يحيى دبوق – الأخبار
هل تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما يشمل الأردن وإسرائيل، عن «تعويض» جراء انكسار الجماعات المسلحة ميدانياً في حلب؟ المؤشرات الواردة من أكثر من اتجاه تدل على ذلك. ساحة التعويض، كما يبدو، هي الجنوب السوري، والعنوان المعلن، كما العادة، هو محاربة تنظيم داعش
انتصارات الجيش السوري وحلفائه في حلب، شمال سوريا، تعد إنجازاً عسكرياً كبيراً، ومن شأنه أن يلقي بظلاله على كامل المعادلة الميدانية القائمة في الساحة السورية.
ليس بين الأطراف المتحاربة بشكل مباشر وحسب، بل أيضاً بين الرعاة الدوليين والإقليميين للقتال في سوريا، وفي مقدمهم الولايات المتحدة وروسيا.
النتائج الأولية للانتصارات هي التأثير السلبي، من ناحية واشنطن وحلفائها، على التوازن الميداني الذي كان قائماً حتى الأمس، والذي لم يكن يسمح للطرفين، كمحورين، بتثمير الحضور والمكانة والسيطرة الميدانية، إنجازات سياسية على طاولة المفاوضات، إن لجهة فرض تسوية، أو لجهة صدها، ما دفعهما الى المراوحة.
يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة وحلفاءها، بما يشمل إسرائيل والأردن، كما تشير المؤشرات، قرأوا جيداً اتجاه الواقع الميداني وتطوراته الأخيرة، وتيقنوا من خسارة الجماعات المسلحة في الشمال، وباتوا معنيين بمحاولة إيجاد توازن ميداني ما، يمنع الدولة السورية وحلفاءها، أو يحدّ في أقل تقدير، من تثمير إنجازاتهم سياسياً… مدينة حلب تحديداً، قد تكون تعادل في أهميتها الاستراتيجية أهمية العاصمة دمشق، في تحديد وجهة الحرب ونتائجها.
الواضح، بحسب المؤشرات الدالة في اليومين الأخيرين، أن المنطقة المرشحة كي تكون مسرحاً لمحاولة إيجاد توازن ميداني، هي المنطقة الجنوبية من سوريا، المحاذية للأردن وإسرائيل. تصريح وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، بأن «التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، سيبحث فرص مهاجمة التنظيم من الجنوب السوري»، يأتي في سياق هذا التوجه، وكذلك جملة من المتغيرات الميدانية، التي أقدمت عليها فصائل مسلحة، ومن بينها «جبهة النصرة»، بانسحابها من مواقعها في أطراف حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي، تداركاً وابتعاداً عن التدخل الأميركي المرتقب، تحت عنوان محاربة «داعش».
تعادل حلب في أهميّتها الاستراتيجية أهمية العاصمة دمشق
إلّا أنّ البارز، أمس، تسريبات نشرت في الإعلام العبري، حول مناورة للجيش الإسرائيلي والجيش الأميركي، في منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة، وصفت بأنها «واسعة النطاق»، حاكت حرباً وقتالاً مشتركاً ضد «داعش» ضمن مناورة مركبة لمواجهة التهديدات (موقع القناة الثانية العبرية)، وتحديداً ما يتعلق بقتال في المناطق المبنية وإنزال قوات خلف خطوط العدو. وهي مناورة لا يمكن فصلها عن سياق «البحث عن الفرص»، في الجنوب السوري، كما ورد على لسان كارتر.
