.jpg)
"أحلك الأماكن في الجحيم هي لأولئك الذين يحافظون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية " دان براون
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن انقسام البعض في الوطن كان انقسام أفقيا شاقولياً ، فاختار البعض طريقا مخالفا للدولة واختار البعض طريقا موازيا للدولة، والبعض طريقا موارباً ، وآخرون طرق متعددة للاستثمار أو للوجدانيات أو لبناء الذات أو بناء الهدم ، …
بناء الهدم هذا هو أن تهدم بدعوى انه لا بناء يمكن أن يكون متينا في هذا التراخي إلا بالهدم
وللهدم تعاريف كثيرة في هذا الأمر : التخريب ، التدمير ، الكذب ، الاتهام بمعاداة الإنسان ، وحملات دعم تستصرخ من يسمع الصوت أو الصدى لتشكل هارموني لفرق قتل مستمر
لم يكن يدرك كثيرون سذاجة أن قصة استهداف باص المبيت على "اوتوستراد" جبلة – طرطوس في بداية الأحداث ما هو إلا ، وببساطة ، : عمل انفعالي ناجم عن استصراخ أزعر لحدث غير متقبل
ولم يكن يريد أن يدرك كثيرون أن استهداف نضال جنود بهذه الطريقة أو الإعدام بالرمي من الأسوار ، أو استهداف النساء ما هو إلا : ردات فعل طبيعية ، غير مقبولة أخلاقيا، على أفعال غير متقبلة ، حتى لو كانت هي المتبعة في كل دول العالم لحماية الأمن والأمان
وقد كانت الوشاية الحاضرة في البرامج (السياسية والدينية ، ما قبل رمضان وما بعده ، وفي أيام رمضان ) والتي تدعو لشد أزر "المسحوقين المظلومين مذهبيا " زورا وبهتانا عبارة عن عمل انفعال سياسي لمملكة تجد لنفسها الأحقية في تربية بلاد لم ترد أن تنصاع..
ولم يكن الرهان والعمل على تأجيج صراع مذهبي سببه بيئة مشحونة بالشهداء مقابل بيئة مشحونة بآلام النزوح ، عملا قذرا فاشلا فحسب ، وإنما عمل ذو صيرورة استخدامه لزرع التفجير متفجرات ، بشر ، أفكار ، عناوين معيشية ، ….
في البعد السياسي التفاوضي : الرسائل واضحة ، وهي رسائل ممهورة بخاتم الإقليمي وإقرار الدولي ، مهما كانت منظم هذا القتل بأي اسم كانت من منظمات الدم والإلغاء والحقد والإرهاب
في البعد الاجتماعي : بيئتان مسحوقتان تقتات يومها بيومها ويمحو ليلها عذابات ما سبق ليكتب قدر اليوم التالي عذابات اللقمة والنَفَس والوجدان …
إذا وأمام هذه الجملة المتتالية أين هو الألم ، أين هو الحنق ، أين هي المأساة ؟!!!
للبعض كامل الأحقية بالنظرة الوجدانية للضحايا شهداء وجرحى أكان ذلك بلزوم روابط أسرية أو اجتماعية أو إنسانية ، وأنا منهم ، ولكن السؤال الذي لا بد أن يستمر ، فتفجيرات اليوم في طرطوس وجبلة سبقها الكثير وسيلحقها الكثير في كل مدينة سورية سواء بالتخريب أو بالتفجير أو بالعبوات أو بالقذائف أو بالحصار أو بأي شكل من أشكال الضغط المسمى تجاوزا "العصف العنفي لظاهرة الإسلام السياسي وفق التوجه الصهيوني " …
السؤال الذي لا بد أن يستمر أي أنماط الحياد هو الملقى في أحلك أماكن الجحيم الأخلاقي
هل الحياد في حوار سياسي أو صراع سياسي بين كتل سياسية لها البرلمان أو الشارع الثقافي والسياسي بابا للصراع ، لا مواخير الخليج وملاهي الإقليم ومداعر الدولي
هل الحياد في الصراع الإقليمي ، وأي صراع منهم ، إن كان حيادا في صراع أقطاب إسلامية مذهبية ، فهاهو الإمام جعفر الصادق حاضرا في تعليمه وتعاليمه أبا لكل المذاهب الإسلامية شيعتها وسنتها … وهاهو التاريخ الذي يقرّ إقرارا لا لبس فيه أن الصراع على السلطة الإسلامية الأولى لم يكن صراع سنة وشيعة ، ولا خلفاء اختلفوا فتنابوا وتساندوا ، فقتلوا الواحد تلو الآخر …
وإن كان الحياد في الصراع ما بين الصهيونية وفكر المجزرة واللاصهيونية وفكر التوحيد، فهذا أمر يتجاوز الخساسة في حرية الرأي ، ويتجاوز التبرير الأخلاقي في الحديث عن الانتهازية والسلطوية والفوقية والكيد
وإن كان الحياد في الوطن ، فالوطن خزان حضاري ثقافي جغرافي تاريخي بشري حجري فكري، ورغم مستوعبه الكبير جدا إلا أنه لا يمكنه إلا أن يلفظ الحياد جملة وتفصيلا، فكرا ورأيا ، حقا وباطلا ، قناعة أو انفعالا ، ….
وختاما :
لا أجد نفسي إلا صوتا للضحايا الذين سقطوا اليوم في طرطوس وجبلة ، وقبلهما وبعدهما في أرجاء هذا الوطن – الجنة مهما تكالب عليه الجحيم