كاتب مسرحي وقاص وشاعر ومنظّر ومخرج مسرحي ألماني ولد في آوغسبورغ عام 1898. كان والده بروتستنتياً ومديراً لمصنع ورق، أما أمه فكانت كاثوليكية متدينة، أمضى بريخت مرحلة تعلمه حتى الثانوية في آوغسبورغ، ثم انتقل إلى كلية الطب والعلوم الطبيعية في ميونيخ (1917). وبدأ بكتابة الشعر والنثر في المرحلة الثانوية. تابع دراسته حتى 1923 إلى جانب حضوره محاضرات في كليات الأدب والفلسفة وتاريخ الفن، ثم انتقل إلى ميونيخ ليعمل مشاوراً مسرحياً (دراماتورغ) في «مسرح الحجرة حتى عام 1924 حين انتقل إلى برلين.
كانت كتاباته أكثر واقعية وشاعرية، وأشد وضوحاً من المسرحيات التعبيرية التي كانت تستند أساساً إلى تفكيك (تشريح) اللغة بما هي أداة توصيل. فمسرحيته الأولى «بعل» (1918) تصور سلوك شاعر يفضل الحياة غير التقليدية -حسب الأعراف السائدة- على أن يصبح موضوعاً للاستغلال. ومسرحيته «طبول في الليل» 1919تعكس خيبة أمله في مسار الثورة الألمانية؛ بيد أنه لم يوضح فيها أسباب إخفاق هذه الثورة. وفي عام 1922 حاز بريخت جائزة «كلايست للأدب» عن هذه المسرحية. أما مسرحية «حياة إدوارد الثاني ملك إنكلترة» Edward II المقتبسة عن كريستوفر مارلو فهي نتاج صداقته وعمله في التأليف المسرحي مع الروائي ليون فويشتفانغر الخبير باللغة والأدب السنسكريتيين أي بالمسرح الهندي القديم تحديداً. وقد حاول بريخت بهذا العمل أن يكسر تقاليد عرض مسرحيات شكسبير في ألمانية، ورسخ الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تأليفاً وإخراجاً. ونتيجة لنجاحاته اللافتة للنظر استدعاه المخرج المسرحي ماكس راينهارت في عام 1924 ليعمل معه مؤلفاً مسرحياً في «المسرح الألماني» في برلين، حيث احتك بريخت بالمثقفين اليساريين. وفي عام 1926 بدأ بدراسة أدبيات الفكر الماركسي والعلوم الاقتصادية. وفي مسرحيته التالية «في أدغال المدن» (1923 يصور بريخت رغبة الإنسان في الصراع في ذاته، في صورة مضحكة ومبالغة ساخرة.
وبين عامي 1924و1926 كتب مسرحية «رجل برجل التي صور فيها تأثير الجماعة الفاسدة -العصابة- على سلوك الفرد القابل للتكيف مع الأحوال الطارئة، ملمحاً بذلك إلى عصابات القمع الهتلرية.
إن مسرحيتي «أوبرا القروش الثلاثة» المقتبسة عن الإنكليزي جون غايو«ازدهار وسقوط مدينة ماهاغوني» المؤلفتين بين عامي 1928و1929 اللتين وضع موسيقاهما كورت فايلl، تبرزان بوضوح نتائج دراسة بريخت للاقتصاد. ففيهما طرح المؤلف موضوع سلطة المال على السلوك البشري في مشاهد وأغان استفزازية، في إطار حبكات درامية ذات صبغة جماهيرية.
وفي المسرحيات التي كتبها بين 1924و1929 حاول بريخت أن يظهر تناقضات العلاقات السائدة، مبالغاً في تصوير لا معقوليتها، بهدف تحطيم الأوهام والفكر الأيديولوجي السائد والتحريض عليه؛ لكن سمات توجهه النقدي لم تكن قد تبلورت بعد. وبين عامي 1929 و1930 أصبحت تحليلاته المشهدية أكثر دقة، بسبب طابعها الجدلي. ومع مسرحيتي «جان دارك قديسة المسالخ و«القرار» (1934) بموسيقا هانس آيسلر يكون بريخت قد انتقل إلى مواقع الأدب الاشتراكي. ففي «القرار» لجأ بريخت أول مرة إلى استخدام أساليب النضال الثوري. وخلافاً لبقية مسرحياته التعليمية الكثيرة تعد مسرحيتا «القرار» و«الاستثناء والقاعدة» عملين تدريبيين مدرسيين يحملان عناصر أساسية من المسرح الدعائي التحريضي. أما السمات التعليمية فقد توضحت في أجلى صورها في مسرحية «الأم» (1930-1931) المقتبسة عن رواية غوركي.
