تعتبر عملية تزوير تاريخ الشراكسة احدى اكبر عمليات التزوير المقصود للتاريخ. الدعاية الانكليزية-التركية-الامريكية نجحت باقناع بعض الشعوب الغير شركسية بانها شركسية، ونجحت بترويج خرافة وجود دولة شركسية تشمل كل ستافروبول وكراسنادار، وان الروس دمروها وابادوا شعبها وهجروا الباقي منه الى تركيا قسرا. وبعد ان تمت عملية غسل الدماغ هذه، انشأت تلك الدول منظمات قومية متطرفة قائمة على الشوفونية والعنصرية وعقدة الشعور بالتفوق. هذه المنظمات تدعوا بالعلن الى ابادة او طرد قوميات قفقاسية بعينها من القفقاس بحجج مختلفة، وتدعو لكراهية الروس والانفصال عن الدولة. كما نوهنا في المقالة السابقة فان تحقيق هذه الاحلام غير ممكن على الواقع وهي ستجلب المصائب والمآسي على شعوبهم لااكثر.
في هذه السلسلة من المقالات سنثبت بالادلة والوثائق من هم الشراكسة الحقيقيون، وعدم وجود دولة شركسية في القفقاس، وعدم حدوث مجازر بحق القفقاسيين، وعدم طرد روسيا لاي شعب قفقاسي لاسباب قومية او دينية. من هم الشراكسة الحقيقيون؟
الشراكسة الحقيقيون هم قوميات توركية اللسان وينتسبون لامة البلغار. وفي عام 1242 وقعت اوكرانيا الحالية التي كانت جزء من امبراطورية البلغار التوركية تحت سيطرة المغول – الاوردا الذهبية – مما ادى الى تقطع اوصال الدولة وانتشار العصابات واللصوص وقطاع الطرق وايقاف حركة النشاط التجاري. هذا الامر لم يكن بمصلحة ملك البلغار ولا خان المغول.
فعرض البلغار على المغول تأسيس فرق عسكرية متنقلة من القبائل البلغارية الرحل لحماية طرق التجارة ومنع الشعوب المجاورة من تجاوز حدود الدولة او اقامة كيانات مستقلة خارجة عن السيطرة. فوافق خان المغول على الفكرة وجرى تشكيل هذه الفرق العسكرية من القبائل البلغارية التوركية تحت قيادة بلغارية- مغولية مشتركة واطلق عليها اسم "شركس". وفي عام 1313 تولى اوزبك خان المغولي الحكم واعلن اسلامه. ولان الشراكسة كانوا يدينون بالمسيحية، تخلى الخان الجديد عن خدماتهم. وبما ان الشراكسة لم يكن لهم عمل سوى القتال، سرعان ماتحولوا الى فرق من المقاتلين المرتزقة يعملون بخدمة من يدفع لهم اكثر. وانتشروا في منطقة القفقاس وشكلوا تجمعات اشبه ماتكون بدولة لكنهم لم ينجحوا ببناء دولة موحدة ذات سلطة مركزية. شراكسة شمال غرب القفقاس انتشرت على سواحل البحر الاسود مئات القبائل الصغيرة التي لاتفهم لغات بعضها. وكان من اكبر هذه القبائل واكثرها تاثيرا على احداث المنطقة قبائل البسلني والتمركوي والخاتكواي وهي التي اتحدت فيما بعد وتعرف اليوم باسم "الاديغة". بالاضافة لهم انتشرت على سواحل البحر الاسود قبائل الشابسوغ والاوبيخ والابادزيخ والبجادوغ والنتوخاي التي اصطدمت مع القبائل الاديغية بحروب مستمرة. وعندما بدأ الصراع الروسي والتركي والانكليزي على شواطئ البحر الاسود اختارت القبائل الاديغية بالاضافة الى القبرطاي الوقوف الى جانب الروس ووضعوا قواتهم بخدمة مصالح الامبراطورية الروسية. فجاء الرد من الشابسوغ والابادزيخ والنتوخاي بالانضمام الى الحلف التوركي- الانكليزي وبذلك بدأت مايسمى بالحرب القفقاسية وبالحقيقة كانت حربا روسية تركية استغلت خلافات القبائل القفقاسية واستخدمتهم كمرتزقة لتحقيق مصالحهم. وبالنتيجة، خسر القفقاسيون كل شيئ تقريبا حيث اضطر بعضهم للهجرة الى تركيا، واضطر الاخرون