هرول رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي «جوزيف دنفورد» إلي بغداد وأربيل، ليمنع أي طلب من بغداد بتدخل روسيا في ضرب داعش، وهو ما كانت مقدمته قد بدأت بتشكيل غرفة عمليات في بغداد، ضمت ممثلين لجيوش روسيا وإيران وسوريا والعراق، وخشيت أمريكا أن تفقد موطئ قدمها في بغداد، وتزيحها روسيا بعيدا عن التأثير في أهم أحداث تشهدها المنطقة في العصر الحديث، وتطيح بكل ما تبقي من المخطط الأمريكي المترنح.
رئيس الوزراء العراقي «العبادي» تحدث لرئيس الأركان الأمريكي من موقع القوة، ووضع أمامه عدة شروط حتي لا تستدعي الحكومة العراقية التدخل الروسي، وأهم المطالب العراقية (1) الإسراع بتسليم الأسلحة الأمريكية المتعاقد عليها منذ سنوات، والتي ماطالت أمريكا في تسليمها إلي الجيش العراقي، (2) وقف المحاولات الأمريكية لتدريب وتسليح جيش للسنة العراقيين، والذي قد يكون نواة لمخطط فصل شمال وغرب العراق، (3) التوقف عن الإعتراض علي مشاركة قوات الحشد الشعبي في المعارك ضد داعش في محافظتي الأنبار ونينوي، بدعوي أن أغلبيتهما من السنة، بينما أغلبية الحشد الشعبي من الشيعة.
كانت أصداء الزيارة المفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد مازالت تدوي، عندما كان كيري يحاول لملمة حلفائه في فينا، ليرتب مع وزيري خارجية السعودية وتركيا للقاء الوفد الروسي، والتنسيق معا لاحتواء نتائج التدخل الروسي، بعيدا عن التصريحات الخيالية، التي تلوح بالصدام العسكري مع روسيا، دون أن يعني ذلك ترك روسيا وحلفائها يعيدون رسم ملامح المنطقة، وعليهم تكثيف العمل الدبلوماسي للضغط علي روسيا، مع إثارة العراقيل العسكرية، من خلال دعم الجماعات الإرهابية بأسلحة أكثر تطورا، خاصة صواريخ تالو الأمريكية المضادة للدروع، لكي تبطئ أي نصر لروسيا وحلفائها.
بوتين أجري اتصالات بالعاهل السعودي والرئيس السيسي والعاهل الأردني والرئيس التركي ليطلعهم علي نتائج لقائه مع الرئيس السوري، ويطمئنهم أن المسار السياسي سوف ينطلق قريبا، داعيا إلي تضافر الجهود الدولية والإقليمية للتخلص من الجماعات الإرهابية، والتي يقول الجميع إنهم ضدها.
حشر بوتين خصومه في الزاوية، بين مطرقة الضربات العسكرية وسندان المبادرة السلمية، ولم يهتم كثيرا باشارات التهديد التي انطلقت من قطر والرياض بإمداد الجماعات المسلحة بأسلحة متطورة، وإن كان اكتفي بإشارات مررها مسئولون روس إلي أن السعودية محشورة في اليمن، ويمكن إمداد الجيش اليمني والحوثيين ببعض الأسلحة المتطورة، أما الدوحة فتوعدها نائب وزير الخارجية السوري برد موجع، وكان وزير الخارجية القطري قد طالب بعدم اعتبار تنظيم أحرار الشام المكون من مسلحين من جماعة الإخوان وعناصر موالية لتركيا بأنه منظمة إرهابية، وبالتالي لا ينطبق عليها حظر التسلح، وهو ما يتعارض مع التعريف الروسي الذي يصف كل من يحمل السلاح ضد سوريا بأنه إرهابي، وأن المعارضة المعتدلة هي غير المسلحة، والرافضة للإرهاب.
خطة بوتين للسلام تقوم علي الاتفاق علي التخلص من جميع الجماعات الإرهابية، مقابل تشكيل مجلس يضم مختلف الأطياف السياسية والعرقية والدينية في سوريا، وأن تشكل حكومة وحدة وطنية انتقالية، لها صلاحيات أوسع، مع بقاء الرئيس السوري، علي أن يجري وضع دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، يشارك فيها الرئيس الأسد، تحت رقابة دولية تضمن حيادها ونزاهتها.
تعتقد روسيا بصعوبة رفض مقترح بهذه الدرجة من الانفتاح والشراكة، فسيكون هناك دستور يمنح حقوقا لا يتمتع بها أي نظام عربي، وستشرف الأمم المتحدة علي الانتخابات، لكن أمريكا وتركيا وقطر والسعودية يعارضون المقترح، ويرون أن التخلص من الجماعات الإرهابية بضربات الجيش السوري المدعوم بالطيران الروسي سيجعل من بشار الأسد بطلا قوميا، بينما ستبدو المعارضة هزيلة، إذا ما تم التخلص من الجماعات المسلحة الموصومة بالإرهاب، وهذا يعني أن بوتين قد خدعهم، وأعاد بشار الأسد أقوي مما كان.
الإعلام الإسرائيلي كشف عن أن إسرائيل كانت حاضرة في المعارك الدائرة في سوريا، وأنها كانت تخطط لمشاركة أكثر وضوحا وعلنية لضرب كل من مسلحي حزب الله وإيران، مع تلميح إلي متابعة إدارة المعارك العسكرية للجماعات الإرهابية من تركيا، ومازال الخلاف متفاقما بين القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل حول حجم الدور العسكري الإسرائيلي في الحرب علي سوريا، ودعم الجماعات المسلحة، خاصة أنها تلقي تشجيعا من تركيا ودول عربية علي المشاركة الفعالة والعلنية في الحرب.
حلف الناتو أنهي أضخم مناوراته الإستعراضية قبالة الشواطئ السورية، في الوقت الذي أجرت فيه إيران مناورات لقوات التدخل السريع، وبوتين يلوح بتوسيع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ومن خلفه منظمة شنغهاي والتنين الصيني المراقب لما يجري عن كثب.
لقد تراجع خطر تقسيم سوريا والعراق كثيرا، وتقلصت <