بقلم: نارام سرجون. ·
كيف يمكن لقصة أن تنطوي اذا تداولها الدم على لسانه؟؟ .. فليس بعد ذاكرة الدم ومكتبته الحمراء من يحفظ القصص المعذبة .. وكيف لرواية أن تحترق بالنار اذا كتبت سطورها كالوشم على جسد النار؟؟ .. وهل ينطفئ وميض حكاية كتبها صاحبها بدم النجوم على أوراق مقدودة من لحم الليل حيث النجوم تنزف ضوءا ..
قصتنا مع المشروع الاسلامي الصهيوني كتبت بالدم على لسان الدم .. وحروفها صارت وشوما على أجساد النار .. وحبرها من دم النجوم التي نزفت ضوءا في ليلنا المشرقي الطويل ..ومن تكتب قصصه على جسد النار أو بدم النجوم لايمكن ان تخدعه الخفافيش أو الظلام ..
لن تخدعنا أميريكا ان ادعت أنها تكره داعش وأنها لاتميل للنصرة .. واذا كنا قبلنا بالهدنة فلن نخدع أنفسنا بأن نفصل مابين زمرة دم جيش الاسلام وأحرار الشام وكل التنظيمات التي ترفع راية الاسلام وزمرة دم داعش والنصرة .. ففصيلة الدم واحدة .. وعندما تطلق النار على جسد داعش فان دم داعش يتدفق من جسد النصرة والاخوان المسلمين .. فنحن أمام قطيع من الثيران يؤكل فيها الثور الأبيض عندما يؤكل الثور الأسود .. والثيران ورعاة البقر الذين يدفعونها بتهييجها لتندفع نحونا يعرفون أن كل ثور يسقط فانه يجعل عمر الثور الثاني قصيرا .. ثورا ثورا حتى آخر ثور في القطيع الثوري الاسلامي ..
ولذلك فان احرار الشام ونور الدين زنكي وكل الثيران التي اعلنت انها ستهادن كانت تنتظر أن يتلكأ الجيش السوري في تدمر وهو يصارع ويبارز ثور داعش في تدمر وشرق حمص .. وكان هناك نوع من الاطمئنان الى أن عملية تحرير تدمر ستستغرق بضعة أسابيع لأن الأشهر التي أمضاها داعش في تدمر كانت كلها أشهر التمكين والتحصين والتفخيخ وهذا بدا جليا في تعقيد عملية التفخيخ التي احتاجت فرقا خاصة روسية لازالة الألغام التي كان من المفترض أنها ستنسف كل مدينة تدمر الأثرية اذا ماتقدم الجيش و ستشكل رادعا معنويا قاسيا للجيش السوري الذي تلقى الرسالة بأن كل خطوة نحو تدمر تعني قتل مئة سنة من التاريخ والآثار كما أن المدينة نفسها تمت عملية تحصينها والدفاع عنها بنفس تقنيات تحصين مدينة الفلوجة العراقية لصد اقتحام الاميريكيين لها والتي كلفت الجيش الأميريكي المجهز والمتطور والمدعوم من البشمركة مئات القتلى والجرحى .. وكانت خبرات ضباط الحرس الجمهوري العراقي هي التي قاتلت في الفلوجة .. وهي التي قاتلت في تدمر لأن الاميركيين حولوا ضياط الجيش العراقي المنحل الى مجموعات دينية تولت المخابرات السعودية لاحقا عملية اعادة الأدلجة والتأهيل نحو المذهب الوهابي الذي ظهر كحاضن ومنقذ لأهل السنة في المثلث السني العراقي ..حبث انتشر هؤلاء الضباط العراقيون التائهون على طرفي الحدود السورية العراقية الى أن نمت داعش بخبرات كثيرين منهم .. وكانت تقديرات المخابرات الاميريكة والتركية هي أن الجيش السوري في تدمر سيضطر لدفع ثمن باهظ جدا يفوق ماقدمه الجيش الاميريكي في الفلوجة بشكل يتناسب مع الفارق التكنولوجي والتدريب والدعم اللوجستي والجوي للقوات الاميركية ..وكان هذا الثمن الباهظ مطلوبا كي يسترخي الثوار الحلبيون لان ذلك سيعني أن الجيش المثخن بالخسائر لن يفتح جبهة حلب وادلب ان انتصر في تدمر نصرا داميا وستكون جنيف متوازنة وماراثونية الأنفاس الى أن تتم الانتخابات الاميركية ويحدث تحول ما ويفرض أمر واقع في الشمال ..
