بقلم: أسامة عكنان – الأردن
لا يوجد صاحب مشروع سياسي يتخاصم مع أيِّ دين ويعاديه ويحاربه لذاته وبصفته ذلك الدين حتى لو كان يكرهه ويمقته ويحتقره ويحتقر أَتْباعَه، وإنما هو يتخاصم مع مشروع سياسي مقابل يتناقض مع مشروعه، فيعاديه ويعادي حملته من ثمَّ، بسبب انطوائه على ما يتعارض من وجهة نظره مع تنظيم الحياة والمجتمع والعلاقات الإنسانية في السياسة والاقتصاد وغيرهما بالشكل الذي يريده هو عبر مشروعه ذاك، الأمر الذي يراه يتهدَّد منظومات المصالح التي يُكَرِّسُها هذا المشروع وتلك التي يتبناها ويتولى الدفاع عنها، فيتخندق ضده من هذه المنطلقات.
أما من يخاصمُ دينا معينا لذاته ويعاديه ويحارب أتباعَه بوصفهم أتباعَه، فهو لا يحمل مشروعا سياسيا، وإنما يتقمَّص معتقداتٍ عنصريةً استعلائيةً ليس إلا، ولا يمكنه من ثمَّ أن يكون صاحبَ مبادرة وفعل سياسيين تحت أيِّ ظرف مهما تظاهر بذلك وادعاه ليغطي على عنصريته وعلى استعلائه المُفَرَّغين من أيِّ مضمون سياسي.
فإذا وجدتَ حملةَ المشاريع السياسية يتخاصمون ويتعادون ويتحاربون، ثم وجدت مع ذلك حضورا للدين بهذا الشكل أو بذاك في معاركهم وميادين احترابهم، فاعلم يقينا بأن الدين إنما حضرَ – أو بتعبيرٍ أدق اسْتُحْضِرَ – لمنحِ الشرعيات والتبريرات والمُسَوِّغات لذلك الاحتراب على هذا النحو أو على ذاك لهذا السبب أو لذاك، وليس لغير ذلك.
أي وبمعنى من المعاني إنما هو حاضرٌ حضورَ، أو أنه مُسْتَحْضَرٌ استحضارَ، من يتمُّ استخدامُه من قِبَلِ من أرادوا "توظيف المقدَّس في السياسة"، لأن أتباعَ دينٍ معين عندما يتخاصمون سياسيا مع طرفٍ ما ويكون هذا الطرف في الوقت ذاته مختلفا عنهم إما في الدين أو في مذهبٍ من نفس الدين، فإنهم إن كانوا سياسيين حقيقيين لا يمكنهم استخدامَ الدين على هذا النحو الرخيص لتحقيق مآربهم السياسية، بل هم يرتقون في خصومتهم تلك إلى مستوى الإبقاء عليها سياسية مبعدين إياها عن أيِّ تجاذبات دينية أو مذهبية، لأن مثل هذه التجاذبات قاتلة ومدمرة ومُزَيِّفَة للحقيقة، ومُسْتَثْمِرة للمقدس وهو الدين، فيما ليس مقدسا وهو السياسة، وليست هناك جريمة أكبر من توظيف المقدس والمتاجرة به لمكسب سياسي أبعد ما يكون عن القداسة.
انطلاقاً من هذه "الرؤية القاعدة"، فإننا لا نعتقد بوجود سياسي في العالم يعادينا ويحاربنا نحن المسلمون، فقط لأننا مسلمون، وفقط لأنه يريد أن يهدمَ الإسلام، وفقط لأنه لا يريدنا أن نبقى مسلمين، وفقط لأنه يريدنا أن نتحلَّل من الإسلام ونتخلى عنه، وفقط لأنه يكره الإسلام ويحقد على أتباعه.. إلخ، حتى لو كان بينه وبين نفسه يتمنى ألا نكون مسلمين أو أن نرتد عنه ونتبع ديانته هو، أي أنه لا يوجد قوة في العالم تحمل مشروعا سياسيا ينطوي في تفاصيله على بندٍ يتحدث عن أن هدفه هو محاربة الإسلام، ومحاربة المسلمن في دينهم، لا علنا ولا ضمنا، لا شكلا ولا مضمونا.
تماما كما أننا نحن المسلمون وفي أيِّ مشروع سياسي نحمله، ونعادي على أساسه من نعاديه، ونختصم في ضوء مُكَوِّناته مع من نختصم معه، لا يمكننا أن نربط مشروعنا السياسي هذا باعتناق الإسلام أو بالتبعية له أو الولاء لتصوراته، ولا أن نعادي دينا أو أن نختصمَ مع مذهب تحت أيِّ ظرف، بوصف تلك المعاداة وتلك المخاصمة من مكونات مشروعنا السياسي التي لا يتم هذا المشروع إلا بها، أو أن نعملَ على تغييب أي دين من الحياة أو فرض التخلي عنه على أتباعه، لمجرد أنه لا يروق لنا، أو لمجرد أننا نعتبره على غير الصواب أو على الضلال من وجهة نظرنا.. إلخ، حتى لو كنا نتمنى أن يتخلى عنه كل أتباعه وينخرطوا في الإسلام. فأي مشاريع للحوارات الدينية أو الفلسفية هي حوارات دعوية لا مكان لها في المشاريع السياسية. أي أن أي سياسي لا يجد نفسه مضطرا لأن يبدأ حواراته السياسية بحسم قضايا دينية، فهذه المسائل خارج نطاق الحوارات السياسية أصلا.
وإن وُجِدَ من يتبنى مثل هذه الأهداف فهو ليس سياسيا ولا يحمل مشروعا سياسيا، وليس أكثر من عنصري غوغائي لا أهمية له في صناعة سيرورة التاريخ السياسي للإنسانية، وعلينا من ثمَّ التعاملَ معه على هذا الأساس وليس على أيِّ أساس سياسي.
فنحن لا نستطيع أن ننكرَ وجود من ليسوا سياسيين ولا حملة مشاريع سياسية – كما أسلفنا – يمثلون مجموعة من الحاقدين والعنصريين والاستعلائيين الذين يختبئون وراء السياسة لتمرير أحقادهم تلك، تماما – أيضا – مثل ما هو موجود لدينا، حيث لا تخلو ساحتنا السياسية العربية من مجموعات حاقدة على الآخرين وشديدة الاستعلاء عليهم من منطلقات أفهام دينية منحرفة لديهم، فيختبئون وراء السياسة لتمرير مشاريع الحقد والاستعلاء والعنصرية تلك.
ومن ثم فإننا معنيون في سياق ما يحدث في أوطاننا في ضوء حالة الاستهداف المُلْفِتَة التي نعاني منها، أن نبحث عن أسباب ذلك خارج نطاق المقولات الاستعلائية التقليدية التي تختزل الأمر في إرجاعه إلى معاداة الإسلام ومعاداة المسلمين.. إلخ. فعندما نود التحدث في السياسة وفهم الأوضاع السياسية، فإن علينا استحضار أدوات السياسة فهما وفعلا وتعاملا.
وعلينا أن نبحث بالتالي عن الأسباب الحقيقية لحضور "الدين الإسلامي" في قلب هذه المعارك الدائرة، سواء لدى هذا الطرف أو ذاك، وسواء بهذا الشكل أو بذاك، وسواء لهذه الغاية أو لتلك، من خارج الفكرة العقيمة وغير الصحيحة التي أشرنا إليها أعلاه، والتي هي "استهداف الإسلام بذاته ولذاته"، لنتعرف من ثمَّ على من يستخدمونه، وكيف يستخدمونه، ولماذا يستخدمونه.
وعندما تؤول مسألة الصراع الدائر حاليا والممتد منذ عشرات السنين في بلادنا العربية، إلى هذه النتيجة المتحرِّرَة من تَوَهُّم استهداف الإسلام لذاته وبذاته، فإننا لن نجد مكانا نبحث فيه عن أسباب تلك الصراعات والتناقضات والاستهدافات.. إلخ، إلا "الاقتصاد"، و"الجيوسياسة"، و"إنتاج التاريخ بأشكال جديدة"، و"البناء المجتمعي".. إلخ، في ضوء تطورات المصالح الإستراتيجية للمتصارعين والمتحاربين من زمان لآخر.
عندئذٍ، وعندئذٍ فقط سيصبح من اليسير علينا أن نفهم الأسباب العميقة لحضور "الدين" بأيٍّ من أشكالِ الحضور، ولدى أيٍّ من المتصارعين في المعارك الدائرة. وعندها فقط ستتضِحُ لدينا كلُّ معادلات "استخدام الدين"، وكلُّ متراجِحات "توظيف المقدَّس" بدون غموضٍ أو لبس.
وإذن فلماذا تدور في وطننا العربي، كل هذه المعارك الطاحنة، والصراعات الدامية التي لا تبدو لها في الأفق نهاية واضحة أو قريبة، بشكل يحقق الاستقرار في الإقليم على نحوٍ يحيى به أصحابه بشكل مختلف، ليسهموا بشكل متساوق وفعال في الحضارة الإنسانية المعاصرة وفي مساراتها القادمة؟!
إن الإجابة على هذا السؤال في ضوء حيثيات التحليل الذي قدمناه أعلاه، هي عملية معقدة وشائكة وطويلة ومتشابكة بشكل غير عادي في النسق البحثي التحليلي التاريخي الإستراتيجي الاقتصادي السياسي، ولكنها تُخْتَزَل في نهاية المطاف في مجموعة العناوين الرئيسة التالية:
أولا: في سياق التعاطي مع المسألة التي كانت تعرف في أدبيات الأوربيين بالمسألة الشرقية التي قامت على استهداف الرجل المريض للقضاء عليه وإخراجه من دائرة القوة العالمية الفاعلة، جاءت اللعبة البريطانية في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر، ثم جاءت اللعبة البريطانية الفرنسية في الجغرافية العربية الآسيوية في بدايات القرن العشرين، مسفرة في نهاية المطاف عن "حركة الهاشميين"، وعن اتفاقية "سايكس بيكو" وعن "مخرجات مؤتمر الصلح"..
فكان هذا عنوانا رئيسيا كليا أولا للاستهداف.
ثانيا: في سياق التجهيز للتعاطي مع الإقليم في شكله الجديد المرتقب بعد أن تمَّ استكمال العناصر الثلاثة السابقة وتثبيت مُخرجاتها على الأرض، جاء وعد بلفور وصكوك الانتداب البريطاني والفرنسي على ما تناثر من أجزاء سوريا الكبرى والهلال الخصيب وجزيرة العرب، بعد تقطيع أوصال الرجل المريض، للتأسيس للمشروع الصهيوني من جهة وللوظيفيات التي ستكون قاصرة وعاجزة عن مواجهته من جهة أخرى، وهما المشروعان اللذان سيتخذ أحدهما شكل كيان استيطاني أصبح يتطور إلى أن غدا "دولة إسرائيل"، فيما سيتخذ الثاني شكل دول قطرية تترسَّخ هوياتها الفرعية على أنقاض الهوية الأم التي انتزعت منها، تحكمها عائلات أو يسوسها جنرالات أو مستبدون بإمكانهم أن يكونوا قد حققوا أكبر الإنجازات للثقافة القطرية وللهويات الفرعية التي تجسِّدها، قبل أن تكون الشعوب في تلك الدول قد بدأت تصحو وتستيقظ وتتخلَّق في أوساطها مظاهر الوعي بما حدث وبما يجب أن يحدث..
فكان هذا عنوانا رئيسيا كليا ثانيا للاستهداف.
ثالثا: في سياق التمهيد لجعل الساحة العربية عامة والمشرقية المنتزَعَة من الرجل المريض خاصة – مادامت قد أصبحت تحت الاحتلال، ومادام قد أصبحَ بالإمكان من ثمَّ التحكُّم في مساراتها وإن يكن بشكل نسبي من قبل محتليها – ميدانا لصراعات سياسية وفكرية وثقافية مريرة أُريد لها أن تسود وتهيمن على السيرورة المجتمعية والثقافية والسياسية في الإقليم، تُشَتِّت مُحَصِّلَة قوى الفعل الثقافي والفكري والسياسي فيه، للإبقاء على حالة التشرذم مُتَجَسِّدَة في هذا التناحر المؤسَّس على قواعد اللاتعايش المجتمعي.. نقول.. في سياق التمهيد لذلك الغرض الإستراتيجي، تَمَّت تهيئة الظروف والمناخات المجتمعية الخصبة لاحتضان أربع ولادات ثقافية وسياسية قيصرية مُشَوَّهَة أسفرت كلُّ ولادة منها عن مولود يحمل جينات تناقضه الفوري الكامل مع المواليد الآخرين، وهذه الولادات الأربع هي:
أولا: ولادة مُشَوَّهَة لـ "الفكر الشيوعي" الذي تمَّ التركيز على "إلحاديته" المتناقضة مع الدين من جهة أولى، وعلى "أمميته" المتناقضة مع القومية من جهة ثانية، وعلى "دكتاتورية البروليتاريا" المتناقضة فيه مع كلِّ مكونات الليبرالية من جهة ثالثة، باعتبارها الجوانب الأضخم والأهم والأبرز المُسَوَّقة عن الشيوعية العربية.
ثانيا: ولادة أكثر تَشَوُّها لـ "الفكر القومي" الذي تمَّ التركيز على "استعلائه العرقي" المتناقض مع الدين أولا، وعلى شوفينيته المتناقضة مع الأممية الشيوعية ثانيا، وعلى استبداديته التي تتناقض مع كل دعاوى الليبرالية ثالثا، باعتبارها الجوانب الأضخم والأهم والأبرز المُسَوَّقة عن القومية العربية.
ثالثا: ولادة "الفكر الإسلامي" المُمْعِن في نكوصيته التاريخية، والذي تمَّ التركيز على "سلفيته" المتناقضة مع جميع المولودات الأخرى أولا، وبعالميةٍ متناقضة مع الفكر القومي ثانيا، وباستعلاء عقدي متناقض مع أممية الفكر الشيوعي ثالثا، وبادعاء شمولي يتناقض مع الفكر الليبرالي رابعا، باعتبارها الجوانب الأضخم والأهم والأبرز المُسَوَّقة عن الإسلام العربي.
رابعا: ولادة بائسة وهزيلة لـ "الفكر الليبرالي" الذي تم التركيز على "رأسماليته" المتناقضة مع الفكر الشيوعي ابتداء، وعلى حرياته المتناقضة مع الفكر القومي الاستبدادي ثانيا، وعلى ديمقراطيته وعلمانيته المتناقضة مع الفكر الإسلامي السلفي الاستعلائي الشمولي ثالثا، باعتبارها الجوانب الأضخم والأهم والأبرز المُسَوَّقة عن الليبرالية العربية.
فكان هذا التأسيس الفكري والسياسي والثقافي للصراع المدمِّر الذي أُريدَ له أن ينتجَ عن هذا التنوع، بدل حالة الثراء المجتمعي المُفْتَرَضَة منه، كما هو الحال في الغرب الاستعماري نفسه، في قلب أبشع معادلات اللاتعايش التي يمكن أن يتصورها عاقل، عنوانا رئيسيا كُلِّيا ثالثا.
رابعا: عقب الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين متناحرين على امتداد سطح الكوكب، وحدوث حالة استقطاب غير مسبوقة في التاريخ مدعومة بإمكانات عسكرية قادرة على حرق الكرة الأرضية بأكملها، بدأت تتجسَّد موضوعيا المُخرجات الفيزيائية على الأرض للمكونات الثلاثة السابقة، على شكل دويلات حصلت على استقلالها السياسي، وأسَّست لهوياتها القُطْرِيَّة بشكل شوفيني بحثت له عن مُسَوِّغات تبريرية في كلِّ الأكاذيب، إلى جانب تجسيد مُخرجات المشروع الصهيوني على شكل دولة مزروعة في قلب تلك الكيانات العربية المهترئة. وراحت سيرورة الإقليم تحدث، وراح تاريخه يتشكل في ضوء وضع العالم الجديد بعد الحرب من جهة، وفي ضوء استكمال مُخرجات العناصر الثلاثة سالفة الذكر من جهة أخرى..
فكانت هذه المعادلة الجديدة التي فرضتها أوضاعنا المستجدة ما بعد الحرب الثانية، وهي تتفاعل مع مُخرجات تلك الحرب في سياقاتها العالمية، عنوانا رئيسيا كُلِّيا رابعا.
خامسا: وعندما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي وما أدى إليه من تَغَيُّر في معادلات الصراع والتوازن العالمية، وبتكاملِ أميبا "الإرهاب" كنتاجٍ حتمي لمُخرجات العناصر الأربعة السابقة التي عملت في الجغرافيا وفي الديموغرافيا العربيتين تفكيكا وتشويها، وبتغوُّل إسرائيل عربيا عبر تقدمها في تجسيد المشروع الذي تمثِّل رأس حربته خطوات فاعلة إلى الأمام، وبتكامل الأدوار الوظيفية للكيانات السايكسبيكوبة العربية على النحو المتلائم مع تطورات الإقليم على مدى العقود التي أعقبت الحرب الثانية، وببدء معالم تشكل البُنى الشعبية الجنينية الأولى للفعل الجماهيري المستقل عن مكونات الموروث التاريخي الثقافي والسياسي والفكري المشار إليها في هذا التحليل، وهي البُنى التي عبَّرَت عن نفسها في انتفاضات غير مكتملة شروطِ التثوير الناضج في أكثر من دولة عربية.. نقول.. عندما أصبحت تلك العناصر المستجدة مُكونات أصيلة ومتجذرة في تشكيل سيرورة صراعات وتناقضات المنطقة، كان الواقع الإقليمي قد دخل منعطفاتٍ حادة أعادت إنتاج المنطقة على نحوٍ جعل الصراعات والتناقضات تتخذ أشكالا جديدة متعددة القطبية الإقليمية تحت عباءة القطبية العالمية التي تكاد تكون وحيدة. فلم يعد بالإمكان عدم إدخال كل من "إيران" وأدواتها، و"تركيا" وأدواتها، و"السعودية" وأدواتها، و"روسيا" وأدواتها، و"إسرائيل" وأدواتها، و"الفعل الشعبي العربي الجنيني المتخبط" وأدواته مجتمعين، بوصفهم قوى ومكونات فاعلة في تحريك تناقضات المنطقة وصياغة مقبلِ صراعاتها..
فكانت هذه المعادلات الجديدة عنوانا رئيسيا كُلِّيا خامسا.
إن هذه المكونات الرئيسة الخمسة أسهمت إسهاماتٍ جوهريةً في صناعة الحراك التاريخي للإقليم على جميع الصعد، وقد أصبح كلُّ واحد منها مُكونا عضويا موجودا بشكل ما في المكونات التي تليه، كامنا فيها يُشَكِّل جزءا من طبيعتها التي أصبحتها والتي لم يعد بالمقدور عليه الانفصال عنها.
فالمُكَوِّن الأول أسهم بالقسط الأوفر من العناصر التي صنعت المرحلة التي تلته، والتي ما وُجِدَ هو أصلا – أي المكون الأول – إلا ليؤثر تأثيرا فاعلا في سيرورتها.
وعندما ظهر المكون الثاني ليتعامل مع المنطقة في ضوء المستجدات الموجبة للتعامل معها بشكل مختلف، فإنها – أي المنطقة – كانت قد أصبحت مُخرجا من مُخرجات المكون الأول، فراح المكون الثاني هذا يتعامل معها في ضوء كونها هذا المُخْرَج، ولم يفكر إطلاقا بمحاولة التعامل معها وكأنها ما تزال بشكلها الذي كانته قبل دخول "المكون الأول" كفاعل فيها في بدايات القرن الماضي، لأن هذا مستحيلٌ البتة..
فما كُنْتَه بالأمس لن تُصْبِحَه مرة أخرى، وما أصبَحْتَه اليوم ليس هو بأيِّ حال ما سبق وأن كُنتَه بالأمس.
أي أنه – بتعبير أدق – قد لقَّح المنطقة بنطفٍ جديدة تزاوجت في تأثيرها عليها مع الكائن الذي شكلته نُطَفُ المُكون الأول، لتتطور وتتشكل كائنا جديدا فيه من المكون الأول بقدر ما فيه من المكون الثاني.
وهكذا وعلى هذا النحو الموضوعي راح كلُّ مكون من تلك المكونات الخمسة يتعاطى مع المنطقة، عندما يصبح هو الفاعل الأهم في المرحلة مع الكينونة العربية في الإقليم.
وكأننا أمام أجيالٍ متعاقبة وُلدت من نفس الأبوين اللذين هما المكون الأول، وراح كل جيل جديد من الآباء يضيف إلى الجيل الجديد جيناتٍ جديدة لا تلغي الجينات السابقة في شخصية الجيل الجديد، بل تتفاعل معها لخلق حالة جديدة، لا هي الحالة التي سبقتها بالكامل، ولا هي حالة منفصلة عنها بالكامل.
نستطيع التأكيد بناء على ما سبق أن الإقليم لا تمكن قراءته، ولا يمكن فهمه وتخيُّل مستقبله ومصيره، أو الإسهام في صناعة هذا المستقبل وذاك المصير، إلا في ضوء نقطتين مركزيتين لا فكاك عنهما هما:
أولا: التعاطي مع هذه المُكَونات باعتبارها عناوين رئيسة كُلِّيَّة شكَّلَته على النحو الذي هو عليه الآن، بتفاعلها في كل مرحلة من مراحل عمره الممتد على مدى قرن من الزمان على الأقل، على النحو الذي سبق وأن أوضحناه.
ثانيا: التأكيد على أنه لن يكون غدا – أي في المرحلة القادمة – ما كانه في أيِّ مرحلة سابقة، رغم أن كلَّ مراحله السابقة منطواة في مستقبله حتما، كلٌّ بقدر ما فرضه ويفرضه منطق التطور الناقل للمورِّثات التاريخية والمجتمعية.
وهاتان النقطتان تجعلان من المحتَّم على كل من يعتبر نفسَه مسؤولا مسؤولية مباشرة عن الإسهام في صناعة مصير ومستقبل الإقليم، أن يكون في مستوى النضح والحنكة والحكمة والوعي القادرة كلُّها على تخليق جينات تاريخية جديدة من النوع الذي إن تفاعل وتزاوج مع الجينات التاريخية المُوَرَّثَةِ للإقليم حتى الآن، أن تدفعَه باتجاه أن يصبحَ ما يريده له أن يكون، انطلاقا من أنه لن يكون تحت أيِّ ظرف ما كانه في الماضي القريب، ناهيك عن الماضي البعيد، بله عن الماضي الأبعد، رغم أننا نستطيع أن نعيد إنتاجَه لجعله يصبح ما نريده، بضخ جينات متطورة قادرة على ذلك في كروموزومات التطور والنهوض في بنيته التاريخية.
إذا وعينا متطلبات هاتين النقطتين المركزيتين في التأسيس لبناء مستقبل الإقليم، فإنه يغدو من السهل تفهُّم كيف تكون المكونات الخمس السابقة هي الكليات التي صنعت إقليمنا حتى الآن، فيما كلُّ ما سوى ذلك هو عبارة عن تفاصيل لا يمكنها أن تخرج عن إطار كونها مجرد تداعيات لتلك العناوين الكبرى وهي تفعل فعلَها الحافر في مصير الإقليم وفي بناء أساساته.
إن الذين يَطْفون على سطح تلك التفاصيل كما تطفو الطحالب على سطح الماء المتلاعب بها، موهمين أنفسَهم بأنهم يتعاطون مع قضايا المنطقة ويتحركون في قلب دوائر الفعل والتأثير في مصيرها، إنما يجسِّدون حالة خطيرة من عدمَ القدرة على التفريق بين المُكَوِّن الكُلِّي الصانع للتاريخ من جهة، ومُخرجاته وتداعياته التي تأتمرُ بأمره وتنفذ إرادتَه من جهة أخرى، فيتعاملون مع الثانية لجهة تأثيرها في التاريخ وفي السيرورة المجتمعية بنفس منطق تعاملهم مع الأولى، فيتحولون – وهذا في أحسن الأحوال – إلى أدوات تعمل وتتحرك على هوامش مشاريع الآخرين محققة لهم أجنداتهم من حيث تظن أنها تحقق أجنداتها هي..
هؤلاء ليسوا صناع تاريخٍ ولن يكونوا، بل هم مجرد أدوات في أيدي صناع التاريخ.
