الاديغة والقبرطاي والقرشاي والملقار والاستين هاجروا طوعا بعد انتهاء الحرب بعشرات السنين.
يقول الاب الروحي للمثقفين القبرطاي في القرن 19 السيد نوري تساغو: (منذ اكثر من ستين سنة ونحن نهاجر الى تركيا ونترك وطننا المبارك ونعد ذلك انجازا عظيما. الان لم يبق لنا الا ان نلجأ الى الله، هل يغفر لنا لعبتنا العمياء؟ الحمد لله، فليس الجميع يرغب بترك بيت والده ووطنه والهجرة الى تركيا). وكما هو واضح، فالنص يعترف بان الهجرة طوعية وعائدة لرغبة الافراد ولا يوجد لاتهجير ولا اضطهاد ولا قتل. نوري تساغو بنفسه كان احد المهاجرين الى تركيا ثم عاد عام 1911 الى نالشك واصدر جريدة يشجع فيها القبرطاي على عدم الهجرة ويحرض المهاجرين على العودة للوطن. انا راجعت كل المرثيات الاديغية والقبرطية التي كتبت آنذاك ولم اجد مرثية واحدة تذكر بان الروس طردوهم، لم اقرأ مرثية واحدة تلعن الروس لانهم اجبروهم على الهجرة بل، هم يلعنون امراءهم الذين خدعوهم واخذوهم الى تركيا غصبا واستغباء. وكل هذه الاتهامات لروسيا والتحريض عليها بدأت بعد تأسيس الجمعية الشركسية العالمية في هولندا عام 1989.
وعلى سبيل المثال اقدم احدى المرثيات: الغربان السود تنشر اجنحتها انزور اللئيم تولى الامر لن نرى وطننا بعد اليوم كل جوازات سفرنا مزيفة لقد استغبونا، ولايجوز لنا النقاش ومع ذلك، هناك من يدعي بان الروس طردوهم. الهجرة الى تركيا كانت تتم عن طريق تقديم طلبات هجرة رسمية للدولة الروسية التي كانت بدورها تخاطب الحكومة التركية عبر الطرق الدبلوماسية، وبعد ان يؤمن الاتراك للعائلات الراغبة بالهجرة اماكن الاقامة والارض ومصاريف الاعاشة كانت روسيا تزودهم بجوازات سفر رسمية وتسمح لهم بالهجرة. ومن خلال مراجعاتنا لتلك الطلبات اتضح لنا بانها جميعا قدمت بعد انتهاء الحرب القفقاسية بعشرات السنين اي، في زمن السلم. فاين ترون التهجيرالقسري للاديغة والقبرطاي والقرشاي وحملات الابادة والاضطهاد ضدهم؟ فيما يلي نموذج لاحدى الطلبات:
طلب مقدم من طاطوخ قوشا بي لي الشرف بان ارجو سيادتكم ان لاترفضوا طلب بالهجرة الى تركيا مع عائلتي المكونة من: زوجتي مديحة وعمرها 50 سنة. ابني احمد عمره 12 سنة. ابني محمد عمره خمس سنوات. ابني سفر عمره ثلاث سنوات. ابنتي كولو عمرها سبع سنوات. ابنتي فاطمة عمرها ثلاثة اشهر. اسمحوا لنا بالهجرة من منطقة كيجماي الى تركيا. نظرا لامية الرجل كتب الطلب السيد ادوارد الكساندروفيج ستاركوف. 5 تموز عام 1893. اي بعد انتهاء الحرب القفقاسية ب 29 سنة. كل المهاجرين الاديغة والقبرطاي والقرشاي والملقار هاجروا بهذا الشكل فاين ترون الطرد؟ وبالنسبة لهجرة القرشاي، فقد ارسل لنا الاخ الفاضل زياد اسحاق هذه االفقرات: "أورد ماسمعته من جدتي، بعد انسحاب القوات العثمانية من القفقاس انتشرت شائعات بأن الروس سوف يستقرون في القفقاس ضمن القرى القفقاسية وأنهم يقولون سنتعايش مع بعض بسلام ونتزوج من بعض وسيكون المختار منا وهذا لم يعجب القفقاسيين المتشددين. وكانت الرسائل تتوالى من بلقار بي وجد الحاج كاظم من بيت سولو فقد كانا قد هاجرا إلى دمشق قبل القرشاي بثلاث سنوات ويطلبان من القرشاي والملقار الهجرة إلى سوريا ويصفان الشام وطيبة أهل الشام. وانتشرت اشاعة أن الشام هي ستكون أرض المحشر يوم القيامة. وكان معروف عن الشام أن فيها سكر، والسكر كان من دلالات الحضارة. 636 شخص كانو ممن خرجوا من عدة قرى قرشاي وملقار وركبوا سفينة انكليزية وأن السفينة جنحت وتعطلت في البحر الأسود وكادت تودي بهم لكنهم وصلوا إلى استانبول ومما سمعته أيضا" أن أهالي المهاجرين لم يكونوا راضين عن هجرة اولادهم وأنهم دعو عليهم بأدعية بشعة لأنهم يتركونهم ولأن الفراق صعب. وكثيرا ما ترك ابن أباه أو ترك أخ أخته أو أخت أهلها لتهاجر مع زوجها. لذا، نرجوا من اخوتنا الاديغة والقبرطاي القرشاي ان لاينخدعوا بالدعايات المغرضة لبعض المتطرفين القوميين الذين لاعلم لهم بالتاريخ لانهم قد يسيؤون لقومياتهم وهم يظنون انهم يفعلون حسنا.