الجيش السوري وحلفاؤه مع تقنيات الاستخبارات الروسية ومواطنين تدمريين اخترقت داعش في تدمر قبل أشهر وحصلت على كل خرائط الالغام والمفخخات وخطط الدفاع وخطوط الكمائن .. وكانت تتحرك بين حقول الألغام كما لو أنها من زراعة سلاح الهندسة السوري .. وفي أحد المحاور الحساسة جدا لم تنفجر أيه مفخخة اثناء تقدم الوحدات الخاصة التي خرقت أهم نقطة توصل الى قلب التنظيم النابض .. والبعض يعتقد أنه تم التفاوض مع مسؤول التفخيخ الداعشي في تلك المنطقة فيما يؤكد ضابط مطلع أن هناك عملية كوماندوس فائقة الخطورة تنكر فيها الجنود كمقاتلين لداعش ودخلوا المدينة وتم فيها تقطيع أوصال التفخيخ وشلّه الذي كان قد ترك الدواعش مدخله كممر وهمي يستدرج القوات التي ستحاصر وتنسف وتباد .. وشبه ذلك الضابط العملية بأنها تشبه عملية تعطيل الكوماندوس المصري مواسير النفط التي وزعها الاسرائيليون على طول قناة السويس لاحراق القناة مع كل القوات المصرية ان حاولت العبور ..
اجتياح تدمر الحصينة كان مفاجئا الى درجة أن نجاح العملية جعل بعض الأصوات في محطة الجزيرة والمعارضين يتصورون أن سهولة الاختراق كانت لأن هناك اتفاقا بين الجيش وداعش بتسليم تدمر دون قتال في عملية مسرحية .. ولكن عدد المسلحين الدواعش الذين انتشرت جثثهم يوحي ان هناك معركة طاحنة وقعت نجح الجيش السوري في سحق عدوه بكلفة قليلة بسبب الاعداد المسبق والمتقن ..
ولذلك كان الترحيب الغربي والاميريكي فاترا ويحمل نوعا من الغصة من أن الرقة ودير الزور لن تصمدا على الاطلاق بعد تدمر لأن عملية التدشيم والتحصين فيهما أقل مما كانت في تدمر .. كما أن هناك خلايا نائمة ضخمة للجيش السوري من مواليه في الرقة ودير الزور مما سيجعل انهيار داعش في سورية قريبا بانهيار التنظيم في هاتين المدينتين .. وهذا سيعرض التحالف الغربي للحرج وربما للمطالية بانهاء مهمته في سورية بنهاية داعش .. كما أنه سيحرج الاستخبارات الاميركية التي قالت ان العمر المتوقع لداعش قد يصل الى 30 سنة فيما سيظهر الروس على أنهم يسخرون من هذا التقدير الذي انتهى بمجرد دخولهم الى الميدان .. مما يطرح أسئلة على الرأي العالم العالمي عن جدوى وفعالية الخطط الاميركية وجديتها في الحشد ضد الارهاب ..وربما سيقضح رغبتها بوجود داعش والقاعدة ..
حلب في المنظور التركي والسعودي يجب ألا يستعيدها الجيش السوري .. ولكن الرقة من المنظور الاميركي يجب ألا تسقط بسرعة أيضا والا سقط المشروع الغربي ومهمة التحالف وسقطت لاحقا كل الذرائع التركية والسعودية والغربية عموما للدخول الى سورية لمحاربة الارهاب وربما سيسقط مبرر تسليح المعارضة السورية المعتدلة التي ستكلف بمحاربة داعش .. ولذلك فان من الضروري حماية داعش وعاصمتها .. وكان الايعاز الى المجموعات الاسلامية المسلحة الداخلة في الهدنة الى جانب وجبهة النصرة باغاثة داعش بشكل عاجل .. وفتح جبهة واسعة تجعل الجيش السوري يؤجل حركته نحو الرقة ودير الزور .. لانشغاله بجبهة النصرة ..وبالفعل تحرك الثور الأبيض في حلب وادلب لانقاذ الثور الأسود في الرقة ودير الزور .. وظهر نوع من استعراض القوة والحديث عن سلاح نوعي وصل ومضادات جوية صارت في متناول يد أحرار الشام .. الا أن المهمة التي أنيط بها الجيش السوري هي اصطياد جميع الثيران دون أي تمييز .. ان كانت في الرقة أو حلب .. وأكل الثور الأبيض سيفضي الى أكل الثور الأسود وبالعكس ..