للخضوع لجيوش القيصر. من بين كل تلك القبائل القفقاسية اطلق الانكليز اسم "شركس" على الشابسوغ والابادزيخ فقط، وهي القبائل التي حاربت الروس ثم اضطرت للهجرة الى تركيا. والمثير في الامر ان القبرطاي والقبائل الاديغية هي التي قامت بتهجيرهم بدعم مباشر من الروس. وفي المهجر تبنى الاتراك التسمية الانكليزية واطلقوا على الشابسوغ والابادزيخ اسم شركس. وبعد انتهاء الحرب القفقاسية ب 20-45 سنة بدأت موجة هجرة طوعية للقبائل القفقاسية المسلمة الى تركيا تحت ستار الدين. الاتراك كانوا بحاجة الى شباب القفقاس لاستخدامهم في حروبهم، وبناء دروع بشرية حول حدود المدن التي كانت تتعرض لغزو القبائل البدوية، وتغيير الوضع الديموغرافي في بعض المناطق ذو الاكثرية المسيحية. ومن يلاحظ مواقع القرى التي استقر بها القفقاسيون يتاكد له بان الاتراك استخدموهم دروعا بشرية مجانية لتخفيف العبئ عن الجيش التركي في حفظ الامن في المناطق الحدودية. المهم في الامر، ان جميع المهاجرين من القفقاس كالقبرطاي والاديغة والقرشاي والملقار والاستين والداغستان والشيشان والانغوش والنوغاي والاباظة اطلق عليهم اسم شامل وهو "شركس" وبالتالي، فان الشراكسة الذين يعيشون في البلاد العربية ليسوا شعبا واحدا بل، ينتمون الى عشرات من القوميات والقبائل القفقاسية. الشركس بعد الثورة الشيوعية اول احصاء سكاني في الاتحاد السوفيتي جرى عام 1926، والمثير في الامر ان شعوبا باسم "شركس" او "اديغة" لم يكن موجودا في الاتحاد السوفيتي. القبائل الاديغية لم تكن بعد قد اتحدت تحت مسمى "اديغة"، اما الشراكسة الذين يقطنون اليوم في جمهورية قرشاي شركيسيا فلم يكونوا قد تشكلوا كشعب. فقط في اربعينات القرن العشرين، اتحد 5269 من قبيلة البسلني التي هاجرت من سواحل البحر الاسود، مع 3724 من الاباظة، 12 الف من القبرطاي وكونوا مقاطعة خاصة بهم باسم شركيسيا، وفيما بعد اتفقواعلى تسمية القومية الجديدة "شركس" لاسباب سياسية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ادعى المتطرفون الاديغة والقبرطاي ان اسم شركس هو اسمهم القومي الموحد، ثم ظهر مصطلح توحيد الجمهوريات الشركسية.
اما في المهجر، فقد رفضت الشعوب القفقاسية تسمية شركس التي اطلقها عليهم الاتراك وعادت كل قومية الى اسمها القومي الاصلي. فالاباظة يسمون انفسهم اباظة، والشيشان يسمون انفسهم شيشان، والقرشاي يسمون انفسهم قرشاي الخ. فقط الاديغة والقبرطاي ظلوا متمسكين باسم شركس علما بانهم ليسوا من الشركس الاصليين ذو اللسان التركي، وليسوا من شراكسة البحر الاسود.
خلاصة:
1-الشراكسة الحقيقيون قبائل بلغارية مقاتلة توركية اللسان
؛ 2- شراكسة البحر الاسود هم الشابسوغ والابادزيخ فقط والانكليز هم من اطلقوا عليهم هذا الاسم.
3- شراكسة المهجر ليسوا شعبا واحدا واسم شركس اطلق عليهم مكصطلح شامل بمعنى قفقاسي؛
4- الاديغة والقبرطاي انتحلوا اسم شركس لانفسهم لاهداف سياسية يحققون بموجبها هدفين:
– المطالبة باراضي الشراكسة الاتراك لاقامة دولتهم عليه؛ –
انتحال مآسي شراكسة البحر الاسود ومطالبة روسيا بالتعويض عن الاضطهاد. هل كان حقا هناك دولة شركسية تمتد بين بحري الاسود وقزوين اقامها اجدا الاديغة والقبرطاي؟
وهل اضطهدت روسيا اجداد الاديغة والقبرطاي وابادت 90% منهم وهجرت الباقين؟
هذا ماسنجيب عليه في الحلقات القادمة.