ولد مارون عبود في التاسع من شباط عام 1886 في قرية «عين كفاع» احدى قرى بلاد جبيل، في أسرة كهنوتية تقية ومتدينة، وتلقى مبادىء القراءة والكتابة في مدرسة «تحت السنديانة» حيث أمضى خمس سنوات (1891-1896)، ثم انتقل الى مدرسة «ماريوسف» في «بجّه» فمدرسة «مارساسين» في قرية «فغال» حيث مكث سنة واحدة، فمدرسة «النصر» الداخلية في قرية «كفيفات» من أعمال البترون، فمدرسة «مار يوحنا مارون»الاكليريكية في «كفرحي»، حيث أمضى ثلاث سنوات (1901-1904)، وكانت الغاية من ادخاله هذه المدرسة ان يخلف أباه وجده في الكهنوت، فدرس اللغتين العربية والسريانية حتى أتقنهما، وقد بدأت تظهر عليه في هذه المرحلة نزعة التحرر والسخرية والنقد، فكان لا يترك حادثة تمر إلا ويعلق عليها بنكتة لاذعة.
في عام 1904 انتقل الى مدرسة «الحكمة» المارونية التي أسسها المطران يوسف الدبس (1833-1907) في بيروت، وكانت أشهر مدرسة في ذلك الحين-فشكلت هذه المدرسة منعطفاً جديداً في حياته، اذ رأى فيها تلاميذ من كل الملل، وأساتذة بارعين كسعيد الشرتوني (1849-1912) وشبلي الملاط (1875-1961) والمير يوسف شهاب…واستروح نسيم الحرية، فأخذ ينظم الشعر ويتجمع حوله عدد من هواته كأحمد تقي الدين (1888-1935) ومرشد خاطر (1888-1961)، وحبيب اسطفان، وسعيد عقل (1888-1916).
أمضى مارون سنتين في مدرسة الحكمة، وفي عام 1906 ودعها نهائياً ليعمل محرراً في جرائد: «الروضة» لخليل باخوس، و«النصير» لعبود أبي راشد، و«لبنان»لابراهيم الأسود، سلاحه قلمه وأدبه وعلمه…ومعلماً في مدرسة «الفرير» وكلية «القديس يوسف»للآباء اليسوعيين، لكن عمله في «النصير» أدى الى فصله من المدرستين معاً، لأن النصير كانت لسان حال الموارنة المطالبين بتأليف مجلس ملّي لأبرشية بيروت المارونية برئاسة المطران بطرس شبلي، اضافة الى كتابته عدة مقالات في النصير تحث الشعب اللبناني على الثورة ضد الاستبداد والمستبدين.
بعد تعطيل جريدة النصير، انتقل عام 1908 الى جبيل، حيث اشترك مع سليم وهبه في تأسيس جريدة«الحكمة» الاسبوعية عام 1910، آملاً ان يجد فيها المناخ المناسب لقلمه، وتولى رئاسة تحريرها، لكنه مع ذلك لم يسلم من الاغارة عليه، وفي هذه الأثناء طلبت منه مدرسة «الفرير» في جبيل ان يدرّس فيها البيان واللغة العربية، فظل يقوم بواجبه بكل أمانة وإخلاص حتى توقفت الدروس بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى 1914، كما توقفت الجريدة، بعد ان نكّل بصاحبها، فعين موظفاً في رئاسة بلدية غرزوز وملحقاتها.
حين اندلعت نار الحرب العالمية الأولى، وامتدت ألسنة لهيبها الى جبل لبنان، وعمّ الظلم والفقر والجوع والتعدي، وانتشرت الأمراض، حتى أكل الناس مالا يؤكل، عاد مارون الى قريته عام 1915، ليعمل في زراعة الأرض، وتربية دود الحرير وإنتاج الخمور وبيعها لتأمين لقمة العيش لأسرته وأقربائه الذين توقفت عنهم المساعدات التي كانت تأتيهم من المهجر الامريكي.
بعد ان توقفت الحرب، تنفّس اللبنانيون الصعداء، وبدأت الحياة تعود الى لبنان، فكر مارون بالزواج، فتزوج عام 1921 من نظيرة عبّود، احدى قريباته، ورزق منها ابنة واحدة وثلاثة صبيان هم: نديم 1924، ومحمد 1926 ونظير 1929، لكنه نكب للأسف بوفاة زوجته بعد ولادة ابنه الثالث بسبعة أيام فتركت هذه الحادثة الأليمة أثراً كبيراً في نفسه، وألقت على عاتقه مسؤولية الاعتناء بأربعة أطفال، كان عليه ان يرعاهم، ويكون لهم الأب والأم معاً، ولم يلبث ان فجع بعدها بوفاة والديه.
