بعد خمس سنوات من هذه الحرب القذرة المفروضة على بلدنا من الخارج والممهد لها من قبلنا.. وبعد فاتورة الدم والقتل والتدمير والجوع والقهر والتشريد والهجرة والعبث الممنهج ببنية المجتمع السوري وسرقة وتدمير العقل والمستقبل السوري.. أتساءل هل باستطاعتنا الاستفادة مما حدث ؟ وأقول بالتأكيد أن الثمن سيكون اكبر ان لم نستفد من ذلك ويكفي ماوصلنا اليه من دماء وتدمير ناجم عن تجهيل وتسميم العقول بمسميات وشعارات مختلفة ويكفينا تكاذباً وازدواجية بين القول والفعل والكل مشارك فيها بلا استثناء على الصعيد الرسمي والمجتمعي.. ولكن حتى نستفيد يجب ان نكون صادقين مع انفسنا ومع وطننا في البحث وبجرأة في الأسباب التي أوصلت مجتمعنا الى مانحن فيه، وبتغيير آلية التفكير والتعاطي بطريقة التنظير والتكاذب والتخفي خلف شعارات التسامح والتعايش والخطب والمواعظ الرنانة .. ولنعترف أننا كنا نعيش ضمن صيغة التعايش المشترك وليس العيش المشترك ولنعترف أيضاً وللأسف بأن أكثرنا كان يعيش بظل ازدواجية في التفكير بين القول والممارسة وبين مقولة " نحن وهم " ومصطلح " جماعتنا وجماعتهم " في الغرف الخاصة والبيوت المغلقة وربما في المجتمعات الصغيرة والكبيرة أيضآ ..فكيف لي أن أتصور أن هناك مثلآ من يحمل فكرآ اشتراكيآ أو ماركسيآ أو علمانياً وبداخله نزعة دينية متزمتة ؟ أو كيف لمن يتبوأ المناصب العليا أو يحمل الشهادات العالية أو من أدعياء الفكر والثقافة أو من بناة الأجيال في مراحل التعليم المختلفة أن ينساق قولآ وممارسةً مع خطاب طائفي أو فكر متخلف لاوطني تتناقض مع كل افكاره المزعومة أو ثقافته المفترضة ..
وبالتأكيد أنا لا أعني شخص محدد أو مجموعة معينة أو دين معين ولا طائفة واحدة بعينها على الاطلاق ولنكن صادقين مع أنفسنا .. وكيف لي ان أتصور أن هناك سوري ومهما كان انتمائه ومهما كانت المبررات أو الاسباب " تحت يافطة الفعل ورد الفعل " يمكن ان يقتل ويخطف ويسبي ويسرق ويشبح ويعفش .. الخ من هذه الأفعال الطارئة على مجتمعنا..
واليوم وبعد خمس سنوات واذا كنا جميعآ نقر بأن سوريا بكامل ترابها هي وطن نهائي لنا علينا جميعآ على المستوى الرسمي والمجتمعي أن نسارع للملمة ماتبقى من الوطن وجراح الوطن بعقد وطني مقدس يعتمد تكريس ثقافة الانتماء الوطني للهوية السورية ببعدها الانساني أساسآ وحيداً جامعآ لكل السوريين وفصل الدين عن الدولة لنصل بالنهاية لعيش مشترك وليس تعايش مشترك في مجتمع سوري آمن ومحصن يضمن مستقبل أولادنا وأحفادنا والى أبد الآبدين .. وهو جهد جبار رسمي ومجتمعي وعمل شاق يبدأ من البيت والمدرسة والمجتمع وفق برنامج وطني شامل وخطة واضحة ومعلنة ومبرمجة تشارك بها كل الجهات الرسمية المعنية والقوى المجتمعية الحية .. ويجب أن نعي جميعآ أن انتماءنا الوطني السوري منطبق تمامآ على اي انتماء آخر ديني او طائفي أو قومي بدون زيادة او نقصان.. ويجب أن نعي أيضآ أنه عندما يتجاوز انتماءنا الوطني على انتماءنا الآخر فذلك نوع من التكاذب والنفاق الذي أوصلنا الى مانحن فيه .. وبالمقابل اذا تجاوز انتماءنا الآخر على انتماءنا الوطني فذلك انتحار مميت وكذلك أوصلنا الى مانحن فيه ..
العقد الوطني الحقيقي ان يتطابق انتماءنا الوطني مع انتماءنا الآخر مهما كان.. وعندها نقر جميعآ قولآ وعملآ بأن سوريا وطن عابر للأديان والطوائف والأثنيات وأن سوريا النا كلنا وسوريا بتوسعنا كلنا وسوريا بتجمعنا كلنا .. والا سيضيع دماء شهداءنا هدراً وسنكرر أخطاءنا المميتة وندفع ثمناً غالياً كل عقد من الزمن او اكثر ونظل نتحسر على ماضي حضارة سورية كانت منارة نور وعلم وانسانية اشعت على كل العالم … فهل نعي ونعمل ………….؟!
المهندس نبهان نبهان