الكاتب محمد محسن
أكاد أجزم أن تاريخ العالم بل وتاريخ المنطقه على وجه الخصوص ، ومنذ بذوغ فجر التاريخ ، أو منذ عرفت الكتابة ، كتب التاريخ من خلال نظرية أحادية الجانب عرجاء ، لأن الكاتب أو من اشتراه ليكتب ، لابد وأن يصورأو يدون الأحداث وفق أهواء ورغبات ومصالح القوة المسيطره . ووفق فهمه أيضاً ، ولذلك كان القول المتداول ـــ التاريخ يكتبه المسيطرون ـــ هو قول يمتلك كل الحقيقه والصحه ، فالمهزوم يتحمل وزر كل ما حدث ثم يلعن تاريخياً .
حتى درج أن الخليفة ، أو واحداً من أمرائه ، كان يطلب أو يأمر فقهاء البلاط المتكسبين ، أن يفسروا حتى الآيات القرآنية وفق أهوائه ورغباته ، ولذلك قال امير المؤمنين علي بن أبي طالب : " القرآن حمال أوجه " أي أن تفسيرالآيات القرآنية تخضع ، لمقدار وعي الشارح أو المفسر ، ولرغبة السلطان وما يؤمن له المشروعية ، ويعطيه الحق بالسيطرة ، وكما قال المفكر الكبير ادونيس : " لوفسر الجاهل الماركسية يُجهلها "
ليس هذا فحسب بل كان الخليفة أو الوالى ، يطلب من فقهاء القصور ، او يتطوعون من أنفسهم تزلفاً ، فيختلقون أحاديث ينسبونها للرسول الأعظم لم يقلها ترسخ سلطة الخليفة أو الوالي ، وكتب الحديث مزدحمة بمثل تلك الأحاديث الكاذبة ، التي تتناقض وغاية الإسلام وقيمه .
حتى وصل الأمر إلى أن الكثيرين من "الفقهاء أوما يسمون بالعلماء " قدموا شروحاً ومدونات وتفاسيراعتمدها أتباعهم كبديل عن النصوص القرآنية ، وإعتبار أن ما جاء بهذه المدونات من آراء فقهية بات هوالبديل المقدس ، فكما قال : ابن القيم الجوزيه ، أو ابن تيميه ، أو محمد بن عبد الوهاب ، وصولاً إلى قول شيخ الجامع عند بعض البسطاء ، هو القول القطع والنهائي ، ولا يجوزوضعه موضع المناقشة أو التساؤل . وإذا سأل سائل متمذهباًعن قضية دينية تتعلق بطقس من الطقوس ، يقول له : لقد أجاب شيخنا فلان عنها بكذا وكذا .
ولم يعد التابع لهذا المذهب يستشهد بالنص القرآني ، او بالحديث النبوي إلا لماماً ، وإن استشهد به يفسرالاية أو الحديث ، وفق المعاني التي رسختها في ذهنه الشروح أو المدونات التي كتبها فقيه المذهب ، أو التفاسير التي قالها شيخ الطريقة ، أو حتى واحداً من تلاميذه ، وبات ما يقوله الشيخ هو الحلال أو الحرام واتباعه ملزم قولاً وفعلاً ، وعدم الإلتزام به ، أو إهمال بعض القول ، يضع الإنسان في شك من أمره هل بات كافراً أو على الأقل مرتكباً .
وللمذهب أتباع بل وأتباع أتباع ، يتكاثرون حتى يوم الدين ، وكل قول يخالف قول الداعية صاحب المذهب هو قول باطل ، وقد تصل الأمور في بعض المذاهب ، إلى تكفير أتباع المذاهب الأخرى . والكافر يقتل ، كما كان عليه "ابن تيميه "، ومن لايقتل الكافر يقتل . وعليه بات الدين الواحد شيعاً وأحزاباً ، كل منها يحتكر الحقيقة والحق ، والمذهب الذي يمتلك الحقيقة والحق ، أتباعه وحدهم المؤمنون أهل الجنة التي عرضها السموات والأرض فيها مخلدون ، ولهم فيها أنهار من عسل ولبن مصفى ، ويتمتعون بالحور العين ، وجميع الأديان أو المذاهب الأخرى ، يُصلون في نار السعير خالدين فيها مخلدون .
هذه هي الأرضيه التي يستند إليها جميع الطائفيين والمتمذهبين ، من أي دين أو مذهب كان ، والتمذهب يعني الولاء بل والإيمان بأن مذهبه وحده يمتلك الحقيقة ، وهو الطريق الوحيد الموصول بالجنة وإلا لما تمذهب ، والتمذهب لأي مذهب ديني كان هو انحياز وتعصب لرأي فقهي محدد .
هذا القول ينسحب حتى على المتشدد الحزبي" الدوغمائي" لأيدولوجية فكرية أو سياسية ، هذا يقول قال الفيلسوف فلان ، وذاك يقول قال الشيخ أو الإمام فلان ، مع فارق أن التمذهب السياسي يبقى في حدود الإختلاف على مفاهيم وأفكار أرضية .
