عندما تريد امريكا تحقيق رغباتها في الدول الاخرى تعمد الى سلسلة من الاجراءات السياسية لابتزاز الاخرين حيث تنصب نفسها كمحامي دفاع للدفاع عن حقوق الشعوب المقهورة، وقد اعدت لذلك مجموعة من الشعارات الانسانية البراقة مثل: اعادة الاعتبار للشعوب المظلومة، حماية حقوق الانسان، احترام القانون الدولي، نشر الديموقراطية، محاربة الارهاب، تثبيت دعائم السلام العالمي ومثلها عشرات الحجج البراقة التي تخفي بداخلها الاطماع الامريكية. الحقيقة ان امريكا اخر دولة في العالم يمكنها الحديث حول هذه المصطلحات الاخلاقية. – دولة ابادت عشرين مليون من السكان الاصليين لامريكا لايحق لها التحدث عن حقوق اعادة الاعتبار للشعوب المظلومة؛ – دولة قصفت المدن اليابانية الاهلة بالسكان بالقنابل الذرية لايحق لها التكلم باسم حماية حقوق الانسان لان اول حق من حقوق الانسان هو حقه بالحياة؛ – دولة اعتدت على استقلال 45 دولة عضو بالامم المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لايحق لها التكلم باسم القانون الدولي؛ – دولة تحمي كل الانظمة الديكتاتورية التي تؤيد الاطماع الامريكية لايحق لها التكلم باسم الديموقراطية؛ – دولة أنشأت كل المنظمات الارهابية في العالم لايحق لها التكلم باسم محاربة الارهاب؛ – دولة ابتدعت نظرية الفوضى الخلاقة لتحطيم الدول ونشر الدمار والموت والجوع فيها وتغيير حدودها لايحق لها التكلم بموضوع السلام العالمي. لذا، فان معاهد الابحاث الامريكية للعلوم الانسانية تهتم بكل شاردة وواردة من اخبار الشعوب واحداث العالم ليس محبة بهم بل، لاكتشاف نقاط الضعف والخلاف بتلك المجتمعات لتفجيرها من الداخل عندما تستدعي مصالحها ذلك. ففي افغانستان ايدت المسلمين ضد الشيوعيين، وفي اسرائيل ايدت اليهود ضد المسلمين. في بداية احداث العراق ايدت الشيعة ضد اهل السنة، وفي سوريا تؤيد اهل السنة ضد الشيعة. في كوريا تؤيد الجنوب ضد الشمال، وفي اليمن تؤيد الشمال ضد الجنوب. في السعودية تؤيد الدولة الدينية، وفي ايران تريد دولة علمانية. وهكذا دواليك، اينما بدات مشكلة في العالم تجد وزير الخارجية الامريكي في اليوم التالي هناك لدفع الامور باتجاه التطرف وتمويل كافة الاطراف وتحويل المشكلة المحلية الى مشكلة دولية ثم تعمد لادارة المشكلة لتحقيق اكبر المكاسب على حساب الشعوب الاخرى.
الصراع الروسي الامريكي على القفقاس في عام 1989 بدأ التدخل الامريكي المباشر بالقضية الشركسية سواء في الداخل القفقاسي او في الخارج بهدف توفير الارضية اللازمة لاثارة الفتن لزعزعة الاستقرار وتهديد السلم الاهلي لاضعاف روسيا ونخرها من الداخل. الهدف المعلن لامريكا هو فصل القفقاس عن روسيا عن طريق تحريض القفقاسيين لرفع السلاح بوجه دولتهم وتدمير مايمكن تدميره تماما كما يجري الان في الوطن العربي. ففي القفقاس، اسس يوري شانيبوف عام 1989 منظمة "اتحاد الشعوب الجبلية القفقاسية". وفي الخارج، اسس فتحي رجب عام 1989 "الجمعية الشركسية العالمية" والسيد فتحي رجب هو: رئيس قسم الاتصالات الدينية للشرق الادنى في ادارة المخابرات المركزية الامريكية. وكلتا المنظمتان تدعوان الى اقامة دولة شركسية مستقلة تضم اراضي ستافروبول وكراسنادار وابخازيا وبعضا من الاراضي الشيشانية والانغوشية والاستينية. لزعزعة الاستقرار والسلم الاهلي في القفقاس اعتمدت امريكا على اعادة نشر الفتن القومية