عماد جبور – بيروت برس –
بعيدًا عن "زعرنة" الملفات الاقليمية، همس لي احد المخضرمين بالاقتصاد الدولي قائلًا: بماذا تقدر حجم العقوبات الروسية على تركيا؟ قلت: عدة مليارات ولكن لا يمكن وضع رقم حقيقي إلّا بعد دراسة بحثية. قال: سأضع لك رقمًا تقديريًا يبدأ من الـ100 مليار التي وضعها بوتين منذ سنة كمشاريع تبدأ من خط الغاز وتنتهي بالمشاريع المشتركة بشقيها الزراعي والصناعي، والتي قد ترفع المبلغ الى 300 مليار دولار، عمومًا ليس هذا سؤالي أو طرحي، ولكن برأيك من سيعوض على تركيا هذه الصدمة المالية التي قد تجعلها تفقد توازنها الاقتصادي، وهل هذه العقوبات تؤثر على تركيا لوحدها ام أنّ روسيا ستتأثر أيضًا، ومن هي الجهة التي دفعت تركيا للقفز في المجهول، ان لم تكن وعدتها بتعويض الخسارة الاقتصادية المتوقعة، وبالمقابل هل ستكتفي ايران بالحلف العسكري مع روسيا ام انها ستؤازرها بالعقوبات على تركيا لتشد الطوق القاتل حول رقبتها، وخاصةً ان الدفق الغازي الايراني إن توقف سيجعل اسطنبول تعيش في الظلام..؟
أجبته: في العمق، جميعنا نعلم ان الاستثمارات الاسرائيلية في تركيا كبيرة جدًا، وخاصةً في قطاع السدود المائية والزراعة والتسويق الزراعي، وهذا ما تعوّل عليه "اسرائيل" في غزو السوق الروسي والاوروبي وحتى الخليجي بالمنتوجات، فمثلًا مشروع سد الغاب واراضيه المستصلحة في غرب ووسط تركيا تسيطر عليها "اسرائيل" بنسبة تصل الى 40%، لهذا قد تستطيع تركيا تعويض جزء من خسائرها من خلال دعم الاتحاد الاوروبي والخليج، ولكن لا نستطيع الحكم ان كانت امريكا ستتكفل بالباقي لأن الوضع الاقتصادي الامريكي يمر على حد السيف الصيني، اما روسيا فستتكفل دول شنغهاي بتعويض خسائرها بنقلة نوعية في تسويق غازها ونفطها، لهذا ارى ان تركيا وقعت في فك القاتل الاقتصادي المستحدث لدول البريكس، وخاصةً أنّ المحفظة المالية الخليجية اصبحت بعد استهلاكها من قبل امريكا على حافة اعلان صفارات الانذار الحمراء.
قال: ولكنك لم تقل لي من دفع تركيا لتقفز في المجهول، قلت: برأيي، بعد ان نجح اصحاب نظرية الفرات والنيل بالسيطرة على منابع النيل وبناء سد النهضة في اثيوبيا، وسد اتاتورك والغاب في تركيا، وبعد ان استخدموا الوحش الجهادي بزعامة تنظيم الاخوان التي تشكل تركيا جزءًا منه، قرروا ان يكملوا تفتيت الجغرافيا كما حدث في العالم العربي، لأن داء العظمه التركي تضخم الى حد المرض، وان لم يتم السيطرة عليه سيصبح وحش خارج عن السيطرة، لهذا قد نرى نتيجة ذلك ولادة دولة كردية وحتى دول اخرى من صلب العقل والمخطط الصهيوني.
قال: وسوريا.. قلت: هم الآن يسعون الى تغيير رأس الهرم فيها من اجل تغيير عقيدتها، وهذا ما يحدث في فيينا، وان فشلوا فسيسعون للتقسيم على الطريقة الكورية، وان فشلوا ايضا فسيشنون حربًا مباشرة بأسلوب الحرب بالوكالة، وطبعًا سيضطرون حينها الى وقف حرب قعر الهاوية لأن الكون سيكون يحبس انفاسه.
قال: وهل ستبقى روسيا حليفًا داعمًا اذا كانت المواجهة مع الفكر الصهيوني وقوته الضاربة؟ قلت: بمعزل عن حرب اباطرة المال التي قادتها روسيا ضد اليهود الذين اسهموا في اسقاط الاتحاد السوفييتي وفروا بعدها الى "اسرائيل"، وبمعزل عن العقيدة الدينية التي ساهمت الصهيونية بضربها في عدة مراحل، فإنّ موسكو مجبرة على الدفاع عن امنها القومي، ولن تنسى أنّ اليهود طرقوا ابواب موسكو من خلال جورجيا واوكرانيا، وارادوا انهاء وجودها في المتوسط. ياصاحبي، لقد كان هتلر على ابواب موسكو حين اتخذ الروس قرار هزيمة المانيا.انا لا أكبر من حجمهم، ولكنني اعلم ان الجيل الجديد الذي اوصل بوتين للرئاسة لن ينسى انهيار امبراطوريته وهو يسعى ليعيدها، وهو يعلم ايضا ان التاريخ لا يكتب الا للحقائق، لأنه قد ولى عهد الاساطير حتى ولو كانت على قمة الهيكل.
(الكاتب على فايسبوك Emad Jabbour )