةً.
هذه الحرب التي وضعت أميركا وكل الدول الداعمة لها إمكانيات بشرية ومادّية هائلة من أجل إسقاط الدولة السورية وتفكيكها، وهي حرب مرّت حتى اللحظة بالعديد من المراحل القاسية وتنوعّت فيها أساليب وأنماط المواجهة.
إنّها الحرب التي أريد لها أن تنتهي بسقوط سريع للدولة السورية، لتعّم الفوضى وتنتهي المنظومة التي شكّلت ولا تزال عامل القلق والرعب لدى أعداء سورية وعلى رأسهم الكيان الصهيوني. هذه الحرب وصلت الآن إلى مرحلة اللاعودة، سواء بالنسبة للدولة السورية أو بالنسبة للجماعات المسلّحة بمختلف تشكيلاتها التي فاقت الألف تشكيل وفصيل مسلّح غالبيتها الساحقة تتبنى فكر تنظيم القاعدة بتفاوت يتّصل بمصالح وأهداف الدول الداعمة وعلى رأسها تنظيمي داعش والنصرة.
موضوعيًا، لا يمكن لأحد من منظمي الهجمة على سورية أن يدّعي أنّه حقّق أهدافه من هذه الحرب، سوى ما تمّ إحداثه من دمار وخراب في الجانبين المادي والبشري.
وحتى لا أستغرق في الإطالة، فإنّ عنوان المقالة يشير بشكل واضح إلى مرحلة تعتبر المرحلة الانتقالية الأكثر دقّة في تاريخ الحرب على سورية، وهي مرحلة الانتقال من الصمود إلى البدء بتحقيق شروط الانتصار الحاسم وهي مرحلة لن تكون قصيرةً أبدًا، ولكنها ستحقق الانطلاقة الحاسمة نحو حسم الحرب انطلاقًا من شرطين أساسيين، وهما:
1- التحولات التي ستنجم عن توقيع الاتفاق مع إيران، وما ستمثله هذه التحولات من تغيير في مواقف الدول الإقليمية والدولية التي تتجه حكمًا نحو حل سياسي قد تتشكل معالمه الأولى نهاية السنة الحالية. وهو أمر يمكن متابعته من خلال تصريحات كلّ من الرئيس بوتين والرئيس أوباما، رغم بعض الحذر الذي يكتنف التصريحات.
2- انتقال الجيش العربي السوري إلى مرحلة ميدانية مختلفة تمامًا لجهة التعامل مع الميدان، وهو ما بدا واضحًا في معارك الجنوب السوري في درعا والجولان، وكذلك استعادته لزمام المبادرة في تدمر، المفصل الأكثر أهميّة وخطورة في الحرب.
وما بين المرحلة الحالية والمرحلة القادمة، سنشهد معارك بمنتهى القسوة ستحاول فيها الجماعات المسلّحة تحسين عوامل إمساكها بالميدان للتأثير في المفاوضات المحتملة بمعزل عن حصولها أو عدمه، وهو أمر لن تستفيد منه هذه الجماعات كونها بالتصنيف الدولي والإقليمي بأغلبها جماعات إرهابية متطرفة، وبذلك يجب أن تستعد لخوض حربها الأخيرة.
أمّا لماذا الزبداني وتدمر، معركتي الربط في الحرب السورية؟
لأنّه بانتهاء معركة الزبداني لمصلحة الجيش العربي السوري، سنشهد وأد المخطّط الأكثر خطورة الذي استهدف سورية وهو ما يُطلق عليه الخطة الرابعة أو ربط القلمون بحرمون (جبل الشيخ والجولان).
وبمرور حوالي الأسبوع على بدء معركة الزبداني، وانطلاقًا من وقائع الميدان، يمكن القول أنّها معركة منتهية بمنطق العلم العسكري رغم الشراسة التي تبديها الجماعات المسلّحة المدافعة عن الزبداني لتوفّر شَرطَي السيطرة بالنظر والنار لمصلحة الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية وإحكام السيطرة الكاملة بالتطويق عبر الاقتراب البطيء الذي وصل إلى مرحلة الاندفاع لعزل الجماعات المسلّحة ضمن مربعات معزولة عن بعضها، وهو أمر يتم ضمن شروط التفتيش الدقيق عن الأنفاق المحتملة والعبوات المزروعة على خطوط اقتراب الجيش العربي السوري والمقاومة.
أمر آخر بغاية الأهمية، وهو المساحة الواسعة التي تنتشر فيها الجماعات المسلّحة وبيئة القتال المتنوعة التي تتشابك فيها البساتين بالأبنية، وهو ما يؤمن للجماعات المسلّحة قدرة التمويه والاختباء والانتقال.
