خاص بتوقيت دمشق _ وفا أحمد
استطاعت إسرائيل عبر سنوات طويلة تضليل شعوب العالم بأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط في التعايش المشترك وتمتلك نموذجاً ديمقراطياً يحافظ على حقوق الإنسان ويطبق معايير العدل والمساواة بين مواطنيه وأيضا تبدي تضامنها مع ما تشهده الدول العربية المحيطة في حق شعوبها في الانتفاضة ضد حكوماتها لنيل مطالب تندرج تحت مسمى حرية وعدل ومساواة في حين أنها تنتفي من المجتمع الاسرائيلي فما شهدته الأيام الماضية من ممارسات إسرائيلية قمعية واضطهاد عرقي عنصري ليس ضد الفلسطينين هذه المرة وإنما ضد من هم من صلبها
"يهود الفلاشا" كذب كل ادعاءاتها فيما يخص حقوق الإنسان أو أنها لا تقوم على التمييز العرقي.
و"الفلاشا" أي يهود أثيوبيا الفقراء الذين استقدمتهم إسرائيل مطلع الثمانينات من القرن الماضي لمواجهة المد العربي الجغرافي على مساحة أرض فلسطين من جهة ومن جهة أخرى لتعبئة الجيش ووظائف متدنية مثل كنس الشوارع وتنظيف الحمامات وغيرها التي لا يليق أن تقوم بها الطبقات الأرستقراطية في المجتمع من الأشكيناز وغيرهم الذين تحصر بهم الوظائف العالية والتعليم ،وهم لبوا الدعوة اعتقاداً منهم بأن هذه الخطوة إنقاذاً لهم من الفقر والجوع في المناطق التي يسكنونها.
حيث واجه "يهود الفلاشا" منذ قدومهم إلى "أرض الميعاد" مظاهر العداء من المجتمع اليهودي المدعي العلمانية مثل رفض إسكانهم في مناطق يسكنها أصحاب العرق الأبيض من روس وأوروبيين أو حتى قبولهم في وظائف النخبة عدا عن الألفاظ التي يستخدمها الاسرائيليون في التعامل معهم وأولها كلمة "الكوشي" والتي تعني العبيد ما أدى إلى تكريس الدونية ونكران الذات لدى هؤلاء وأمراض اجتماعية ونفسية أخرى والتي تفسر وتختصر سبب إيفادهم إلى فلسطين في مرحلة كانت إسرائيل في بداية تأسيس كيانها وسرقة أراضي العرب وتهويدها ولم يكن همها في ذلك الوقت إلا جمع يهود العالم في القدس تحت مسمى "الدولة العبرية" او "الاسرائيلية" أو ما شابه ذلك من ألفاظ و ربما خططت منذ البداية لاستقدامهم كخدم أو أن العرق لم يكن هاجسها الأساسي بوجود العرق العربي الذي تخشى تكاثره وامتداده بحيث يطغى على العدد اليهودي المحدود وبالتالي لن تستطيع إيقاظ النزعة المكبوتة داخلها ببناء وطن ليهود العالم على أرض لم تثبت الوقائع التاريخية ولا الدينية حتى الآن أحقيتهم في بنائه لذلك ركزت في بداياتها على جمع أكبر عدد ممن يدينون باليهودية سواء ورثوها أم أنهم اعتنقونها في ظل وقت كانت تحارب فيه المسيحية الأهم اعتناقهم اليهودية ولو بأي طريقة أو حادثة تاريخية والتركيز على جلبهم عبر مجموعة من العمليات أبرزها حملة "موسى" وحملة "سليمان" الشهيرتان والتي تم فيهما البحث عن مخزون يهودي لتصحيح الميزان الديمغرافي بعد النكبة ونقلهم إلى فلسطين لزيادة أعدادهم كما أرادت الحركة الصهيونية الا أن النزعة العنصرية استفاقت وربما لم تنم أساساً بل كانت تتحين الفرصة لتنقل عدائية المجتمع الاسرائيلي وكراهيته ليس فقط لما هو عربي بل إلى كل من يخالفهم في الدين والمعتقد وحتى لون البشرة فممارساتهم الواضحة ضد كل من
ليس أبيض البشرة وصلت إلى رفض "الفلاشا" الأفارقة في المدارس التي يرتادها أبناء الطبقة البيضاء وحتى رفض المؤسسات الطبية وخوفها من الدماء التي يتبرعون بها.
فرغم أن نتنياهو اكتفى بالتعليق على التظاهرات بالقول أنه يجب فحص ادعاءات اليهود الأثيوبين لكن دون تشريع أحداث العنف وخرق القانون الاسرائيلي ولكن ذلك لا يعني أنه سيعالج واقع التمييز ضد هذه الفئة كما لن يؤدي إلى تغيير نهج التعامل معهم بين ليلة وضحاها فعلى الرغم من الطبقية التي يمتاز بها المجتمع الاسرائيلي الا أن ذلك لن يمنع تحمل وجود عشرات الآلاف من اليهود ببشرة سوداء ما دامو يقبلون الفكر الصهيوني ويقدمون ضريبتهم العسكرية وخلافا لباقي اليهود فإن عدد "يهود الفلاشا" صغير مقارنة بباقي المجموعات العرقية المكونة للمجتمع الاسرائيلي ويجعلهم أقل قدرة على تشكيل أي خطر أو تهديد للمنظومات والموازين الاسرائيلية وسيكون بمقدور اسرائيل بعد انتفاضتهم ولغياب تنظيمهم المجتمعي احتواؤهم من خلال الاعلان عن خطة جديدة لتحسين ظروف حياتهم وايجاد أماكن عمل لهم واعتماد خطاب تصريحي ضد أي شكل من أشكال العنصرية ضدهم الا أن تنفيذ هذا الخطاب على أرض الواقع ليس مضمونا فعلياً وكلها مخدر مؤقت طالما هناك مجتمع تسيطر عليه نزعة الأفضلية وإعلاء العرق ورفض كل ما هو مختلف وعدم تقبل وجوده سواء دينياً أو اجتماعياً أو حتى على الصعيد الانساني على أقل تقدير.