عمر معربوني – بيروت برس –
عندما نتعرض في بحثٍ ما لقضايا حسيّة فالوقائع يجب ان تكون سيدة الموقف، وعلينا ان نحيّد عواطفنا واهواءنا عند الخوض في قضايا يجب ان تستند الى المعلومات والسياق المنهجي.
مع بداية الحرب على سورية، كان واضحاً انّ الهدف هو تفكيك الجيش العربي السوري والقضاء عليه بالضربة القاضية.
المراحل التي مرّ بها الجيش العربي السوري منذ بداية الحرب على سورية وحتى اللحظة:
1- مرحلة تلقي الصدمة، وهي المرحلة الأكثر قساوة على الجيش العربي السوري، حيث كان عليه ان يقاتل على كل شبر من الأرض السورية عدوّاً غير تقليدي وغير معلوم المكان والحجم والقدرات. في هذه المرحلة من الحرب ولحظة اتخاذ القرار بتدخل الجيش، تعرضت ارتال الجيش المتقدمة الى مناطق التوتر لضربات موجعة وكذلك مواقعه وثكناته، ولا مجال هنا لذكر العديد من المجازر التي ارتكبت بحق الضباط والجنود وكان واضحاً ان طبيعة العمليات الموجعة تستهدف بشكل اساسي:
– ضرب الروح المعنوية للضباط والجنود وعزلهم عن قيادتهم والتأثير في انضباطهم، وهو أمر لم يحصل لمجموعة من الأسباب اهمها منظومة القيادة والسيطرة الميدانية للوحدات وهي حتى اللحظة في حالة ثبات رغم الكثير من الخسائر التي لحقت بالوحدات العسكرية في بداية الحرب.
– الدفع باتجاه عمليات الإنشقاق من خلال الحرب الإعلامية والنفسية التي قادتها مجموعة من الفضائيات لازالت حتى الساعة تغير من مناهجها واساليبها تماشياً مع كل مرحلة من مراحل الحرب، وفي هذا الجانب لا بد من الإشارة الى ان نسبة الإنشقاق عن الجيش لم تتعدَّ 2800 ضابط غالبيتهم من الرتب الدنيا وحوالي 18 الف رتيب وجندي، وهي نسبة لا تتجاوز 12% من عديد الجيش السوري.
– التأثير في قدرة القيادة من خلال استهداف كبار الضباط والطيارين والعلماء العسكريين، وكان اخطر ما تعرض له الجيش حينها هو تفجير الأركان الذي اودى بحياة خلية ادارة الأزمة، ولكن المفاجأة كانت في التماسك الكبير الذي تلى التفجير وتعيين بدائل عن الشهداء الضباط بشكل سريع.
هذه المرحلة استمرت لفترة اشهر، كان لجانب الحذر السياسي من اقحام الجيش في المواجهة دور كبير نظراً لخطورة التحالفات الغربية والعربية ضد الدولة السورية، وعدم تبلور مواقف جذرية لروسيا والصين اللتين كان لهما دور حاسم فيما بعد في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
2- مرحلة الدفاع، وهي المرحلة التي استمرت فترة طويلة خسر قبلها الجيش مواقع كثيرة وجغرافيا كبيرة وخصوصاً في الأرياف. في هذه المرحلة كان القرار بالحفاظ على المدن الكبرى تحت سيطرة الدولة والقتال في محيط هذه المدن وفي البؤر التي نشأت في بعض المدن مع الحفاظ قدر الإمكان على الطرقات الرئيسية التي تربط هذه المدن ببعضها، وكان عنوان هذه المرحلة هو السيطرة على الثقل الإستراتيجي للدولة الذي يبدأ من العاصمة دمشق ويمر بحمص وحماه فالساحل وصولاً الى مدينة حلب، مع العلم ان الجيش العربي السوري لا يزال يقاتل في درعا والحسكة ودير الزور. خلال هذه المرحلة كان لا بد للقيادة من اتخاذ القرار بتغيير انماط المواجهة وتقنيات القتال والتخلي عن الكثير من آليات القيادة والسيطرة واستبدالها بأخرى اكثر مرونة وتلبية لحاجات الميدان، وهذا يعني تطوير السلوك اليومي للوحدات العسكرية بما يتناسب مع الخبرات