24 – إعداد: مروة هاشم
رأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، في مقال تحليلي نشرته على موقعها الإلكتروني، أنه في ظل تدفق اللاجئين بأعداد غير مسبوقة إلى أوروبا لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي وضع استراتيجية إنسانية متماسكة تجسد المبادىء التي يدعو إليها الزعماء والقادة الأوروبيين.
وتقول المجلة إنه على الرغم من هذه الكارثة الإنسانية فإن أوروبا تتهرب من حل أزمة اللاجئين من خلال وضع خطط سرية لبرنامج يقوم على إنشاء مراكز لاستقبال اللاجئين خارج الاتحاد الأوروبي، وتستهدف بروكسيل إقامة أول مركز تجريبي من هذه المراكز في مدينة أغادير في النيجر.
ويثير اختيار النيجر على وجه التحديد العديد من التساؤلات لدى المجلة بشأن مدى جدية الاتحاد الأوروبي في حل الأزمة وكذلك مدى ترحيبه باستقبال المزيد من اللاجئين من القارة الأفريقية على وجه الخصوص.
استراتيجية طويلة المدى
يبدأ المقال بالإشارة إلى تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" يوم الثامن من سبتمبر (أيلول)، عقب مرور خمسة أيام على مأساة الطفل السوري اللاجىء إيلان الكردي التي هزت العالم، حيث قال يونكر: "يمكننا بناء الجدران والأسوار، ولكن تخيل ولو للحظة واحدة أنك في مكانه حاملاً طفلك بين ذراعيك، وقد تمزق العالم الذي تعرفه من حولك، بالطبع سوف تدفع أي ثمن ولن تتواني عن تسلق أي جدار.
وعلى الرغم من إعلان يونكر في وقت لاحق أن أوروبا ستفتح أبوابها لاستقبال 160 ألفاً من المهاجرين وتوطينهم في البلدان الأعضاء على مدى السنوات القليلة المقبلة، فإن الاتحاد الأوروبي – بحسب المجلة – لم يغير من استراتيجيته الطويلة المدى القائمة على إبعاد اللاجئين من دخول دول الاتحاد. والواقع أن المفوضية الأوروبية وضعت، في هدوء، خطط لتعزيز معالجة عملية تدفق اللاجئين من خلال المسارات المائية، من خلال إنشاء وتجهيز مركز للهجرة المؤقتة في النيجر.
التعامل مع الأزمة
تلفت فورين أفيرز إلى أن المفوضية الأوروبية قامت في شهر مايو الماضي بنشر جدول أعمال الهجرة من دون ضجة إعلامية، وشددت في بيان لها على أهمية التعامل مع "الأزمة في منطقة البحر المتوسط" قبل أن يتحول الضغط إلى "ما لا يطاق"، واعترفت أيضاً بالصلة بين الوضع الأمني الهش في منطقتي الشرق الأوسط وقارة أفريقيا والارتفاع الأخير لطلبات اللجوء إلى أوروبا من هاتين المنطقتين؛ إذ وصل إلى حدود أوروبا أكثر من 350 ألف مهاجر حتى الأن من عامنا هذا.
ومن أجل كبح تيارات اللاجئين، خطط الاتحاد الأوروبي لتجهيز مركز تجريبي للأفارقة الذين يطالبون بتأشيرات إنسانية في أوروبا، وإذا ثبت نجاح هذا المركز، سيتم إنشاء مراكز أخرى في الشرق الأوسط والمغرب العربي. وتشير فورين أفيرز إلى أن حوالي 90 في المائة من جميع المهاجرين من غرب أفريقيا، ويقترب عددهم من حوالي 100 ألف شخص سنوياً، يعبرون النيجر في طريقهم إلى ليبيا للوصول إلى أوروبا، الأمر الذي يثير العديد من الأزمات، ومنها ما حدث الشهر الماضي (وجرى نسيانه ولم يتم حله بشكل كامل) حينما سعى الالاف المهاجرين من غرب أفريقيا في كالييه بفرنسا إلى العبور إلى المملكة المتحدة.
