……………..تركـــــــــــــيا العثمــــانية بطبــــعة أرد وغا نية
……………..لماذا تنـــكبت "الكمـــالية " واعتمدت الاخوانية ؟
……………..لماذا يشــجع الغرب الأنظــــمة الدينـــــــــــــية ؟
ــــــــــــــ الاستاذ المحامي محمد محسن ــــــــــــــــــــــــــــ سورية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤال مفصلي وتاريخي يملك كل المشروعية لراهنيته ، يتوارد لذهن كل متابع للتفاعلات الاجتماعية والانسانية والسياسية والثقافية على المستوى العالمي في هذه المرحلة ، هل هناك بداية تحول ؟ أم نذر نقلة تاريخية نوعية ؟، أم حالة ارتداد ورجعة على مستوى العالم ؟، أم على المستوى التركي فقط .؟
هذا التساؤل يستدعيه التخلي النسبي عن العقلانية والارتداد العام على مستوى العالم إلى الدين والفكر الديني ــ تركيا نموذجاً ــ ماهي التحولات التي قادت إلى هذه الرجعة ؟، وهل الغرب الاستعماري بقيادة أمريكا يرغب بذلك ويعمل من أجل تحقيقه ولماذا ؟
.
لاريب أن السقوط المدوي للاتحاد السوفييتي كقطب عسكري ،وسياسي ، وفكري ، وثقافي ، وفلسفي ، حتى ونمط حياة ، والذي أسقط معه جميع الأحزاب التقدمية العقلانية التي تتبنى الفلسفة الاقتصادية والفكرية للماركسية اللينينية القائمة على مبدأ الصراع الطبقي ، وكل الاحزاب التقدمية وحركات التحرر في العالم الثالث ، بما فيها النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني على مستوى العالم وبخاصة في أوروبا وأمريكا .
ذاك السقوط المدوي والذي جاءت هزيمة الأحزاب والنقابات كارتدادات له أنتج هزة تاريخية أكبر من اية هزة أرضية ، لأنه حول مجرى التاريخ وأحدث خللاً من حالة شبه متوازنة بين قطبين متوازيين إلى انزياح وميلان وحالة حسم وانتقال لصالح معسكر واحد متجبر وقادر وقاهر ، خلف حالة اجتماعية دولية راكدة وقلقة وغير مستقرة لا تفاعل فيها يصفر في جنباتها الفراغ ، والزمان والمكان والتاريخ لا تقبل الفراغ فعاد الفكر الديني العتيق الصدئ ليملأ ذاك الفراغ
تفرد القطب الواحد الأوحد بقيادة وزعامة وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مطلق فلا راد لها ولا معارض ، ، ومنذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي وهي تمسك " السوط " أو " الكرباج " لتؤدب من لا يرفع العشرة مستسلماً ، و يا ويل من يرفع سبابته مستفسراً أو معبراً عن تبرمه من الوصاية الأمريكية ، فهي السيد المطلق والآمر والناهي .
وبهزيمة الأحزاب اليسارية العقلانية وحركات التحرر والنقابات المهنية على مستوى العالم ، فقدت المجتمعات الانسانية من اقصاها إلى أقصاها ، طلائعها ونخبها وقياداتها الحزبية والنقابية التي كانت تعبر عن متاعب الشعوب الفقيرة والمنهوبة والمستضعفة وعن آلامها وآمالها ، وتناضل من أجل رفع ظلاماتها ضد ظالميها من شركات احتكارية أو مؤسسات سلطوية تغتصب حقوقها ، وبذلك تكون الشعوب قد فقد ت أدوات نضالها وقياداتها الفاعلة التي كانت تقوم بدور تثويري وتنويري وتثقيفي دائم .
وتقوم القيادات الحزبية والنقابية بالنسبة للمجتمعات الانسانية ، بدور الشرايين والأوردة بالنسبة لجسم الانسان ، تلك تنقل الوعي لأفرادها وتعالج همومهم وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم المهدورة وتخلق مجتمعاً حيوياً وفاعلاً ونشطاً ، وهذه أي الدورة الدموية تشكل نسغ الحياة للإنسان بدونها لا حياة .