في الوقت نفسه، أعلنت مصادر عسكرية في تل أبيب عن تطور جديد في المقاربة للساحة السورية، وأنّ الجيش الإسرائيلي قرّر زيادة «المساعدة الإنسانية» للسوريين، عبر فتح الحدود مع سوريا في الجولان، مقابل مناطق سيطرة المسلحين في الجنوب السوري. اللافت أكثر في التقارير الإسرائيلية، أيضاً، التأكيد أنّ الجيش الإسرائيلي يدرس طلباً من جمعية «عماليا» التي يرأسها رجل الأعمال الإسرائيلي ــ الأميركي، موتي كاهانا، المعنية بـ«إغاثة» اللاجئين، حول توسيع «العمل الإنساني» في سوريا. وأشار كاهانا في حديث مع موقع «يديعوت أحرونوت» إلى أنّ من بين أهداف المنظمة إقامة «منطقة آمنة» في الجنوب السوري. موقع «يديعوت» لفت الى أنّه «في حال موافقة المؤسسة الأمنية على طلب المنظمة، فإنها ستبدأ عملها في الأسابيع المقبلة، بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي». والحديث الإسرائيلي هنا، حديث طموح جداً، ويشير إلى مرحلة ما بعد التدخل والسيطرة وإن بالوكالة، على الجنوب السوري.
المؤشرات الواردة واضحة. هناك خطة أميركية موضوعة لإعادة التوازن الميداني في سوريا عبر بوابة الجنوب السوري، أو في أقل تقدير، البحث عن إمكانات ذلك، تحت عنوان محاربة «داعش»، ذي الحضور المتواضع نسبياً في المنطقة، الأمر الذي تأمل واشنطن من خلاله إمكان تحقيق توجهاتها وإنجاحها. الجهات المشاركة في وضع الخطط كما يبدو هي إسرائيل والأردن، إلى جانب الولايات المتحدة، أما رأس الحربة الموكل إليه القتال الميداني، فمن المقدر أن يكون خليطاً من الجماعات المسلحة، الموجودة حالياً في المنطقة الجنوبية وتدور بصورة مباشرة أو غير مباشرة في فلك الجهات الثلاث (أميركا، الأردن وإسرائيل)، إضافة إلى وحدات تستقدم من خارج سوريا، في حال التمكن من ذلك.
«المناورة الواسعة النطاق» التي أعلنت عنها إسرائيل، وحاكت قتالاً برياً مشتركاً مع الأميركيين ضد «داعش»، هي دليل على أن التوجه القائم نحو الجنوب السوري تجاوز مرحلة التخطيط. لكن في الوقت نفسه، لا يعني سيناريو المناورة بالضرورة أنه قابل للتنفيذ، لكنه يعني وجود مسعى للاستعداد الفعلي لأسوأ السيناريوهات، حتى مع استبعادها ابتداءً. لن تشهد المنطقة الجنوبية، على الأرجح، دخولاً برياً مباشراً للجيش الإسرائيلي، والمقدر في حال دخول الخطة حيز التنفيذ أن يقتصر الدور الإسرائيلي على الجانب الاستخباري والإسناد المعلوماتي وقدر محدود من المساندة العملياتية المباشرة بواسطة سلاح الجو وطائرات الاستطلاع غير المأهولة، مع العلم بأن إسرائيل سارعت، كما هي العادة المتبعة لديها، إلى محاولة قطف النتائج قبل التنفيذ.
التوجه موجود. الهدف هو التعويض عن خسارة الجماعات المسلحة لحلب والحدّ من تداعياتها على مجمل الساحة السورية. لكن ما هو حجم التدخل ومداه والنقطة النهائية المقصودة منه؟ الإجابة مرهونة بتطورات الأيام المقبلة، والقدرة لدى الأميركيين على «تليين» الميدان ومستلزمات الخطة. إلا أنّ القدر شبه المتيقن، أن المؤشرات تدل على أن الجنوب مقبل على تسخين ميداني، وإن جاءت نتائجه كما هو مخطط له، فمن شأنه أن ينعكس بمستوى أو بآخر، على مجمل الساحة السورية، مع الأمل بأن يحدّ من تداعيات انكسار المسلحين في حلب، غير القابل في القراءة الابتدائية في أقل تقدير، للترميم والحد من الخسارة.