من قصص مأسة الوطن بثورة الخريف العربي صديق قديم من الرقة، خدمنا معا في منتخب قوى الامن الداخلي ثلاث سنوات، كان طيب المعشر اصيلا وطيبا ووطنيا. حللت ضيفا عليه عدة مرات وعرفني على حلقات الصوفيين الشهيرة حيث حضرنا ضرب الشيش والضرب بالشيش وكانت لنا ايام لاتنسى. افترقنا عام 1980 وبعد الاحداث الدامية كنت اقلق عليه كأخ حقيقي واود ان اسمع عنه خبرا يسرني. قبل عدة ايام، سمعت عنه خبرا عن طريق شقيقه لان صديقنا اقسم ان لايكلم احدا. يقول شقيق صديقنا نقلا عنه: كنا نظن اننا سنعيش في ظل دولة اسلامية يكون خليفتها مثل عمر ابن العزيز او هارون الرشيد فتفاجأنا باننا نعيش في دولة ابو جهل. لاتوجد اية مظاهر للرحمة، يبحثون عن اي سبب بسيط لاعدام الناس وانزال اقصى العقوبات بهم. يبحثون عن حجة تافهة لمصادرة املاك وبيوت الناس ثم الاستيلاء على نساء المعاقيبين بحجة انهن سبايا. ونتيجة نقص تعداد المسلحين بعد قطع طرق الامداد عنهم بدأوا بسحب ابناء المنطقة للجهاد غصبا عنهم. وامام هذا الظلم لم يتحمل صديقنا الامر فقابل مفتي الجماعة وذكره بقوله تعالى: "يا ايها النبي حرض المؤمنين ولا تكلف الا نفسك". فزعق وصرخ وامر بجلده مائة جلدة. تلقى صديقي عقوبته القاسية بصبر، وبعد ان تماثل للشفاء قرر الهروب من الدولة الاسلامية وهو يعلم سلفا ان عقوبة من يحاول الهرب هي قطع الراس، لكنه كان قد قرر الهرب. الكثيرون من الذين جاؤوا للعيش في ظل الدولة الاسلامية مع عائلاتهم يبحثون عن وسيلة للهرب من هذا الجحيم . ظروف العمل وخاصة بعد التدخل الروسي وقطع مصادر رزقهم ساءت جدا، والرواتب لاتدفع بانتظام ، وان دفعت فلا تدفع بشكل كامل. ونتيجة هذا الوضع الجديد برزت عصابات مختصة تقوم بتهريب الناس مقابل مبالغ ضخمة من المال حيث تحولت عمليات التهريب تلك الى تجارة مربحة للبعض يشارك فيها بعض كبار القادة. وعمليات الهرب من الدولة الاسلامية لاتقتصر فقط على المدنيين بل، تتعداهم الى المقاتلين انفسهم. وقد وصلت عدم الثقة بين قيادات داعش والمحاربين وخاصة الذي جاؤوا من الخارج منهم درجة كبيرة حيث تشهد شوارع الرقة انزال العقوبات القاسية بحق المقاتلين والتي قد تصل احيانا الى الاعدام. المهم، ان صديقنا اتفق مع تاجر اغنام على ان يشحنهم بين الاغنام بسيارة مغلقة شريطة ان لايصدر منهم اي صوت يدل على انهم بشر تحت طائلة الذبح. وافق صديقي، ودفع المبلغ اللازم له ولزوجته وابنته الصغيرة ذو الثلاث سنوات وهي اخر من تبقى حيا من اسرته واستطاع اخيرا الوصول الى منزل شقيقه في دمشق. وكانت اصعب مهمة عليهم هي اعادة الطفلة التي نسيت الكلام الى طبيعتها فهي ترد على كل سؤال بقولها :ماع ماع. زوجته تدعوا بالنصر للجيش ولاتنس بالدعاء الخاص لبوتين بعد كل صلاة وقد نذرت انها ان انجبت صبيا سوف تسميه بوتين.