والدينية التي سبق للانكليز والاتراك ان نشروها قبل قرنين من الزمان في القفقاس. الخطة الامريكية تنص على اقامة دولتين على اراضي شمال القفقاس وفصلهما عن روسيا. الاولى في شمال شرق القفقاس وتسمى "فايناخ العظمى" وتضم الشيشان والانغوش وداغستان وتقوم على اسس دينية. وفي حال نجاح هذه الخطة توجه ضربة مميتة الى المصالح الروسية في بحر قزوين، وبالمستقبل بامكان امريكا نشر قواتها البحرية هناك لتهديد روسيا وايران واذربيجان وكازاخستان مباشرة. وبذلك تحرم روسيا من اهم قواعدها البحرية وتهددها بشكل مباشر في عقر دارها. الاطماع الامريكية في كاسبي قديمة وبدات التصريحات تخرج للعلن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 حيث صرح وزير الخارجية الامريكي جورج بيكر ان حوض بحر كاسبي- قزوين- ليس مسألة اقتصادية فقط بالنسبة لامريكا بل، موضوع جيو- سياسي ذات اهمية حيوية لمصالحها القومية. هذا التصريح وغيره يدل على رغبة امريكا بالسيطرة على حوض بحر قزوين، وان مشروع اقامة دولة فايناخ العظمى وفصلها عن روسيا سببه الاطماع الامريكية في المنطقة وليس مساعدة الشيشان والانغوش وداغستان. ومن واجبي كمواطن روسي قفقاسي ان انبه الى خطورة اللعبة التي تورط بها بعض القفقاسيين المتطرفين وادعوهم الى اعادة النظر بمواقفهم حتى لايستخدم الاخرون دماءنا لتحقيق مصالحهم كما جرى ذلك ابان الحرب القفقاسية قبل قرن ونصف. والدولة الثانيةالتي تخطط امريكا لاقامتها تقع في شمال غرب القفقاس وتسمى "شركيسيا العظمى" وتضم القبرطاي الذين يشكلون 57% من تعداد السكان في جمهورية كبردينا – بلكاريا، والاديغة الذين يشكلون في جمهوريتهم 21% فقط من تعداد السكان، والشركس الذين يشكلون 11% فقط من تعداد سكان جمهورية قرشاي- شركيسيا. عمليا، من المستحيل تحقيق حلم بناء الدولة الشركسية نظرا لان الاكثرية الساحقة من سكانها لاينتمون لعرق الاديغة- قبرطاي، عدا عن ذلك، فان قسما كبيرا من الاديغة والقبرطاي يفهمون الابعاد الحقيقية لهذه اللعبة ولايريدون اقحام شعوبهم في معركة خاسرة سلفا حتى بدون تدخل الجيش الروسي. يكفي لروسيا تسليح بقية شعوب المنطقة وبالاخص القازاق (20 مليون) لتخنق اية محاولة انفصالية في شمال القفقاس. فاذا علمنا بان تعداد الشراكسة في جمهورية قرشاي- شركيسيا هو اقل من خمسين الف نسمة. وتعداد الاديغة في جمهورية اديغية حوالي 120 الف نسمة، وتعداد القبرطاي في جمهورية كبردينا – بلكاريا حوالي 600 الف نسمة. وعلمنا ان تعداد الشيشان والانغوش والاستين التي يطمح الشراكسة بالاستيلاء على بعض اراضيهم يبلغ حوالي مليونين، والشعوب الناطقة بالتركية التي يخطط الشراكسة للاستيلاء على اراضيهم كالقرشاي والملقار والنوغاي وحلفائهم من القوموق يبلغ تعدادهم حوالي مليون نسمة، والقازاق والروس الذين يخطط الشراكسة لطردهم من القفقاس يبلغ تعدادهم حوالي عشرين مليونا، حتى اذا تجاوزنا الجيش الروسي وامكانياته الاسطورية يتضح لنا استحالة تحقيق الحلم الشركسي وامريكا تعرف ذلك جيدا ومع ذلك مستمرة في خطتها لان هدفها الاول هو اشعال الحرب الاهلية في روسيا واضعافها على حساب شعوب المنطقة وليس للدفاع عن حقوق الشراكسة. تماما كما يحدث اليوم في البلاد العربية حيث شعوب المنطقة تقتل بعضها وتدمر بيوت بعضها وامريكا تحقق مصالحها بدماء الاخرين. فهل يفهم اخواننا الشراكسة اللعبة قبل فوات الاوان؟