وهناك رأيان في الأوساط العسكرية المتابعة .. أحدهما يقول بأن الثور الأسود مضرج بدمه في الرقة ودير الزور بعد مذبحته في تدمر ويجب تثبيت جبهة حلب واتمام عملية النحر للثور الأسود في قلب الرقة .. وهذا سيجعل كل أوراق تركيا والغرب والسعودية والمعارضة هشة للغاية في جنيف لأن قوة هؤلاء من خلال التهديد الضمني بداعش الخارجة عن نطاق السيطرة والضبط على عكس مايقولونه عن النصرة التي يقدمونها على أنها مطواعة وربما تدخل العمل السياسي .. واذا مانحر الثور الأسود فان الجيش سيستدير بسرعة الى حلب وادلب .. وعندها اما أن ينجز اتفاق وحل في جنيف واما أن ينحر الثور الأبيض في حلب وادلب والغوطة ..
والرأي الآخر يقول بأن قتل الثور الأبيض في حلب أهم الآن لأن داعش يريد النجاة والسلامة فهو تحت مطرقة الحشد الشعبي العراقي وسندان الجيش السوري .. وقدرات داعش الهجومية بسبب ذلك محدودة نسبيا ومشتتة فيما أن الثور الأبيض في حلب وادلب صار سمينا من جديد ويجب نحره قبل أن يصبح قتله صعبا ..
اصرار الاتراك والسعوديين على اشعال معارك في حلب وغيرها لتخفيف الضغط عن داعش – لانقاذ الرقة التي تمثل عاصمة الخلافة – مبني على أمل غياب الانخراط الروسي الكبير بعد سحب فائض القوة الروسية .. هذا الاصرار يعكس خطأ كبير في الحسابات .. لأن الجيش السوري لم يغير من كثافته وانتشاره ولم ينقل رصاصة واحدة الى شرق سورية لقتال داعش بل على العكس فان كتلته الضاربة تتركز في الشمال .. وعندما توقف في آخر مرة قبل الهدنة في حلب كان لديه فائض قوة كبيرا .. واذا ماقرر المضي قدما نحو تحرير حلب وريفها فلن يكلفه ذلك شيئا الا أن يوقف اجازات عسكرييه في تلك المناطق ..
كل مالدي من مؤشرات ومن تسريبات وايحاءات تجعلني أميل للاعتقاد أننا سننحر أحد الثورين حتما خلال الفترة القادمة التي تسبق الصيف لأن هناك ضخا كبيرا للقوات الخاصة وللسلاح المتفوق والعتاد الروسي الجديد الى الجبهات وتجميعا محموما للمعلومات الاستخبارية وكأن هناك هجوما وشيكا من مقياس هجوم تدمر .. ورغم أنني لاأرى فرقا في الانجاز بقتل أي من الثيران .. ثور الرقة أو حلب أو ادلب أو الغوطة .. الا أنني أتمنى أن ينحر الثور الذي تم تسمينه في حلب قبل الصيف ..وقبل أي ثور آخر ..
قصصنا وبطولاتنا التي نكتبها اليوم ونخلدها كالوشوم على جسد النار .. لن تمحى .. وحكايتنا مع هذه الموجة من الثيران الملونة الخضراء والبيضاء والسوداء لايمكن الا أن تكون حكايات انتصار سنكتبها بدم النجوم .. ومن يستنزف النجوم ضوءا ليصنع منه حبرا .. ويعصر الضوء من جراح الشمس لن تخدعه الوطاويط التي تتحرك في الظلام باسم الهدنة ..
وكلنا بانتظار أخبار طال شوقنا لها وطال انتظار عناقنا لها .. لاتكتب الا بدم النجوم ..ولاتخلّد الا كالوشوم على جسد النار ..