.
فالمجتمعات بدون أحزاب ونقابات فاعلة ونشيطة تتحول إلى مجتمعات راكدة خامدة لا حركة فيها ، حتى الفعل الثقافي يضمر لأن الدوافع والمرغبات تتماوت مع تماوت الفعل الحيوي وتقترب من الحالة المستنقعية ، التي يكثر فيها الهوام والطفيليات ومنها تتوالد الأمراض الاجتماعية . وهذه هي البيئة المثلى للفكر الديني الغيبي المتخلف ، لأن المجتمعات التي تفقد طموحها النضالي وقدرتها على التغيير تفقد معهما حيويتها ورغبتها حد الملل ، وتستسلم لمصيرها الحياتي الروتيني ، فلا رغائب ولا طموحات بل حالة استسلام للسلطات الحاكمة وعزوف عن أي فعل اجتماعي مؤثر وهام ، وفي الغرب تصبح الطبقات العاملة أداة طيعة ومستسلمة بيد مدراء الشركات وأزلامهم
أما شعوب العالمين الثالث والرابع ، فتعود إلى سيرتها الأولى إلى القبيلة والعائلة والطائفة ومن ثم إلى المذهب ، والتي تعمل جميع الأجهزة الأمريكية المعنية لتظهير ذلك وتلميع صورة الأحزاب الدينية كبديل للحركات الوطنية التقدمية العقلانية
…………………………………..هنا " مربط الفرس "
………..هل ينطبق هذا المسار التراجعي الارتدادي النكوصي على الواقع التركي ؟
وكما يعلم الجميع أن مصطفى كمال أتتورك ومنذ منتصف العشرينات من القرن الماضي ، انقلب على السلطنة العثمانية ولبوسها الاسلامي وقضى على كل مظاهرها الدينية حتى الطربوش ذو الدلالة الاسلامية استبدله بالقبعة ، ونقل تركيا من دولة اسلامية إلى دولة مدنية ، حتى أنه وامعاناً في التخلي عن الفكر الاسلامي استبدل الحرف العربي بالحرف اللاتيني ، وأغلق جميع المدارس والمعاهد الدينة
وسارت الدولة التركية على هذا النهج الأتتوركي من منتصف العشرينات من القرن الماضي حتى أوائل التسعينات من ذات القرن ، تاريخ انهيار الاتحاد السوفييتي ، حيث بدأت بوادر الارتداد والتخلي عن المسار العقلاني والنهج العلماني وظهور مقدمات العودة والنكوص ، وبدأت الحركات الاسلامية من بين الركام ، معلنة عن نفسها بأكثر من لبوس على حساب "الكمالية "، جمعيات خيرية دينية ــ جمعيات غولن ــ الحزب الاسلامي بزعامة " أربكان " وحركات إسلامية بدأت تتصاعد تعلن عن نفسها حتى تقمصها ارد وغان " الإخونجي "
.
هذا المناخ الذي استدعى الحركات الاسلامية هو جزء من المناخ الدولي الذي شهد هزيمة الفكر الاشتراكي العقلاني وأحزابه ومنظماته ، وآذن بتنا مي الفكر الديني على المستوى العالمي وهو ارتداد موضوعي لهزيمة العقلانية ، واستجابة لحالات التردي التي تلقى كل الرعاية والعناية من الغرب الاستعماري ، لأن التمذهب هو الشكل الأمثل للإبقاء على المجتمعات متناحرة متخلفة ، يسهل التحكم فيها والسيطرة عليها ونهبها.