الجديدة كالقتال في الشوارع وبين الأبنية وفي البساتين والأنفاق، والقتال بوحدات كبيرة واخرى صغيرة اضافة الى ان اكثر من 400 جبهة قتال اتخذت اشكال متعددة اصبحت اشبه بخطوط تماس. من هنا كان لا بد من حسم معارك البؤر التي تشكلت في المدن وتأمين اكبر نطاق أمان وحماية، والإنطلاق الى معركة تحرير المناطق الحدودية كعامل اساسي في الخطورة لجهة تهريب السلاح والمقاتلين، وهي المعركة التي تم حسم الشق الأخطر منها والذي يهدد منطقة الثقل الإستراتيجي للدولة والممتد عبر الحدود اللبنانية السورية من عكار الى شبعا، والذي بات يحظى بنسبة أمان عالية جدا ما يعني ان العمليات الجارية حالياً في ارياف حماه وحمص وحلب هدفها الأولي ربط المدن الكبرى عبر الطرق الرئيسية والإنطلاق لحسم المعارك الحدودية في الجبهة الشمالية على الحدود مع تركيا، على ان تكون المنطقتان الجنوبية والشرقية في المرحلة التالية مع جبهات الغوطة والقنيطرة. وفي هذا الجانب لا بد من التذكير ان معارك حمص وحلب والغوطة كانت معارك اساسية في هذه المرحلة التي لا زال جزءاً منها مستمراً بموازاة بدء مرحلة الهجوم المضاد.
3- مرحلة الهجوم المضاد، وهي التي يمكن تأريخها بمعركة باب عمرو في حمص وتالياً اطلاق معركة القصير ومعارك القلمون بالتزامن مع معارك تل كلخ وارياف حمص، والتي كان لتحرير قلعة الحصن بالتزامن مع تحرير مدن وبلدات القلمون دور اساسي وكبير في تغيير معالم السيطرة وآفاق العمليات العسكرية، حيث تم استكمال هذه العمليات لاحقاً وتطويرها لتشمل اكثر من 90% من تلال القلمون امتداداً حتى الزبداني. ومن معالم مرحلة الهجوم المضاد اخراج الجماعات المسلحة من كامل مدينة حمص وتحرير اجزاء كبيرة من الغوطة الشرقية، وصولاً لإحداث التماس مع دوما وحرستا كمعقلين اساسيين يبدو ان معركة الحسم فيهما قد بدأت، ويبقى ان نشير الى ان فتح الطريق الى حلب عبر الطريق الصحراوي من سلمية حتى حلب يعتبر حتى اللحظة ابداعًا عسكريًا مضافةً اليه عمليات الخرق الجريئة التي نفذتها وحدات الجيش العربي السوري في ارياف حلب الشرقية والشمالية والجنوبية.
ورغم دخول الجيش العربي السوري في مرحلة الهجوم المضاد، شهدنا اخفاقات خطيرة في المنطقة الشرقية وتحديداً في الرقة وكذلك في ادلب وبعض مناطق الجبهة الجنوبية، والتي كان بعضها حرباً مرتبطة بحصار المواقع والمطارات منها بشكل اساسي.
في الخلاصة، لا بد من الإشارة الى ان تحولات كبيرة حصلت في آليات وتكتيكات الحرب المعتمدة في الجيش السوري على المستوى التقني العسكري، الّا ان الإستثمار الأساسي كان في نوعية المقاتل الذي استطاع ان يصمد ويتكيف مع متطلبات الميدان، والقيادة العسكرية التي استطاعت ان تتعاطى مع الضغوطات بالكثير من الصبر والحكمة وعدم التسرع وامتصاص الضربات والإستمرار في خلق الجو الملائم لتطوير العمليات بفهم دقيق ينطلق من تنسيق دائم مع الديبلوماسية السورية التي تدير حتى اللحظة المعركة في الجانب السياسي بتوجيهات حكيمة من القيادة العليا للجيش.
هذا الموضوع هو عناوين اساسية لمئات الدراسات وربما الآلاف التي ستؤرخ المرحلة وتتكلم فيها بالتفصيل عن تطورات وتقنيات قيادة وسيطرة وقتال، يبدو كذلك انها ستدرس في الكليات العسكرية عبر العالم.
*ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية).