/ عبد الرحمن تيشوري / خبير سوري
شهادة عليا بالادارة- شهادة عليا بالاقتصاد
دبلوم العلوم النفسية والتربوية – امين سرجمعية العلوم الاقتصادية – طرطوس
لعل المعوقات الاجتماعية التالية هي في مقدمة أسباب الركود الإداري الذي تعاني منه ، ويميّز عمل ، معظم مؤسساتنا الحكومية العامة في سورية :
– ينتمي معظم القائمين أو المشرفين على إدارة وتسيير عمل المؤسسات الإنتاجية والخدمية في بلدنا إلى الجيل السابق على تكنولوجيا المعلوماتية ، أي هم ، في الأصل ، من أهل الإدارة بالقلم والورق وساعي البريد المترهل والأرشيف المغبرّ والتعليمات – حتى لا نقول الأوامر – الشفهية غير المكتوبة أو المسجلة و…الخ. وبالتالي يجد هؤلاء – بحكم العادة المتراكمة أو المكتسبة- صعوبة ، نفسية بالدرجة الأولى ، عند الإدارة بالتقنية ، فـ« من شبّ على شيء شاب عليه » ، وبالنتيجة يعجز معظم إداريي مؤسساتنا العامة عن استثمار كامل طاقة أو استطاعة « المعلوماتية » على الإدارة المكثفة والسريعة المتناهية الدقة .
– وباعتبار أن الإدارة بالمعلوماتية تقوم على سرعة ودقة تلقي أو استقبال المعلومات( البيانات) وتصنيفها وتبويبها و..الخ، فإن التأخر « المعتاد » في إصدارها ثم جمعها واستلامها من جانب المعنيين بتحميلها ونمذجتها والتصرف المباشر بنتائجها احتكاماً لمعايير اجتماعية غير موضوعية في حالات عديدة يحول دون الإفادة من عنصر سرعة العمل الإداري واقتصاد الوقت الذي توفّره تقنية الحاسوب وتكنولوجيا الاتصال .
– وتلعب أنظمة العمل التقليدية الراكدة والإجراءات البيروقراطية الشائكة ، تلك التي تحكم العمل في عدد كبير من مؤسسات القطاع العام ، دوراً كبيراً في نشوء وتفاقم ظاهرة الركود الإداري التي يظهر بها العمل الحكومي . فعلى سبيل المثال نجد أن الورق المخطوط بالحبر الحي الأزرق أو الأسود والورق المصدّق أو الممهور بعشرات الأختام والتواقيع الحمراء والخضراء هو أساس الوثائق والشهادات وكافة المستندات الرسمية الأخرى . الأمر الذي يُفقد تلك المؤسسات إمكانية استغلال سرعة الاتصال وسهولة وصول المعلومات اللتين تتوافر عليهما صناعة الإدارة أو الإدارة المصنّعة .
– وثمة بطالة مقنّعة تنطوي عليها مؤسساتنا العامة تفرز هرماً إدارياً معقداً إذ تقيم تراتبية بيروقراطية بين آمرين ومأمورين تمكّن الآمرون من احتكار« أسرار» العمل وقرارات الإدارة ، بحيث تصل تلك الأسرار والقرارات إلى أسفل الهرم البيروقراطي « بالقطّارة » أو بالتقسيط !!. هذا ، وإن وجود أعداد فائضة عن الحاجة الفعلية للإدارة في جل مؤسساتنا الحكومية ، إذ يخلق ظاهرة التواكل واللامبالاة والصعوبة في حصر المسؤولية في المؤسسات المعنية ، فهو لا يتناسب ، بحال من الأحوال ، مع تكنولوجيا الإدارة العصرية التي هي تكنولوجيا كثيفة العلم وليست من نوع التكنولوجيا كثيفة العمل والعمالة الأمر الذي يفقد في الحالتين ، الإدارة بالمعلوماتية أفضليتها وميزاتها والأوتوماتيكية .
– وإذ تقتصد الإدارة المؤتمتة بعامل الوقت وتختصر عنصر الزمن ، فإن غياب عادات تقدير الوقت وتقاليد أو قيم ترشيد الزمن لدى أعداد كبيرة من إداريينا يُغيّب ، بدوره ، شروط الإفادة المثلى من اعتماد الإدارة بالحاسوب والإنترنت كنمط إداري جديد يفترض نسيجاً اجتماعياً من العادات والتقاليد والقيم والمعايير الملائمة للإدارة المصنّعة . وبالنتيجة تبرز ظاهرة الركود الإداري جنباً إلى جنب تقنية الحاسوب كثنائية مفارقة من ثنائيات عديدة تقوم عليها مؤسساتنا الحكومية .
– ومن العادات الاجتماعية الخطيرة المسئولة – بقدر كبير – عن قصور الإدارة بالمعلوماتية في معظم تلك المؤسسات هي عادة الارتشاء أو الرشوة تحت ستار مسميات عديدة من نوع : ( حلوان ، سكرة ، فنجان قهوة ، هدية ، إكرامية ، عزيمة…الخ ) وكذلك عادة الوساطة والانتقاء أو الاستثناء بمعايير غير موضوعية في حالات غير نادرة . فالإدارة بالمعلوماتية تقوم على تكميم البيانات أو المعلومات بصورة أرقام إحصائية ونسب مئوية محسوبة بدقة وفق معايير موضوعية بالضرورة التكنولوجية .
تلك هي بعض أهم وأخطر المعوقات الاجتماعية للإدارة بالمعلوماتية المعتمدة في جل مؤسساتنا الحكومية السورية . ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى حقيقة أن التكنولوجيا ، بشكل عام ، مسألة « غير محايدة » ، بمعنى أنها تفترض علاقات اجتماعية محدّدة تقوم على عادات وتقاليد ومثل أو قيم ومعايير مناسبة . وهذه حقيقة كبرى ينبغي علينا إدراكها جيداً عند تقويم نتائج اعتمادنا أسلوب الإدارة بالمعلوماتية ، وبالتالي السعي الجاد الدؤوب للإفادة المثلى من كامل طاقاتها الإنتاجية وخدماتها الحضارية .
أصبح الآن من أهم الضروريات بالنسبة للعالم العربي العمل على النهوض بمجتمعه في مجال الاتصالات والمعلومات والعمل بأسرع ما يمكن على رأب الفجوة الرقمية سواء كانت داخل القطر العربي الواحد أو بين الأقطار العربية بعضها البعض وكذلك بين الدول العربية ودول العالم المتقدم ، وهذا لن يتم إلا من خلال إستراتيجية عربية للنهوض بالمجتمع العربي كوحدة واحدة ووفقا لدراسات وخطط عمل مبنية على الواقع الفعلي للدول العربية ووفقا لمتطلبات كل دولة وظروفها المختلفة .