مركز تجريبي للاجئين
وتضيف المجلة أن مقر هذا المركز سيكون في مدينة أغادير بالنيجر وباستضافة من المنطمة الدولية للهجرة. ويستهدف إنشاؤه توفير المساعدة الفورية للمهاجرين فيما يتعلق بالعبور وإطلاعهم على المخاطر المحتملة من السفر إلى أوروبا، فضلاً عن تسجيل بياناتهم الشخصية ومساعدة الذين تم رفض دخولهم دول الاتحاد الأوروبي في العودة إلى بلدانهم الأصلية إذا ما كانوا يرغبون في ذلك.
تلفت المجلة إلى أنه في وثيقة جدول أعماله للهجرة، يدعى الاتحاد الأوروبي الالتزام بــ: "نهج مشترك لمنح الحماية للأشخاص المشردين الذين هم في حاجة إلى الحماية"، ولكن بعيداً عن هذه الصياغات العامة، تصمت هذه الوثيقة بشكل ملحوظ حيال المنطق وراء فكرة إنشاء هذا المركز ومدى تأثيره في الواقع على أزمة المهاجرين في أوروبا.
وتقول فورين أفيرز: "في شهر فبراير(شباط)، قام وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بزيارة إلى مدينة نيامي عاصمة النيجر، بيد أنه لم يذكر أي تفاصيل حول هذا المشروع. وفي ذلك الوقت، انتقد المجتمع المدني النيجيري بشدة المقدار الهائل من السرية التي تحيط بها المشروع".
سرية المشروع
وبرأي المجلة، فإنه رغم المعلومات الضئيلة حول هذا المشروع، فإن توقيت إعلان أجندة الاتحاد الأوروبي يقدم بعض الاستنتاجات حول الخطط التي يسعى إليها الاتحاد. إن فكرة إنشاء مراكز استقبال للاجئين خارج الاتحاد الأوروبي تميل إلى الظهور على جدول أعمال بروكسيل في الأوقات التي تبدأ فيها الدول الأعضاء بالشعور بالانزعاج من تدفق الهاربين من مناطق الكوارث الإنسانية. وتذكر المجلة طرح الفكرة في السابق خلال عامي 2003 و2004 من قبل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بيد أنها لم تحشد الدعم الكافي وتعرضت للانتقاد والإدانة من منظمة العفو الإنسانية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، وجرى وصفها بأنها "محاولة للتخلي عن القيم الإنسانية في أوروبا".
وتنوه فورين أفيرز إلى أنه في عام 2007 نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR فتوى تحدد المعايير المطولة التي يجب أن تتوافر في مراكز استقبال اللاجئين بالخارج بما يتماشى مع القانون الدولي. وفي هذا الصدد ركزت المفوضية على ما يُطلق عليه مبدأ "عدم الإعادة القسرية" الذي يعني باختصار لأن الدولة لا يمكن أن تقوم بإعادة المهاجرين داخل حدودها إلى مكان قد يتعرضون فيه إلى الاضطهاد أو التعذيب أو الموت أو أي ضرر لا يمكن إصلاحه.
ومن ثم تتشكك المجلة فيما إذا كانت النيجر – التي ستقوم بروكسيل بتشغيل المركز التجريبي على أراضيها بالتعاون مع مفوضية اللاجئين UNHCR – تتوافق بالأساس مع المعايير المحددة سلفاً.
لماذا النيجر؟
تقول فورين أفيرز: "النيجر، حيث سيتم فيها تشغيل البرنامج التجريبي، تبتعد كل البعد عن أن تكون آمنة؛ فهي معروفة بأنها مركز للاتجار بالبشر وتجارة السلاح، فضلاً عن جماعات المتمردين الطوارق ومقاتلي بوكو حرام، ومن ثم لا تُعد ملجأ مناسباً لأي شخص. وقد اعترفت حكومة النيجر بذلك منذ فترة طويلة ومنعت المواطنين الأجانب من دخول كل مناطق شمال النيجر من دون اصطحاب حراسة عسكرية. وفي الوقت نفسه تنصح السفارات الأوروبية باستمرار مواطنيها بعدم السفر إلى أغادير والمناطق المحيطة بها. ولذلك يجب على الاتحاد الأوروبي أن يشرح لماذا يعتقد أن المنطقة التي يتجنبها الدبلوماسيون باتت فجأة الملاذ الآمن لكي يسعى إليه اللاجئون؟".