أما التمذهب الديني هوإيمان روحي سماوي ، يتعلق بمفهوم الجنة والنار ، ويوم الحساب ، والثواب والعقاب وأن المنتمين لهذا المذهب هم وحدهم المؤمنون . ويبدأ التكفير وتنتشر البغضاء ، لدرجة أن كل متمذهب لايصلي إلا وراء شيخه ، ولكل جامعه الذي يصلي فيه ، حتى أن جامع الأزهر له أكثر من محراب ، ولكل محراب إمامه ولكل إمام مصلين من مذهبه ، ولكل كتبه وتفاسيره ، التي قد تباعد بين الإبن وأبيه وبين الأخ وأخيه .
هل من أجل هذا جاءت الأديان ونزلت الكتب السماوية ؟ ونزل الأنبياء والرسل ، لتشيع روح العداء حد القتل ؟ أم جاءت لتضع شرائع وأحكاماً تحرم قتل الإنسان لأخيه الإنسان ، الذي كان حال الأولين ؟ وتبث روح المحبة الإنسانية بين الناس ، روح التعاون والتآلف ، وتنقل البشرية من شرعة الغابة إلى شرعة التوادد والتصافي .
من الذي أوصل الأديان والمذاهب إلى هذا الدرك ؟ أليس تساؤلاً مشروعاً ؟ ألم تُعدنا بعض المذاهب والتفسيرات إلى قانون الغابة ؟ ـــ أكبر مثال داعش وأخواتها ـــ أليس الذين يؤمنون بهذه المذاهب مذاهب القتل وكراهية الآخر وتكفيره ومن ثم قتله ، هي المسؤولة عما جرى البارحة وقبلها ، ويجري في عالمنا اليوم وغداً ؟
… أليست مفارقة أن من يدعي خدمة الدين ــ خادم الحرمين ــ أومن يدعوا احتكار الإسلام ــ التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ــ، هم من أشاعوا واستسهلوا روح القتل للمختلف ، ؟ منذ محاولة اغتيال عبد الناصر ، وصولاً إلى ما حدث في أول الثمانينات من القرن الماضي في سوريا هم إخوان الشياطين .
لقد سمعت شيخ الكعبة يدعوا" للمجاهدين" في سوريا بالنصر ، ويدعوهم لقتل النصارى والرافضه ، وكل من يعترض مسعاهم ، ألم تسمعوا شيوخ الفتنة " القرضاوي ، العرعور، العريفي شيخ جهاد النكاح " وأأمة مساجد لبنان ؟
يسعرون الحرب لأنهم لم يرتووا بعد من دماء السوريين لأن الكافر يقتل ، يأخذون بايديهم مهمة الملاك رضوان حارس الجنة ، بل مهمة الله عز وجل .
…المحدده بالآية الكريمة ــ سورة الحج الآيه 16ـــ "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد "
… فماذا نحن فاعلون ، مادام التمذهب هوديدن الناس ودينهم ، سيبقى العداء حد القتل هو الفيصل ، ومادامت أنظمة التكفير في السعودية ، وأخوان الشياطين يتحكمون بالعالم الإسلامي ، سيبقى التمذهب والتكفير والإرهاب سيد الموقف .
……..
فهل سيهزمون ؟ نعم سيهزمون هم وأنظمتهم وتنظيماتهم
..الطائفي المتمذهب لايرى من الفكر الإنساني ، من إفلاطون مروراً بابن رشد وصولاً إلى ماركس ، إلا من خرم ابرة ، كان شيخه قد لقنه إياه حرفاً حرفاً ، وفق قوالب محدده " لاتعمل كذا ، وكذا حلال " وشيخه كان قد اخذ عن شيخه ، هذا القول الموضوع في قالب جامد منذ قرون لايزيد ولا ينقص ، هو الحقيقة المطلقه التي لامراء فيها وغير قابلة لاللتغيير ولا للتبديل ، وهي المفروشة على طريق الجنه ، من سار عليها ونهج نهجها له السموات العلى ، مبشر بالجنه وفيها خالداً مخلداً ، ومن لايتبناها من كل العالم هوفي الدرك الأسفل .
تُحدث مهندساً ، أو طبيباً ، او محامٍ ، تشعر أنك أمام شيخ من القرون الوسطى ، عباراته قادمه من عمق عصور الظلام ، يحدثك كيف يجب أن تدخل إلى دورة المياه ، ويحاول اقناعك أن من يحج إلى بيت الله ، يعود كما ولدته أمه ، وعندما تقول والموبقات التي ارتكبها ، يجيبك الله يغفرها ، تجيبه اليس في هذا الفهم تشجيع على ارتكاب الجرائم ما دام الحج يزيلها ؟ يتبرم من قولك ويقول في سره دع هذا الكافر يرغي .
