تحدث باحثون غربيون عن أهمية الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى على صعيد خدمة المصالح "الأمنية" في العالم، بينما دعت شخصيات معروفة بعدائها للجمهورية الاسلامية الى تهديدها بالحرب تحت ذرائع جديّة وفشل الجهوريين في الكونغرس من تمرير قرار برفض الاتفاق.
من جهة أخرى، إستبعد الخبراء أي تغيّر بموقف روسيا الداعم للرئيس السوري بشار الاسد في المستقبل المنظور، في وقت تحدث الباحث الأميركي المعروف "دانييل بنجامين" مطولاً عن اختلاف الاولويات بين واشنطن والرياض، خاصة لجهة التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش".
الصراع الداخلي الأمريكي حول إيران
اعتبر الرئيس الاسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة "فوك جيراميش"، الذي شغل في السابق منصب وزير خارجية صربيا، أن الاتفاق بشأن الملف النووي الايراني يمثل نجاحًا دبلوماسيًّا لواشنطن من شأنه تعزيز الأمن الإقليمي.
وفي مقالة له على موقع "ناشيونال انترست"، قال جيراميش أن منع صدور مشروع قرار برفض الاتفاق في مجلس الشيوخ الأمريكي سيقلّل من إمكانية التخلّي عن الإتفاق في المستقبل، مضيفًا أن التخلي عن الإتفاق سيلحق ضررًا كبيرًا بمصداقية أمريكا في العالم ويقوّض بشكل كبير قدرتها على التفاوض مع بلدان أخرى حول مختلف القضايا.
ورأى الكاتب أن إستمرار فرض العقوبات ما كان سيؤدي الى اتفاق أفضل، مشيرًا في هذا الإطار الى إنحسار الإستعداد الدولي لمواصلة فرض العقوبات. كما أكدّ أن الاتفاق النووي الايراني يخدم المصالح "الامنية" للولايات المتحدة والعالم.
من ناحيته، اعتبر "دينيس روس" و"ديفيد ماكوفسكي" في مقالة نشرت على الموقع التابع لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، المقرّب من الكيان الإسرائيلي، أن النقاش الداخلي الأميركي حول الإتفاق بشأن الملف النووي الإيراني قد حسم بعد نجاح الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بتعطيل تمرير مشروع قرار ينص على رفض الاتفاق.
على ضوء هذا التطور لصالح الاتفاق، تحدّث الكاتبان عن تعزيز الردع ورفع الاثمان جراء قيام ايران بأي نشاط "يزعزع" استقرار المنطقة، وفقاً لتعبيرهما. وهنا وجه الكاتبان دعوة الى الجمهوريين والديمقراطيين للإتفاق على مشروع قرار "يمنع" إيران من ان تصبح دولة تمتلك الاسلحة النووية بحسب تعبيرهما.
كذلك رأى الكاتبان ان هناك حاجة لاصدار قرار في الكونغرس بتوفير طائرة "بريداتور" المتطورة لـ"إسرائيل"، وأشارا إلى أن تقديم هذه الطائرة الحربية للكيان الغاصب سيوجه رسالة حول مدى جديّة واشنطن بمنع إيران من أن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية، وحثّا على إصدار مشروع قرار يجيز فرض العقوبات ردًا على تعزيز الدعم المادي لحلفاء إيران مثل حزب الله اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية.
السياسة الروسية في سوريا
تحت عنوان "لا تغييرات في موقف موسكو حيال سوريا"، كتب الباحث "نيكولاي كوزانوف" مقالة على الموقع التابع لمعهد "شاتم هاوس" البريطاني، اعتبر فيها ان الغرب أخطأ مجددًا في قراءة النوايا الروسية في الشرق الاوسط، وتطرّق إلى خطوة تعزيز موسكو تعاونها العسكري لسوريا، معتبرًا أن ذلك يدل على انه "لا نية لدى موسكو" بسحب دعمها للرئيس السوري بشار الأسد، وهي على قناعة تامة بأن الاسد باقٍ، خاصة أن هناك عددًا من القادة الاوروبيين يعتبرون أن "داعش" يمثل التهديد الاساس لا الأسد، وأن البعض من هؤلاء طرح مسألة الانخراط مع الرئيس السوري من أجل هزيمة هذا التنظيم، ولذلك فان موسكو لم تعد تتعرض لضغوط كبيرة لسحب دعمها للاسد.
ورجح الكاتب ان تكون موسكو تنظر الى مسألة مساعدة الاسد على أنها وسيلة لحماية المصالح القومية الروسية، خاصة لناحية محاربة "الجهاديين"، لافتاً في هذا الاطار الى تصريح لوزير الخارجية سرغي لافروف في شهر آب/اغسطس العام الماضي، والذي اعتبر فيه "داعش" التهديد الرئيس لروسيا في المنطقة. وبحسب الكاتب، يعتقد الكرملين ان سقوط الاسد سيحول سوريا الى ليبيا جديدة، ما يعني المزيد من التطرف في الشرق الاوسط وتصدير ما وصفه بالراديكالية الاسلامية الى روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى.