لقد انطوى كل مكون من المكونات الخمسة التي أشرنا إليها سابقا على قدرٍ من أدوات التحكم والسيطرة والهيمنة والتأثير ثقافيا وسياسيا ومجتمعيا.. إلخ، تَمَتَّعَت بها أطراف عدة، كانت كفيلة بجعلهم قادرين على إعادة إنتاج المنطقة لمرحلة زمنية قادمة، في ضوء كونهم امتلكوا ناصية فهم ما حدث من قبل، وحدَّدوا ما يريدونه لاحقا، فبنو أدواتهم وأنجزوا ما يريدونه، أو أنهم على الأقل أسهموا إسهاما فاعلا في إنجاز واقعٍ فيه الكثير مما يريدونه.
إن المرحلة القادمة من تاريخ الإقليم ستصنعها إراداتٌ تمتلك ناصيةَ الفهم والوعي والقدرة على أن تُخَلِّقَ "المكون السادس" الذي سيضاف إلى المكونات الخمسة السابقة، بوصفه الحاضنة التي سيتحرك فيها مصير الإقليم على مدى السنوات الثلاثين أو الأربعين القادمة، انطلاقا من واقعه الراهن الناتج عن تراكماتِ تفاعلِ المكونات الخمسة السابقة ومُخْرَجاتها وتداعياتها المتتابعة على النحو الذي أوضحناه وشرحناه وحللنا علائقه المتداخلة سابقا.
إنها إراداتٌ تملك ما يكفي من "النضج المعرفي"، ومن "الوعي التاريخي"، ومن "الحكمة الإنسانية"، ومن "الحنكة السياسية"، ومن "الرومانسية الثورية"، لجعل مصير الإقليم موسوما ببصمتها هي، كما كان مصيره موسوما في مرحلة معينة ببصمة من صمموا سايكسبيكو، وإعلان بلفور، وفلول الهاشميين، ومُخرجاتهم، وكما كان مصيره موسوما في مرحلة أخرى ببصمة من انتصروا في الحرب الثانية، وصمموا إسرائيل وطوروها، وفلتروا دول الإقليم باتجاه ترسيخ هوياتها القطرية وتحويلها إلى معتقدات، ليصبح موسوما بعد ذلك ببصمة من قادوه ووجهوه ليصبح الإرهاب الديني فيه لغة حياة وواقع حال لا يمكن التعاطي معه – أي مع الإقليم – بدون النظر فيه – أي في الإرهاب – بهذا الشكل أو بذاك.. إلخ.
نعم، إننا نقف على أعتابِ زمن يؤسِّس لمرحلةٍ تاريخية مصيرية قادمة، زمنٌ لا يختلف في جوهره – من حيث أن من سيتمكن من صناعة مفاصله فإنه سيكون قد تمكن من صناعته هو ذاته، أي المصير الذي نتحدث عنه – عن بدايات القرن الماضي الذي صنعه سايكسبيكو وبلفور ولينين ولورنس العرب، ولا عن منتصفه الذي صنعه ستالين وروزفلت وتشرشل وديغول.
فمن اختار لنفسه أن يبقى طُحْلُبا يقتاتُ على ما تجود به الطبيعة دون أن يتحرك ليجود على مصيره بفيضٍ من إرادته الفاعلة، فلن يصنع تاريخا، ولن يؤثر فيه، وسيبقى أداة يستخدمها من سيصنعونه، ولن يختلف حاله عندما سيتم التأريخ للمرحلة مستقبلا، عن التأريخ للطحالب "الهاشمية" أو للطحالب التي أسَّسَت "الشيوعية العربية" و"القومية العربية" و"الليبرالية العربية" و"الإسلام السياسي العربي" التي كانت جميعها تُقاد بأجهزة التحكم عن بعد، لتنفذَ ما يُراد لها أن تنفذَه إما عن قصد بالولاء المباشر، أو عن غير قصد بوهم المعرفة والوعي المؤديان إلى الانقياد الأرعن إلى المقاتل ومواقع السيوف من الأعناق.
أمامنا فرصة تاريخية كبرى لأن نبدأ بالتأسيس لصناعة تاريخنا في المرحلة القادمة صناعة فعلية، عبر الإسهام بالقدر الأكبر من مكونات حراكه السياسي والثقافي والمجتمعي القادم، ولكن هذا يتطلب إدراك الحقائق التالية أولا:
أ – لم نكن يوما مستهدفين لأننا مسلمون بل لأننا عرب، وسواء اعترف بذلك من يريد أو أنكره من لا يريد لأسباب أيديولوجية خاصة به، فالعرب في ذاتهم ولأسباب تتعلق بالجغرافيا وبالجيوسياسة وبالتاريخ من جهة أولى، ولأسباب تتعلق بأنهم الأقدر على إعادة إنتاج الإسلام إنتاجا إنسانيا ملائما للحضارة المعاصرة وتصديره لها كنموذج تغييري تتقبله لمستقبلها من جهة ثانية، مستهدفون من قبل أعداء الإنسانية الذين يرون مصالحهم في عدم ظهور منافس حقيقي قادر على منح البشرية ما يمكنه أن يمس بتلك الحزم من المصالح.