تسأله عن الطوائف الأخرى ومصيرها في الآخره ، يجيبك إذا حرضته على الكلام ، أو استفززته ، فيجيب بعصبية كل من لايتبع هذاالمذهب هو كافر ، "والعياذ بالله " ــ طيب حلحلها شوي ــ ليس بيدي إنها بيد الخالق ، تداوره بالقول اليس الخالق غفور رحيم ، ألسنا كلنا عيال الله ، ألم نخلق من أم واحده كما يقول القرآن الكريم ؟
هل سمعتم أمين عام الحزب الشيوعي ــ رياض الترك ، أوالمحامي هيثم المالح ، أوالدكتورفيصل القاسم ، هل قرأتم للدكتور جلال صادق العظم ، لغليون ، للبحره ، للبواني ، وغيرهم ـــ ألم نكن نصنفهم بين المثقفين ، وبعضهم من المفكرين ؟ لقد سقطوا في وحل الطائفية ، في مستنقع الفكر والسلوك الذي مارسه وطبقه قروناً ، المماليك المتوحشون عندما سيطروا على سوريا ، واستمربأكثر وحشية في عهود الظلام العثمانية .
هل نستطيع الآن أن نطبق القاعده الذهبية " الطائفي غير مثقف ولو حمل أثقالاً من شهادات جامعة السوربون ، أو الجامعه الأمريكيه ،ـــ ونؤكد بالمفهوم المقابل أنه لايمكن لأي مثقف أن يكون طائفياً ، لأن العلوم التي استحصل عليها ، يجب أن تؤهله لأن يطل على ثقافات العالم ، التي تخرجه من قوقعة الطائفة أو المذهب الذي وجد نفسه فيه ــ فأهله يمسحانه ، أو يؤسلمانه ، أو يهودانه ـــ ويأخذ من أديان العالم وفلسفاته ما يرفعه إلى المستوى الذي يرتقي فيه إلى مرتبة الإنسان ، أي أنسان ، ويكون المعيار الذي يحدد موقفه من الشخص الآخر هو سلوكه وليس دينه .
……………………إذن كل طائفي غير مثقف ، وكل مثقف غير طائفي ………
ما دام المتمذهب ، مغلق على طائفته ، ومن ثم مذهبه ، ويرى الآخر إما كافراً أومرتكباً ، فهذا الإنغلاق يقوده إلى التقوقع على أبناء مذهبه ، ومن ثم طائفته ، وهذا الفهم يقوده إلى سلوك بعض النفور ، أو الإبتعاد ، عن أبناء وطنه الآخرين الذين ينتمون ألى طوائف أخرى ، أو حتى مذاهب أخرى ، ولا يقيم أي علاقات إجتماعية مع الآخر ، لازيارات ولا علاقات ، حتى ولا صداقات ، بل يبقى في خندق التعصب ، ولا يرى الناس من حوله إلا من كوته الصغيرة ، من خرم الإبرة ، وتبقى نظرته إلى مجتمعه على أنه عباره عن كتل إجتماعية غير متجانسة . بل أحياناً متباعدة حد العداء ، ولا تعرف الوحدة الوطنية عنده موقعاً .
…………………………..وبالتالي كل طائفي غير وطني ………………
المذهبية والطائفية ليست بنت اليوم ، بل هي منقولة لنا من عشرات القرون ـــ ولن نذكر الناس بالكيفية التي كان المماليك والعثمانيين يتعاملون فيها مع أبناء ومذاهب الطوائف الأخرى ، لأننا ندعوا لقلع الطائفية لالتأكيدها ـــ
حتى جاء ابراهيم باشا من مصر ، وحاول انهاء ذاك التمييز العنصري البغيض ، حتى أن تلك الطائفية وهذه المذهبية مددت بعمرالسلطنة العثمانية ، تحت مفهوم الدين الواحد بل والمذهب الواحد ، رغم كل عهود الظلام العثمانية ، وهذا ما سعى لتابيده التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، سابقاً ويسعى إليه الآن بزعامة السلطان العثماني أردوغان .
حتى أن الإنكليزوالإفرنسيين كانوا يرسلون في العهد العثماني ، الجواسيس والعملاء تحت مسمى ــ باحثين ، ومستشرقين ، لدراسة مكونات المجتمعات العربية ، الطائفية ، والمذهبية ، والقومية ، ويضعوا الدراسات المطولة من أجل ذلك ، حتى يسهل إثارة تلك التناقضات التي يتم تحويلها إلى صراعات ، عند ما تقتضي الحاجة ، كما نحن عليه الآن
وعليه كانت الطائفية في الحرب القذرة الدائرة الآن في بلادنا هي السلاح الأمضى ـــ مع الأسف ــ حيث أخذت في طريقها الجهلة والسذج ، وأوصلتهم حد الإيمان بأنهم يقتلون ويُقتلون من أجل نصرة حقوق الله ، وبأن الجنة مسواهم .وتم ذلك بقيادة خادم الحرم ، الذي نسي الحرم الآخر ، وحزب الإخوان الذي يدعي الملكية الحصرية للإسلام .
….. لاتقدم ولا تطور إلا بنسف الفكر الطائفي ، وإحلال قيم الوطنية محله ………