وبحسب المجلة، يتطلب التعامل مع عدد كبير من المهاجرين تعاون وثيق مع حكومة النيجر، وهذا في حد ذاته سيتحول إلى إشكالية على الأرجح، إذ سوف يضطر الاتحاد الأوروبي حتما إلى تحويل موارد من خلال القنوات الإدارية الحكومية، وعلى الرغم من أن إدارة مامادو إيسوفو، رئيس النيجر، تتمتع بشرعية أكبر من أي حكومة أخرى في تلك المنطقة، فإن هذا لا يعني أن أصحاب السلطة في نيامي غير قابلين للفساد، لاسيما أنهم معرفون بتحويل المواد العامة على نطاق أوسع، كما أن قوات الأمن في النيجر أثبتت على الدوام عدم قدرتها على اعتراض الشبكات الواسعة للمتاجرة بالبشر في البلاد بشكل عام وفي أغادير بشكل خاص.
الهروب من التحدى
تؤكد فورين أفيرز على أنه خلال الأسابيع الأخيرة كانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا، على وجه التحديد، تدعم فكرة مراكز استقبال اللاجئين بالخارج، وكذلك تضغط على بروكسيل لوقف دخول المهاجرين الأفارقة إلى أراضي دول الاتحاد الأوروبي. بيد أن موقف ألمانيا مؤخراً الذي تلقى إشادة دولية جدير بالملاحظة، وذلك على الرغم من أنه موقف تدريجي يقتصر على اللاجئين ذوي المؤهلات العليا من سوريا، إذ أن برلين فقدت حماسها بشكل ملحوظ تجاه المهاجرين الأفارقة الذين يفتقرون إلى المهارات التي يتطلبها سوق العمل الألماني.
وتخلص المجلة إلى أن تجربة الدول الصناعية الأخرى توفر أدلة كثيرة على أن نتائج مراكز استقبال اللاجئين بالخارج تتسبب في كوارث إنسانية، وتشير إلى تجربة الولايات المتحدة في إنشاء مرافق بالخارج في خليج غوانتانامو في أوائل تسعينيات القرن العشرين وكذلك تجربة إستراليا بإنشاء منشأت بحرية لطالبي اللجوء في بابوا غينيا الجديدة. وقد وجهت منظمات حقوق الإنسان انتقادات حادة لكلا البلدين للظروف القاسية المهينة التي سادت تلك المرافق والمنشأت التي أسفرت عن أعمال شغب وإضرابات بسبب المعاملة السيئة ورفض توفير المساعدة القانونية والطبية للاجئين، إذ كان يتم إدارتها من قبل شركات خاصة تركز على تحقيق أرباح وتعمل من دون مساءلة.
وتختتم فورين أفيرز: "ربما توضح لنا التجارب السابقة سبب اختيار الاتحاد الأوروبي للنيجر على وجه التحديد، حيث ستظل الأزمات الناشئة عنها بعيدة جداً عن الأنظار، ومن ثم ستكون خارج حيز التفكير. ولن تثير أن أزمة إنسانية سيتم الكشف عنها في الشمال النائي للنيجر السخط والغضب نفسه الناتجين عن الجثث الملقاة على شواطىء إيطاليا واليونان. ولن تطرح نيامي – التي تعتمد على المانحين – الكثير من الأسئلة المثيرة للقلق أو الإحراج حول ما إذا كان المركز يتوافق مع المعايير القانونية الدولية المُلزمة في هذا الصدد".