شهادة صديقنا رانسي عن ابيه حديثي بالأمس كان مع والدي مطولا حول هذا الموضوع، (التهجير القسري) بدء بشكوى مني لوالدي بأنني في الثلاثين من العمر ولا أعلم عن قضية عمرها 150 سنة تتعلق بتاريخي سوى جملة واحدة وهي ( روسيا أبادتنا – روسيا هجرتنا – روسيا ظلمتنا). وخرجنا من الظلمات إلى النور في حديثنا عندما بدء والدي يشرح لي الحقائق التي هو أيضا لا يعلم لماذا لا يتكلم بها بين العامة من الناس وكأن هناك جبلا يقف على لسانه يمنعه من الحديث بهذه الأقوال قال لي : معظم الشراكس الذين يستوطنون جنوب القفقاس كانوا يسمون "بزاجه" أي زعران واصحاب مشاكل ولصوص. وفي ذلك الوقت كانت انكلترا تحيك المكائد بالتنسيق مع تركيا لزعزعة الوضع في روسيا القيصرية وقد استغلت عامل الدين لاستمالة هؤلاء للإيقاع بروسيا بموقع الاتهام بأنها تسيء للأقليات الدينة وللإسلام خاصة. وكانت تركيا الوسيلة الكبرى لجذب المسلمين في ظل الدولة العثمانية وقد دخل لأراضي القفقاس الكثير من السماسرة الأتراك ليشتروا نفوس زعماء القبائل والقرى هناك بالمال. وكان يتم الاتفاق بين زعيم القرية والسمسار التركي فيقوم زعيم القرية بالهجوم على بعض الجنود الروس مما كان يستدعي من الروس اقتحام القرية للبحث عن الفاعلين. فيقومون بتصوير ذلك على انه حملة تطهير ضد المسلمين ويحرضون الشعب على الهجرة الى بلاد الاسلام. ويقوم الناس في القرى التركية الواقعة بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية باستقبال المهجرين بكل تهليل وحفاوة وتوزيع الأراضي والبيوت لهم. وقد كان الهدف الأساسي هو الحصول على أناس يكرهون روسيا لكسرها لاحقا بالاستعانة بهم في الحروب ضده وهذا كان حال من قاتل إلى جانب هتلر ضد الروس في الحرب العالمي. المهم ان والدي اعترف ولأول مرة أن روسيا لم تهجر الشراكس قسرا بل هناك من تآمر عليهم وهناك من اشترى ضعاف النفوس فيهم وهناك من باع وطنه بحجة الدين وبحجة الخلاص.
شهادة الاخت منى كنت اسمع من عائلتي التي هاجرت إلى مدينة الرقة السورية في عام 1905 انهم خرجو بسهولة ويسر من القفقاس بعربات وكان قصدهم الى الحج وللعلم كان جدي يحمل جواز سفر روسي في ذلك الوقت. وكان والد جدي غالباً ما يقول مرثيات غنائية حزينة على بعده عن وطنه وارضه انها فعلاً مؤامرة على القفقاسين لاخراجهم من ديارهم…وما اشبه حال السوريين اليوم بأمس الشراكسة وما جرى لهم على يد العثمانيين اللا اسلاميين ….فإن كيدهم عظيم. يتبع