وإذ لفت الكاتب إلى ان أجهزة الامن الروسية تراقب عن كثب قرابة ألفي "جهادي" في سوريا يتكلمون اللغة الروسية، مشيرًا في الوقت نفسه الى ان أغلب هؤلاء يكنّون العداء لروسيا. كما تحدث عن وجود مخاوف لدى موسكو من ان يحمل هؤلاء المقاتلون مشروع اقامة "دولة الخلافة الاسلامية" الى المناطق المحيطة بروسيا في حال سقوط الاسد، وبالتالي يفضل الكرملين محاربة وهزيمة هؤلاء خارج الاراضي الروسية.
علاوة على ذلك، اعتبر الكاتب ان سحب الدعم للرئيس السوري سيشكل ضربة قوية للرئيس بوتين على الصعيد الداخلي. فيشير الى أن وسائل الاعلام الروسية دائمًا تصوّر الاسد على أنه حليف موسكو في الصراع مع "التحدي الاسلامي"، كما تعتبر مسألة دعم روسيا له مسألة مبدأ. كل ذلك بحسب الكاتب، سيصعب تغيير العلاقات مع دمشق.
ويخلص الكاتب الى القول أن موقف روسيا حيال سوريا نابع من مصالح ذاتية، بحسب رأيه، وتعتمد خطة موسكو على ضمان بقاء "النظام السوري"، بالتالي القرار الاخير بتعزيز الدعم العسكري لدمشق يجب أن لا يكون مفاجئاً. ومن هذا المنطلق استبعد الكاتب ان تغير روسيا استراتيجيتها بدعم الاسد خلال المستقبل المنظور.
السعودية
أما الباحث دانييل بنجامين، الذي شغل منصب منسق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية بين عامي 2009 و 2012، فقد كتب مقالة تحت عنوان "الملك وداعش" نشرت في مجلة فورين بوليسي. وتطرق بنجامين إلى نشر السعودية للفكر الوهابي، معتبرًا ان ذلك لعب دوراً مركزياً بصعود التطرف الدموي "من اندونيسيا الى مالي".
ورأى بنجامين ان من آثار الايديولوجيا الوهابية و"المساجد التي ولدتها" عمليات الذبح التي ترتكب في المناطق التي يسيطر عليها داعش في العراق، وأحداث الـ11 من أيلول.
وبرأي الكاتب، تبقى السعودية "منشأ التطرف الاسلامي" وذلك بسبب الاموال الضخمة التي تتدفق من المؤسسة الوهابية في السعودية والانظمة غير الحكومية التي تروّج للاسلام الوهابي. فقد كشف الكاتب أن مسار العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة ليس مشجعًا، فهناك تباعد كبير في الاولويات بين البلدين.
وفي هذا السياق، قال الكاتب ان اولويات الولايات المتحدة هي تنفيذ الاتفاق النووي مع ايران وايقاف صعود التطرف الاسلامي، خاصة لجهة احتواء واضعاف داعش دون ارسال قوات قتالية اميركية الى المنطقة. اما السعودية، فهدفها الاساس ضبط و"دحر" ما تعتبره التقدم الايراني، خاصة في اليمن و سوريا.
وفيما يخص اليمن، قال الكاتب ان الولايات المتحدة اعربت عن دعمها العلني للمسعى السعودي، وبشكل اساس، من أجل الحفاظ على التحالف معها. غير ان الكاتب تحدّث عن مخاوف اعربت عنها واشنطن خلف الكواليس حيال الحرب على اليمن، حيث ان قتل المدنيين بأعداد هائلة والكارثة الانسانية الحاصلة في هذا البلد نتيجة الحرب لا تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة.
أمّا في سوريا، فقال الكاتب أن السعودية لا تمانع بالاطاحة بالرئيس بشار الاسد على أيدي اسلاميين (غير داعش) وجعل دمشق "عاصمة سنيّة" مجدداً. ثم تطرق الى الاموال التي تتدفق من الدول الخليجية الى تنظيم "جبهة النصرة"، فرع "القاعدة" في سوريا، ليخلص مجدداً الى موضوع استفادة المتطرفين من حالة الفوضى.
وتعتبر مساهمة السعودية في مساعي "التحالف" الذي تقوده أميركا ضد "داعش" ضئيلة جدًا، وفق الكاتب، لافتًا الى ما نشره الموقع التابع لوزارة الحرب الاميركية "البنتاغون" عن عدم ارسال الرياض اي من طائراتها الحربية من اجل تنفيذ مهمة في العراق.
وأضاف الكاتب أن الرياض لم تشن سوى عدة غارات ضد "داعش" في سوريا. واستبعد "ان تنضم السعودية الى المعركة ضد التطرف، حيث امتنعت عن اتخاذ مثل هذه الخطوات لعقود من الزمن".