وإذا ما راقبنا سير العمليات العسكرية بدقّة، سيتبين لنا أنّ الجيش العربي السوري والمقاومة باتا في مرحلة الاندفاع إلى وسط المدينة من أكثر من اتجاه، وهذا الأمر لن يحصل إلا بوصول الجماعات المسلّحة إلى مرحلة الانهاء، والتي بمقدور القوى المهاجمة فقط تحديد ساعة صفرها لامتلاكهم المعطيات التفصيلية الميدانية.
وفي كل الأحوال، فإن الانتهاء من معركة الزبداني سيتيح للجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية الانتقال إلى حسم المرحلة الأخيرة من معركة جرود القلمون الشمالية، التي توقفت لأسباب املتها ضرورة حسم معركة الزبداني بعد محاولة الجماعات المسلّحة تحقيق انتصارات في الجنوب السوري. وهو أمر لو حصل، لكان لمسلحي الزبداني دور محتمل به مع مسلحي خان الشيح ودروشا وريف الكسوة، وهي المناطق المرشحة للحسم بعد الانتهاء من معركة الزبداني، خصوصًا أنّ محاولات من مسلحي خان الشيح ودروشا للتحرك قد حصلت بأشكال مختلفة في الآونة الأخيرة.
وقد يسأل البعض لماذا لا تكون الأولوية بعد انتهاء معركة الزبداني لحسم معركة الغوطة الشرقية، وتحديدًا معركة دوما؟ فالآن هذه المعركة ترتبط أكثر بالقلمون الشرقي والبادية الواصلة إلى الأردن، وهي خارج مخطط الربط بين القلمون وحرمون.
في تدمر، ليس استعادة المدينة إلا عاملاً معنويًا أكثر منه عاملاً ميدانيًا، وما وصلت إليه وحدات الجيش العربي السوري هناك يمكن إدراجه في خانة العمليات التمهيدية لخلق مناخات معركة أكثر ملاءمة عبر تحقيق شروط إشغال مجموعات داعش هناك والعمل على تشكيل قوس انتشار يُغلق على هذه الجماعات الطريق إلى تهديد حمص وحماه وكذلك حلب. وأنا هنا أقصد طرقات الربط وخطوط الإمداد، لا المدن المذكورة التي تدور في أريافها أيضًا معارك كبرى لا تقل أهمية عن معركة القلمون والزبداني.
خلال هذه المرحلة، كان طبيعيًا أن نشهد العديد من المحاولات من الجماعات المسلّحة في حلب عبر معركة فتح حلب التي لم تحقق فيها الجماعات المسلّحة أي إنجاز باستثناء السيطرة على مبنى البحوث العلمية غرب حلب، وهو لم يسبب أي اهتزاز حقيقي لجبهة الدفاع عن حلب.
وكذلك من الطبيعي أن نشهد تسعيرًا للمعركة باتجاه الفوعة وكفريا المحاصرتين في ريف ادلب وربما على نبل والزهراء أيضًا، وهي هجمات تحمل في طياتها رسائل سياسية أكثر منها عسكرية كون البلدات الأربعة ذات أكثرية شيعية كرد على توقيع الاتفاق مع إيران. وما محاولة الجماعات المسلّحة إن كانت تندرج في هذا السياق إلا جنون وحماقة، كون الاتفاق يسير في اتجاهات على المستوى الكوني ولن تؤثر فيه أمور من هذا النوع، خصوصًا أنّ تجربة نبل والزهراء يمكن أن تتكرر في الفوعة وكفريا لأنّ ردّ الجيش السوري سيكون قاسيًا جدًّا وموجعًا.
على العموم، الأمور تسير في اتجاه مختلف عما تريده الجماعات المسلّحة لمجموعة من الأسباب سأتجاوز ذكرها حاليًا، ولكنها مرتبطة بخطط الجيش العربي السوري وتنظيم التشكيلات وطرق وأنماط استخدام الأسلحة التي سنرى نتائجها واضحة أمامنا في المرحلة القادمة.
ختامًا، إنّنا أمام مرحلة جديدة بامتياز يختلط فيها السياسي بالميداني، ويؤثران ببعضهما بشكل كبير ضمن سياق من المسارات التي قد تحمل بعض التوقعات والمفاجآت كوننا في مرحلة حاسمة من الحرب ترتبط بالتحولات والمصالح للدول الإقليمية والعالمية أكثر من أي وقت مضى.
*ضابط سابق ( خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية )