عمر معربوني – بيروت برس –
حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، هناك من يسمّون الإرهابيين بالثوار وما يحصل في سوريا ثورة، متجاهلين كل الحقائق والوقائع والسياق المرتبط بعشرات السنوات من المؤامرات والخطط لتقسيم المنطقة وتفتيتها تحت مسميات عديدة، كان آخرها "الربيع العربي" الذي لا يزال يفرّخ الجماعات تباعًا ويُنتج أبشع انواع التوحش.
في مقالٍ سابقٍ استعرضنا المراحل التي مرّت بها المنطقة، منذ حركة الضباط الأحرار مرورًا بمخطط كيسينجر، وتحييد مصر، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتوريط العراق في حرب الثماني سنوات ضد ايران، وسقوط بغداد، وإملاءات كولن باول ورفض الرئيس الأسد لها وما نتج عنه من قانون محاسبة سوريا في الكونغرس الأميركي، والقرار 1559، واغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، وعدوان الـ2006 على لبنان وعدوان 2008 – 2009 على غزة، وما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، وإطلاق الربيع العربي المشؤوم، وصولًا الى اعلان الحرب على سوريا تحت مسمى الثورة على الطغيان والإستبداد.
اعلان الحرب على سوريا كان يُراد له ان يعطي نتائجه بشكلٍ سريع، بعد استنساخ النموذج الليبي بتعديلات تتلاءم مع الواقع السوري.
السيناريو الليبي نفسه، انطلاقًا من مناطق الحدود الى القلب، وكلنا نتذكر ما حصل في درعا على الحدود مع الاردن وتل كلخ على الحدود مع لبنان وجسر الشغور على الحدود مع تركيا، وطبعًا نمط "الجمعة" واستغلالها كتجمع بشري طبيعي وجر الأمن والجيش للمواجهة، والدور الإعلامي الذي لعبته الفضائيات بالتعاون مع من يُسمَّوْن حتى اللحظة بالناشطين الإعلاميين، الذين تلقى اغلبهم دورات سابقة وتم تدريبهم على انماط معينة من اعلام البروباغندا والتجييش والفبركة.
دمشق هي الهدف الأول، ومن اجل اسقاطها وضعت حتى اللحظة عشرات الخطط التي انكسرت عند اسوارها كما انكسرت عبر التاريخ امبراطوريات كبرى.
اما لماذا لم تسقط دمشق، بل هي تستعد هذه الأيام وفي المرحلة القادمة للخروج من دائرة الخطر بشكل نهائي، فهو سؤال الجواب عليه في الميدان الذي بدأت خرائط السيطرة فيه تذهب باتجاه التحول الإستراتيجي لنصر حاسم وناجز.
في الجانب السياسي، كان لوضوح الرؤية لدى القيادة السورية ولموقف الأصدقاء في ايران وروسيا والصين دور حاسم في الثبات من خلال الدعم السياسي، والذي وصل بالصين وروسيا حدود استعمال حق النقض "الفيتو" مستفيدتين من الخطأ الذي وقعتا فيه في ليبيا، بالإضافة الى الدعم اللامحدود من إيران سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
عاملٌ آخر وهو من أهم عوامل التحول في الميدان، هو اشتراك المقاومة اللبنانية في العمليات الدفاعية عن العاصمة وفي منطقة القصير والقلمون لاحقًا، والتي اسفرت عن اغلاق الحدود اللبنانية السورية بشكل شبه كامل.
اما لماذا شكّل دخول المقاومة العامل الأهم، فلأنّ المخطط الأكثر خطورة على دمشق كان يتمثل بالخطة الرابعة "ربط القلمون بحرمون"، وهي جغرافيا الحدود بين لبنان وسوريا.
اليوم، يخرج من الزبداني جرحى الجماعات الإرهابية ورفاقهم لا زالوا داخل الطوق، في أول مدينة سيطرت عليها الجماعات الإرهابية لتشكل نقطة الإرتكاز والتوزيع الأساسية في خطة التقدم الى دمشق وحصارها تمهيدًا لإسقاطها.
ربط القلمون بحرمون كان هدفًا أساسيًا لمخططي الحرب على سوريا من خلال السيطرة على الحدود مع لبنان ابتداءً من تل كلخ مقابل عكار، مرورًا بالقصير مقابل الهرمل، وصولًا الى الزبداني على مشارف حوض دمشق ومنطقة الحدود اللبنانية السورية عند بوابة المصنع، وبالطبع التحضير لجعل عرسال قاعدة الربط اللوجستي الأساسية لهذه المناطق الهامة.
هدف أساسي آخر كان السيطرة على حمص لتقطيع اوصال المناطق السورية، ومن ثم السيطرة على طريق دمشق حمص بعد السيطرة على مناطق واسعة في القلمون بلدات وجرود.
بالتوازي، تمّ إطلاق معارك كبيرة بالقرب من دمشق بعد تفجير مكتب الأمن القومي في داريا والمعضمية، وكذلك في الغوطة الشرقية ومحاولة السيطرة على قطنا وجديدة عرطوز، وكلها مناطق قريبة من طريق بيروت دمشق في منطقة حوض دمشق، بهدف السيطرة على منطقة الحوض وربطها بمناطق الجولان.
هذه العمليات التي انطلقت كانت أيضًا بالتوازي مع عمليات كبيرة في الجنوب السوري وفي الغوطة الشرقية، بهدف السيطرة على مطار دمشق وعزلها عن العالم نهائيًا.
وكما توقعنا بعد تحرير يبرود، والتي كانت برأيي نقطة التحول الإستراتيجي الكبرى، حيث تمّ تحرير القلمون باستثناء بعض التلال القريبة من تلال الزمراني في عرسال ومدينة الزبداني المحاصرة، أن تنطلق العمليات في داريا والغوطة الشرقية، وهو ما يحصل فعلًا من خلال فصل المعضمية عن داريا والسيطرة على مرج السلطان والتي ستنطلق منها هجمات متعددة في اكثر من اتجاه اذا لم تجدِ مساعي المصالحة.
في الختام، لم تسقط دمشق كما أرادوا ولن تسقط، فالقيادة العسكرية السورية التي كانت منذ البداية تُدرك مضمون المخططات واستطاعت ان تضع اولويات مهامها والخطط اللاحقة، والتي تمثلت بإبقاء السيطرة على منفذ الحدود مع لبنان وعلى كامل منطقة الحوض بهوامش جغرافية تمنع الإرهابيين من الوصول اليه، والسيطرة أيضًا على المطار ومحيطه لمنع عزل دمشق عن العالم، إضافةً الى إبقاء السيطرة على الطريق الواصل بين دمشق – حمص – اللاذقية لتأمين التواصل بين الوحدات العسكرية وتأمين حاجات المواطن الحياتية من التموين والمحروقات ولو بوتائر اقل واخف من مرحلة ما قبل الحرب إلّا انها تتناسب مع مرحلة الحرب.
*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.بيروت برس