ب – الإسلام عبر ممارسات الرسول عليه السلام مثَّلَ دعوة ذات شقين، أولهما "قِيَمي"، وهو عالمي بطبيعته بسبب عالمية وإنسانية القيم في ذاتها، لأنها متحرِّرَة من مؤثرات وخصوصيات الواقع الموضوعي في أطرها النظرية العقلية. وثانيهما "سياسي" وهو غير عالمي بطبيعته بسبب خصوصية أي مشروع سياسي وخضوعه حراكا وسيرورة لمكونات الواقع الموضوعي بمحدوديته وبتفاعلاته مع المؤثرات الداخلية والخارجية. ولهذا السبب فإننا نؤكد على أن المشروع السياسي للرسول عليه السلام وهو المشروع الذي استند إلى القِيَم الإسلامية العالمية بطبيعتها لجهة أنها قيمٌ يفترض أن يستند إليها كل البشر في حياتهم وفي مختلف مشاريعهم المجتمعية.. نقول.. إن المشروع السياسي للرسول الكريم عليه السلام كان مشروعا قوميا عربيا لجهة استهداف إقامة دولة عربية موحدة تحت قيم الإسلام، تضم كافة الأراضي العربية التي كانت تعرف آنذاك بأنها عربية في شبه الجزيرة والشام والعراق، لتكون نموذجا قوميا متجسِّدا أمام البشر بعد توحيد قبائله المشتتة وتحرير أراضيه المحتلة من أقوى إمبراطوريتين حاكمتين ومحتلتين آنذاك، ولم يكن مشروعا عالميا بمعنى العمل على إقامة دولة واحدة لكل المسلمين في العالم عبر سياسة الفتح والتوسع كما حصل في التاريخ فأسهم في حرف المسيرة الإنسانية عن مسارها وتعطيل حراكها التاريخي المفترض..
وهذا موضوع شائك وطويل ومتشابك، وقد كتبنا فيه الكثير، ومن أراد قراءة ما كتبناه في هذا الشأن فما عليه إلا أن يخاطبنا وسنرسل له روابط المقالات التي كتبناها ليطلع عليها.
ج – إن التغيير القادم في العالم من الناحية الفكرية والفلسفية لن يرتكز لا إلى الفكر الشيوعي، ولا إلى الفكر الليبرالي، ولا إلى فكر الإسلام السياسي، وإنما سيرتكز إلى فكر جديد يتولد من صميم الاحتياجات الإنسانية عامة والتي تعتبر المنطقة العربية أولها وعلى رأسها..
وفي هذا الشأن أيضا من أراد معرفة التفاصيل، فما عليه إلا أن يخاطبنا لنرسل له ما يلزم من روابط المقالات المختصة.
د – على صعيد التحالفات العالمية فإنها ستتحول من تحالفات بين دول وأنظمة سياسية، إلى تحالفات بين قوى شعبية وجماهيرية تتبنى قضايا الشعوب بعيدا عن الأنظمة نفسها التي غالبا ما تجسِّد مصالح نخب وطبقات محدَّدة ليس بالضرورة أن تكون مصالحها وتطلعاتها تلك متناغمة مع مصالح شعوبها وتطلعاتها.
ه – التحالف التاريخي الذي سيغير وجه العالم سيتحقق بين الشعوب العربية والشعوب الأوربية التي ستمثل حجر الرحى في مواجهة الإمبريالية والصهيونية العالميتين وكافة أعداء الإنسانية.
و – "الأوراسية" التي تعمل على تجسيدها النخبة الحاكمة في روسيا، هي مجرد شكل من أشكال التحالفات السياسية، وليس الفلسفية الأيديولوجية، ومع أنها في ذاتها بوصفها تحالفا يعمل على خلق حالة اصطفاف آسيوية أوربية بالدرجة الأولى، في مواجهة الاصطفاف الأميركي الأوربي، تُعْتَبَر توجها سياسبا فيه نوع من الوجاهة المقبولة، إلا أنها كي تكون خادمة لمصالح أمتنا ونهضتها، وكي نكون فاعلين فيها لا مجرد أدوات تُسْتَخدم لتنفيذ أجندات دهاقنتها في روسيا والصين وغيرهما، يجب أن تكون أمتنا والأمم الأوربية متواجدة فيها على شكل صُناعٍ حقيقيين لها بوصفها محورا – أي الأوراسية – وأن يكون تجسيدها تجسيدا قائما على الفلسفة الجديدة التي نتحدث عنها، وإلا فإنها ستفقد معناها وأهميتها، وستتحول إلى محور ليبرالي بزعامة روسيا في مواجهة محور ليبرالي آخر بزعامة الولايات المتحدة، وهو ما ينذر بمخاطر كبيرة تهدِّد مستقبل الإنسانية، ولا يختلف كثيرا عن التهديد الذي تعرض له مستقبلها بسبب الظروف الموضوعية التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية.
