تراثنا ذاكرتنا الزمن السعيد وحكايا الجدات بيوت متلاصقة جدرانها مبنية بالحجارة العادية وغير المتناسقة..مطلية بالطين من الداخل والخارج لتخفي الثغرات القائمة فيها…سقف المنزل يعلوا عن الأرض حوالي ئلاثة امتار وهو من أخشاب تعلوها طبقة سميكة من التراب ويستند الى أعمدة خشبية ضخمة في وسطه (الساموك) وهي كثيرا" ما تكون متكئا" للجالسين حولها وللبيت باب خارجي واحد ووحيد وابواب داخلية متعددة, وهو على الغالب بدون نوافذ وفوق عتبة الباب الخارجي الوحيد كان هناك طاقتان يعيش فيها طائر الحمام..للدلالة على الأمن والسلام الأبواب مصنوعة بشكل يدوي ومن خشب عادي تغلق برتاج خشبي يدخل في كوة عميقة بالحائط وهي لا تمنع يدا"من التسلل تحتها أو فوقها أو أحد جوانبها…فكيف تمنع ريحا" تهب أو هواء يتسرب…………وفوق كل سطح كان ثمة مدحاة (معرجليني) لدحوه ايام الشتاء .نعم كانت حياة الأجداد سعيدة حقا" لبساطتها وعفويتها وتلقائية العلاقات بين أفرادها. وهي لاتعرف التعقيد ولا الكذب ولا التحاسد ولا المزاحمة على الثروة يقضون نهارهم يعملون ويمضون ليلهم يسهرون ويضحكون ثم ينامون ويحلمون بموسم غلال وفير وبالعناقيد الشهاءة والزبيب….يتطلعون الى الغيمة ويحلمون بالمطر يروي زروعهم ويملأ ضروعهم….كل حياتهم أحلام معسولة وامال قد لاتتحقق…حياتهم تشاركية أقتضتها طبيعة الحياة..اشتراكيون..ولم يسمعوا في حياتهم بأسماءلينين وماركس وانجلز أو غيرهم…. وأمام كل منزل كانت تنتصب شجرة توت عملاقة يتفيأ الأجداد ظلالها وتربي الجدات دودة القز على اوراقها في أمسيات الشتاء الطويلة كان الصغار والكبار في شوق لسماع الحكايا من الجدات :ومن منا لا يفتقد تلك الأصوات المنبعثة من الماضي بكلمات في طعم الحليب الدافئ السائل على فم الرضيع ، من منا لا يفتقد تلك الحكايات التي بطعم أول شعاع ضوء الفجر المتسلل عبر العتمة ،حيث تدغدغ الأحلام و تمارس حقها في السكن الجميل داخل المخيلة المتيقظة في عز النوم ، من لا يحس بالحاجة الى تنفس رائحة التراب و الحقول المغمورة بالندى و بشعر السنابل عبر لغة الحكاية و هو ينتقل من بلاد الى بلاد الى بلاد حتى يصل الى بلاد الأحلام حيث الأنانية والجشع لا مستقبل لهما ، من منا لا تعجزه الحياة بسرعتها و صخبها و يحتاج إلى محطة استراحة في فضاء الحلم فيفزع من عنف التخييل في ما يقدم من أفلام تحفل بالألم و تربي العنف و الغيرة و الحسد والمنافسة على كل شيء .. .. لم تكن الجدة مجرد امرأة مسنة ذات تجربة ، كانت مؤسسة تربوية و اجتماعية قائمة الذات ، فهي مربية و معلمة و مسلية ومساعدة اجتماعية للأسرة تساعدها عل تجاوز الكثير من المشاكل ، و أهم شيء تربية الأبناء على القيم الإنسانية من الاحترام و الصدق و العمل .. هي تحفظ الحكايات و الألغاز و الأمثال و الحكم و حتى وصفات الطب الشعبي ، و في صوتها من تموجات الجبل و النهر و البحر و السهول الممتدة إلى السماء ، و تحت أضواء الفوانيس الخافتة كم نام على ركبتيها من أطفال بين أغطية الصوف الباردة وحتى من جوعهم حيث أشبعتهم الحكاية والعبرة منها فاستسلموا لصوت الحكاية الآتي من بعيد من زمن الكان يا ما كان .
أصبحت الجدات الآن مجرد ذكرى ، و لم يبق من تجاعيدهن الجميلة التي حاكتها الطبيعة و تجربة السنين و لم يفكرن في إزالتها يوما ،ولا من أصواتهن المليء بالحنين شيئا إلا اللمام . أصبحن يغالبن تغيرات الزمان بدون رعاية صحية أو اجتماعية شاملة، وغالبا ما هن بأمس الحاجة بعد تراخي الروابط الأسرية ، و أصبح بعض النساء في سن الجدات لا يعرفن شيئا من تلك الحكايات أو الأمثال ، أصبحن بدون ثقافة و قد غسلت أذهانهن بما يشاهدنه من أفلام و مسلسلات مطولة يستمدن منها ثقافتهن الجديدة وقيمهن المعاصرة .. انتهى عصر الجدات الحنونات و الصوت الدافئ ليحل صوت ، صوت الربح و المادة ، و دبر راسك ، وتفكك الأسر و تفضيل العيش الفردي على العيش الجماعي وتعويض الأطفال بالحيوانات الأليفة ..كالقطط و الكلاب و غيرها ولعل أشهر الحكايا التي كانت مواضيع الأهتمام هي قصة الغولة وقصة الحمامة والجقل والدويك وقصة الكر المقرقع والجقل بو حمود وتبدأ كل قصة بالقول: كان يامكان يا مستمعين الكلام.. منحكي ولا منام….يرد الجميع بصوت واحد: منحكي …………………………..بيوم من الإ يام كان فيه ياسيدي ملا هنتوا …الخ .يقول شاعر قريتي وقد استبد به الحنين الى مرابع الولدنة والصبا :أعدني إلى قريتي……….وأعد لي بيتي….وأرضي وكرم الدوالي هنالك يأتي المساء…نديا" جليلا" وحين تجوع القرى….يجيئ إله البراري بزوادة الجوع…..للفقراء أعدني أعد جدتي….تدهن الخبز بالزيت لي …في الصباح وحطابة الشير….ترافقنا بالعتابا
نبيل عجمية . بيت ياشوط