شملت الارتدادات والتراجعات العالم بأثره ولكن كانت تركيا الدولة الأسرع في تلقف معطيات الواقع ، حيث بدأت أحلام العثمانية القديمة تراود قادتها ، فقررت التنكر للكمالية فعلياً ولو بقيت ترفع صورة أتتورك فوق رؤوس قادتها والعودة إلى اسلاميتها الشكلية الطقوسية آملة إعادة السيطرة والتحكم من جديد على " العالم الاسلامي " لتحقق مجالها الحيوي تحت شعار " صفر مشاكل " وهو الشعار الذي رفعه فيلسوف الاردوغا نية " أحمد داوود أوغلوا " لكن وبدلاً من "صفر مشاكل "وصلت المنطقة إلى" صفر صداقات " ، لأن الريح مشت بما لا تشتهي السفن ؟
…………………..وماذا الذي حدث لتركيا وللمنطقة ؟؟
صحيح أن "الربيع العربي ، أو بالأصح الشتاء الأسود " رفع شعار الديموقراطية ولكن كانت مطيته وسلاحه الإسلامية الوهابية ونسختها المعدلة الاخوانية ، وبتكاتف سعودي تركي وبقيادة أمريكية أوروبية تم استنفار كل قوى التوحش والظلام ، وأخرجوها من جحورها وزودوها بكل سكاكين العالم وسيوفه وأطلقوها قطعاناً وطلبوا منها تمزيق جسد سورية وكل من يشد أزرها ، فكانت الحرب التي لم تبقي بيتاً ولا حقلاً ولا مواطناً إلا أصابته بمصيبة أو رزية ، وباتت الشهادة "عنوان مرحلة " تم كل هذا تحت رغبة ورعاية أمريكية هادفة تنصيب الحركات الاسلامية على مقاليد الحكم في المنطقة ، وهذا تفيد منه أمريكا والسعودية وتركيا .
.
واستجابة للقول الدارج ــ طابخ السم لابد آكله ــ فإن تركيا والسعودية هما وبكل تأكيد من أوليات الدول التي سيأكلها الارهاب بعد ان يفر من سورية والذي وظفوه وتخادموا معه ، فهما البلدان المرشحان لاحتضان الارهابيين من المدرستين الاخوانية والوهابية لأن الإرهابيين سيجدون في الدولتين الحضن الدافئ والبيئة الحاضنة والأم الرؤوم لهم ، لأنهم وعبر سنوات ستة لاقوا من شعب هاتين الدولتين وحكومتيهما كل الرعاية والاحتضان والدعم العسكري والمادي والأهم الروحي الذي لامثيل له .
…….تركيا الا رد وغانية أين المفر ؟ كشفت هويتها الدينية أمام جميع الدول ، وبات الجميع يدركون أن تركيا هي واحدة من ثلاث دول ترعى الإرهاب ، ولما كان الارهاب قد بات آفة عالمية فهذا سيؤدي حتماً إلى تحميلها مع السعودية وقطر المسؤولية عن أي فعل ارهابي في اي دولة من دول العالم ، وستلعن تاريخياً من كل شعوب العالم .
.
كما أن القوى العقلانية التركية التي عمل أردوغا ن على تحجيمها ، لن تقف مكتوفة الأيدي وبخاصة المؤسسة العسكرية التي ترسخت عندها العقلانية الأتتوركية ، فهي ستدافع عن تلك التقاليد ، كذلك باقي القوميات المضطهدة من الأكراد والعرب والأرمن ، ستشكل الأداة الأهم في تقويض أسس هذا النظام وستكون حليفاً لأي عمل يحول وسيطرة الفكر الإخواني على مؤسسات الدولة ، كما أن النظام الأردوغاني بات محاطاً بالأعداء من الجهات الأربع ، من روسيا الاتحادية والعراق ومن سورية وايران ؟ وبالنهاية أين موقفها من الارهاب القادم إليها ، ليؤدي تحية الشكر لكن على طريقته .
هل سيقبل المجتمع التركي حالة النكوص والارتداد الديني الذي بات يسم الدولة التركية الأردوغانية ، ؟ وهل ستقبل القوى العقلانية والأحزاب التقدمية والقوى القومية المتضررة من وصاية القومية الطورانية المتغطرسة التخلي عن الكمالية ؟. أسئلة سيجيب عليها المستقبل ولكن كل المؤشرات تقول : كما خسر أردوغان هوية الاتحاد الأوربي سيخسر حلمه بإعادة العثمانية البغيضة وستلعنه شعوب المنطقة وتحمله ومملكة العهر السعودية مآسي كل المنطقة .
………………. ……….وسيلعنهما التاريخ والجغرافيا