ز – المشروع النهضوي العربي الذي ندعو إلى تخليقه والتأسيس له، هو بطبيعته منطوى في مشروع حضاري عالمي يؤسس لتغيير وجه الحضارة الإنسانية، بقيادة العرب والأوربيين على مستوى الشعوب لا على مستوى الأنظمة والدول، إلا بقدر ما تتناغم تلك الأنظمة وتلك الدول وتنسجم مع حركة الشعوب القادمة، في قلب هذا المشروع الإنساني الذي نشير إلى أن إرهاصاته بدأت بالتشكل. أي أن حالة الحراك الإقليمي والعالمي القادمة في ضوء ما يؤسِّس له هذا التحليل، ستكون حتما وبالضرورة عالمية الطابع من حيث القيم وتحديد خنادق الصراع، وهي لا تختلف في عالميتها عن تلك التي كانتها الدعوة المحمدية قبل أربعة عشر قرنا، أو الدعوة الليبرالية التي أفرزتها البروتستانتية قبل عدة قرون، أو الدعوة الشيوعية التي أفرزها الفكر الدياليكتيكي الجديد قبل قرن ونصف من الزمان.
ح – إن المكونات القيمية الأساس التي سيقوم عليها الحراك العالمي القادم، ترتكز على ما يلي:
1 – إعادة إنتاج قيمتي الحرية والعدالة على نحوٍ يلبي الاحتياجات والمتطلبات الإنسانية، بعد أن سقطت مفاهيمها وتطبيقاتها التي سوقتها لنا الليبرالية والشيوعية، والتي سوقها لنا الإسلام السياسي الذي تلقَّفت أكثر فصائله اعتدالا – ولا نتحدث هنا عن فصائله المتطرفة أصلا – من التاريخ صورة منحرفة ومشوهة عن الإسلام، كانت نتاج انحراف تاريخي أسقط المكوِّن القومي العربي للمشروع السياسي للرسول الكريم عليه السلام، واستبدله بالنزعة الإمبراطورية العربية التي أسَّس لها الأمويون لتصبح بكل مُخرجاتها ومتطلباتها جزءا لا يتجزأ من الفكر السياسي الإسلامي لدى كل السنة والشيعة على حدٍّ سواء، بعد أن أسهموا جميعا بسبب هذه النزعة الإمبراطورية لديهم في إعادة صياغة الكثير جدا من قواعد وأسس ومفاهيم الإسلام لخدمة وشرعنة هذا المشروع السياسي الغريب عن الإسلام غرابةَ اغترابٍ مفجعة، بعد أن أصبح حالة سياسية قائمة تبحث لنفسها عن جذور تبريرية في المقدس الديني الإسلامي.
2 – مواجهة الإمبريالية والصهيونية العالميتين باعتبارهما عدوتين للإنسانية هما وكل أدواتهما ومشتقاتهما المحلية والإقليمية والعالمية، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
– مواجهة الهيمنة الأميركية العالمية.
– مواجهة حلفاء الولايات المتحدة العالميين على صعيد تمرير العلاقات الإمبريالية في العالم.
– مواجهة الكيان الصهيوني ممثلا في "إسرائيل" بكل أشكال المواجهة الممكنة والمتاحة.
– مواجهة الوظيفيات العربية التي لا تتناغم مع مكونات هذا المشروع، والعمل على إبعادها عن دوائر الهيمنة على الشعوب والدول التي تحكمها حاليا، أو دفعها إلى إعادة إنتاج أنظمتها السياسية في ضوء متطلبات قيمتي الحرية والعدالة بحلتهما الجديدة.
– العمل على إعادة إنتاج الإقليم المسمى "الشرق الأوسط" أثناء وبعد تحريره من الهيمنة الإمبريالية والصهيونية والوظيفية، ليكون إقليما تمثل الكتلة السياسية العربية التي ستتشكل في الجزيرة العربية والهلال الخصيب – بصرف عن شكلها السياسي – مركزا له محاطا بأجنحة ثلاثة تقويه وتقوى به بعيدا عن أي معانٍ للهيمنة والنفوذ هي: "إيران" و"تركيا" و"أثيوبيا".
– التجاوب مع أيِّ تحالفات عالمية سواء كانت مرتكزة إلى فلسفات تغييرية أو إلى تخندقات سياسية، إذا كانت تحالفات تخدم هذا المشروع وتقويه، ولكن من منطلق الندية القائمة في منطق التحالفات وليس من منطلق الأدواتية القائمة في منطق الأجندات، ومن هنا فإن "التحالف الأوراسي" إذا تمكنت قوى الشعوب العربية والأوربية الحية من أن تتواجد فيه على قدم المساواة والندية، يعتبر تحالفا مهما.
– مواجهة الإرهاب العالمي بكل أشكاله ومرجعياته وعلى رأسه الإرهاب الديني أيا كان وحيثما كان، مادام يسوِّق المقدس ليبرِّرَ السياسي بأبشع ما تكون التوظيفات والاستخدمات للمقدس الديني
موقع حركة التجديد العربية.