قصيدة للشاعر: مهتدي مصطفى غالب
((إني أموت ….. ))
((كم من الوقت سيمضي .. كي نعيش … ))
لستُ آخرَ وليدٍ
و لستُ أولَ قتيل
لبست جلد الحضور
و جئت كرمح الوقت
طعنت أديم الأرض
حفرت غدي الجميل
كماء الليالي العابقة بالأريج
لست آخر قتيل
لست أول وليد
و هذا انغماس الأصابع باللذة
و العين بالحبور …
و القلب بالصهيل
*** *** ***
ينتشي الوقت حين الحضور
فاركض بين الخلق و القتل
حين دمي رواحل
خارجة من أديرة الشرايين
تنزٌّ موائد و كواكب
تترمد على خاصرة الضوء
تلاحقني الزلازل
و القامات الممدودة للطعن
احمل قلبي
كالظل قبلة للفجر
و ارسم ريقك على شفتي خمر
جئتني قبلة و لوثة و ضفة
و في راحتي
يضيء وجهك كالشهاب
و أنت تفاجئيني بالرحيل
من وجهك إلى رائحة رؤياك
التي لم تفارق دمي حتى الآن
حين تنتفض الفراشات
تخبو المصابيح أو تنكسر
أنت خيام قلبي
و ملجئي الأخير
و ضرع فمي …
و رائحة الماء
التي كانت بدء الخلق
ها أني اصرخ لك…
و قلبي عليك …
و قلبك علي دافئ
كرائحة جسمك على جسمي
حين دمي يركض
كالغزال ..خلف انقراضه
و الطلقات التي تلاحق خطوه
تعالي ….
هذا هو زمن الفشل
و الصراخ الضحل
تعالي ….
لا قبلة
إلا ما توزعه الجرائد الفضفاضة
على الأفكار الجميلة
وقلوبنا المليئة بالمواجع
هل نسكن كهف وحدتنا ؟!
و تنام راحتاك على القلب
ليموت بهدوء .. ؟!
هو صراخنا ..
و لا واقعة
إلا موتنا القريب
آه …. لو أن الأطفال
في بلادي ..
يرضعون الحجر
لا الحليب
آه لو أن الأطفال في بلادي
يرضعون الدم
لا الهم
لفاجأنا الشمس بالحضور
*** *** ***
هذا الصباح
أخرج من سباتي كالضفادع
أشرب القهوة
أمشي إلى وقتي
الذي ينام كالاضبارة
على طاولة عتيقة
أحمل قلبي …
حين كان فيَّ خفقات
أحمل جسمي ….
حين كان لأصابعي أظافر
و أذهب صوب الوقت الضحل
و البطالة المقنعة
أحمل عقلي …. وهو لا ينام
و اركض خلف اللقمة ..
من اليقظة إلى الأفول
احمل دمي ….
حين كان فيَّ دم
و أمشي خلف الطوابير
و لا زلت أصرخ لك ِ
و في دمي تنتهي الطلقات
*** *** ***
هذي بلادي
حين كانت القبلة حلوة
كوجه ٍ مريمي
هذي بلادي
حين كان لي طفلٌ
و امرأة تعجن جسمي
بأصابعها..
رغيفاً يضيء
وجه العالم
هذي بلادي
حين كان لي جسدٌ و نزوة
هذي بلادي
حين كانت لي قلباً
هذي بلادي
إن تساقطت الطلقات كالمطر
أو الغبار
هذي بلادي
إن عبأت الساحات المشانقُ
و العصيُّ
هذي بلادي
هي فيًّ …. و أنا الرمح القتيل
*** *** ***
أقعد في متحف قهري
أبيع لأشتري
كي تطفر وردة الوحي
و تخرج الشمس إلى فجرها
و اذهب إلى الاستلقاء
و امرأتي تفليِّ ثدييها
أهذا آخر النبع؟!
لا القبلة تغسل الأطباق
لا الحبُّ يُرْضِعُ الأطفال
هي امرأتي ….
تجلس أمام صمتها
و عينها صوب الآبار البيضاء
تجلس أمام الأغنية
ويدها على الضرع الذابل
تجلس أمام المذبح
و كفّها على قلبها المضخة
تجلس أمام وجهها
و روحها تلاحق الانطفاء
لأمضي صوب سكري و قتلي
طفلٌ يأكل ثدي أمه
طفلٌ يلتهم دمي كل صباح
و صراخ
طفلٌ يمصُّ أصابعه كالحلوى
طفلٌ يرضع وجهي
يلوك أمه كالعلكة
و يأكل هذي البلاد
التي خرجت قصيدة
من الحجارة و المساء
إنها بلادي
حين يُقْتَلُ الحلمُ و الغيم
إنها بلادي
حين ينطفئ القلب و الضوضاء
إنها بلادي ….
تحمل آخر الروح الحيّ
و تمضي صوب الفساد بلا خجل
اخرج من طفلي
اخرج من امرأتي
اخرج من وطني
اخرج من كفّي
اخرج من دمي
اخرج من قلبي
اخرج من جسمي
اخرج من روحي
و اركض خلف فنائي
و أنا أتأبط مقصلتي .