لقد ظلّ مارون عبود طوال ثمانية وثلاثين عاماً يتنقل بين الجامعة الوطنية في عاليه، حيث يعمل مديراً ومدرّساً، وبين عين كفاع، حاملاً مكتبته وأمتعته-رحلة في الصيف وأخرى في الشتاء- ويتحمل بصبر أعباء الحياة تساعده بنية قوية، وصحة جيدة استمدها من مناخ لبنان الجبلي، ولم يعرف جسمه المرض إلا حين أجريت له عملية «البروستات» عام 1955، وما كاد يمضي مدة النقاهة حتى عاد الى التدريس في الجامعة الوطنية، يطالع ويكتب ويستقبل مراسلي الصحف.
في عام 1957 ترك الجامعة الوطنية بعد أن أمضى فيها خمسة وثلاثين عاماً، ليلتحق بـ«المدرسة التوجيهية الجديدة» في عاليه نفسها، وبعد ان عمل فيها ثلاث سنوات، أخذ يشعر بدوار في رأسه، فنصحه الأطباء بالاخلاد الى الراحة وعدم الاجهاد، والامتناع ما أمكن عن القراءة والكتابة، فلزم البيت لكنه لم ينقطع كلياً عن العمل الفكري، بل ظل ينقّح مخطوطاته، ويستقبل زواره في «الكسليك» من أدباء وأصدقاء وصحفيين، ويتندّر معهم.
في هذه الفترة التي دامت سنتين ونصف السنة أخذ يتضايق من عدم قدرته على العمل بسبب تصلّب الشرايين ويشكو من الدوار وعدم التوازن، ولذلك خمد نشاطه الجسدي والفكري، الى ان جاء عام 1960 فاشتد عليه المرض وانهارت قواه، لكنه ظل يتمتع بروح النكتة والدعابة والسخرية.
لم يضايقه شيء غير اضطراره لهجر الكتاب والقلم اللذين رافقاه سحابة عمره، وفي الخامس من نيسان 1962 فقد القدرة على النطق، وأخذ يستعيض عنه بإشارات من يديه ونظرات من عينيه، وفي الثالث من حزيران 1962 توقف قلبه عن الخفقان، وأسلم الروح وهو في منزله في «الكسليك» بجونيه، فنقل جثمانه الى «عين كفاع»، حيث دفن في مأتم حافل يليق، بمكانته الأدبية الرفيعة.
آثاره الأدبية
لا يمكن تعداد جميع الآثار الأدبية التي ألفّها مارون عبود أو ترجمها منذ عام 1909، والتي بلغت أكثر من خمسين كتاباً، لكن هذا لا يمنع من ذكر أهمها وهي:
1- النقد: على المحك، مجددون ومجترون، نقدات عابر، دمقس وأرجوان، في المختبر، جدد وقدماء، على الطائر.
2- الدراسات الأدبية: المحفوظات العربية، الرؤوس، رواد النهضة الحديثة، صقر لبنان (أحمد فارس الشدياق)، بديع الزمان الهمذاني، أمين الريحاني، زوبعة الدهور (أبو العلاء المعري)، الشيخ بشارة الخوري، أدب العرب.
3-القصص: وجوه وحكايات، أقزام وجبابرة، أحاديث القرية.
4-الروايات: الأميرالأحمر(بشير الشهابي)، فارس آغا، جواهر الأميرة، رينه وأتالا، العجول المسمّنة.
5-المسرحيات: كريستوف كولمب، مغاور الجن، أشباح القرن الثامن عشر، مجنون ليلى، تاودوسيوس قيصر، الأخرس المتكلم.
6-الأدب والاجتماع: سبل ومناهج، كتاب الشعب، حبر على ورق، من الخراب، الاكليروس في لبنان، قبل انفجار البركان، الشعر العامي، العواطف اللبنانية، سيرة البابا بيوس العاشر، أشباح ورموز .
7-متفرقات: مناوشات (مقالات سياسية)،آخر حجر (مقالات تربوية)،رسائل مارون عبود، مارون عبود والصحافة، مارون عبود من خلال ذكرياته.
8- الشعر: زوابع، ديوان شعر كلاسيكي..
( بتصرف عن موقع وزارة الثقافة السورية )اعداد محمد عزوز