اضطر بريخت عام 1933 وبسبب ورود اسمه في اللائحة السوداء التي وضعها النازيون إلى مغادرة ألمانية إلى الدانمرك مع زوجته الممثلة هيلينا فايغل حيث استقر حتى عام 1939، ثم غادرها إلى السويد حتى عام 1940، ثم إلى فنلندة حتى عام 1941، واضطر إلى مغادرتها بعد ذلك عبر الاتحاد السوفيتي إلى الولايات المتحدة -كاليفورنية- وفي مرحلة المنفى ناضل بريخت ضد الفاشية الهتلرية مستخدماً المسرح والسينما والإذاعة والصحافة ومنابر الخطابة من دون أن تؤثر فيه انتصارات هتلر المرحلية. فأكثر ما يلفت النظر في مرحلة المنفى هو أن أهم مسرحياته ظهرت في أثنائها. ففي عام 1934 أنهى مسرحيتين أمثوليتين «الرؤوس المستديرة والرؤوس المدببة» و«الهوراسيون والكورياسيون» اللتين تناقشان قضية الحرب الظالمة والحرب العادلة. وبعد «رعب وبؤس الرايخ الثالث» و«بنادق الأم كارار» (1939) اللتين صور فيهما سلوك الفرد في مواجهة الهيمنة الفاشية، نشرت الصحف خبر تمكن العلماء الألمان من تفتيت الذرة، ومنه استلهم بريخت (1934) موضوع مسرحيته «حياة غاليليه». في الصيغة الأولى يظهر غاليليه مؤسس الفيزياء الحديثة عالماً يتخاذل أمام محاكم التفتيش، لكنه يتابع عمله كي يتمكن حتى تحت نير الدكتاتورية من الوصول إلى الحقيقة وترويجها. وبعد إلقاء الأمريكيين القنبلة الذرية على اليابان وضع بريخت صيغته الثانية للمسرحية يدين فيها تخاذل غاليليه. فقد أدرك بريخت جدلياً مدى الخطر الناجم عن التطور العلمي المحض إن استمر بمعزل عن التطور الاجتماعي.
في عام 1939 كتب «الأم الشجاعة وأولادها التي استمد أحداثها من «حرب الثلاثين عاماً» للكاتب غريملزهاوزن تحكي المسرحية قصة البائعة الجوالة التي تريد تحقيق ربحها الصغير من الحرب الكبيرة، فتخسر جميع أولادها وممتلكاتها، من دون أن تعتبر من الدروس القاسية التي تلقتها. وبذلك ترك بريخت العبرة الحقيقية للمشاهد. وفي العام نفسه كتب مسرحيته الإذاعية «محاكمة لوكولوس» التي حولها فيما بعد إلى أوبرا بعنوان "إدانة لوكولوس " وقد وضع موسيقاها باول ديساو .وفي كلا العملين يناقش المؤلف موضوعة الحرب العادلة والحرب الظالمة.
وبين 1938و1940 كتب بريخت «إنسان ستشوان الطيب التي تطرح مقولة أنه يستحيل على المرء أن يكون إنساناً في ظل أحوال وعلاقات لا إنسانية، وفي الوقت نفسه يستحيل استئصال طيبة البسطاء. وبين عامي 1940 و1941 ظهرت مسرحية «السيد بونتيلا وتابعه ماتي المأخوذة عن قصة ومسرحية الكاتبة الفنلندية هيللا فولي يوكي ، وهي مسرحية شعبية عن إقطاعي فنلندي يكتشف إنسانيته بتأثير الخمر، ويعود إلى مطامعه الاستغلالية في حالة الصحو.
وفي مسرحيتي «رؤى سيمون ماشار و»شفيك في الحرب العالمية الثانية» (1941-1944( يضع بريخت شخصيتين من الأدب العالمي في مواجهة الحرب الفاشية، مستخدماً إياهما لإبراز أساليب متعددة لمكافحة الفاشية. أما آخر مسرحيات المنفى فهي «دائرة الطباشير القوقازية» (1944-1945 ( وهي أمثولة مقتبسة عن حكاية صينية قديمة تطرح مقولة أن الأرض لمن يفلحها ويزرعها ويحصد ثمارها، وليس لمن يملكها بوثيقة ورقية.
في عام 1947 تمكن بريخت من مغادرة الولايات المتحدة بعد اضطراره إلى المثول أمام محكمة ماكارثي. فعاد عابراً سويسرة إلى برلين الشرقية وأسس فيها متعاوناً مع زوجته وبإشراف الدولة «مسرح البرلينر انسامبل» (1949 ، وأخرج أهم مسرحياته مستنداً إلى نظريته في المسرح الملحميوفي سنوات قليلة أصبح هذا المسرح من ركائز الحركة المسرحية العالمية، فانتشر منهج عمله في التأليف والإخراج في معظم بلدان أوربة وترك فيها آثاراً مازالت فاعلة حتى اليوم، كما في أعمال فريش ودورنمات السويسريين، وبيتر هاكس وهاينر موللر الألمانيين، وجون آردن وإدوارد بوند البريطانيين على سبيل المثال لا الحصر. ومن أوربة امتدت موجة المسرح الملحمي إلى بقية أنحاء العالم فوصلت إلى اليابان وأمريكة اللاتينية والعالم العربي.
وفي مستقره الأخير في برلين كتب بريخت «أيام الكومونة (مجلس العموم (1949) و«توراندوت أومؤتمر غاسلي الأدمغة» (1954t، كما أعد لمسرحه «أنتيغون» عن سوفوكليس، و«معلم القصر» عن لنتس و«كوريولان» عن شكسبير و«محاكمة جان دارك» عن آنا زيغرس و«دون جوان» عن موليير و«طبول وأبواق» عن فاركار.
كان بريخت في برلين عضواً في أكاديمية الفنون، ثم أصبح رئيسها حتى وفاته عام 1956، كما كان رئيساً لـ «مركز القلم» في الألمانيتين، وحصل عام 1951 على الجائزة الوطنية، وفي عام 1954 على جائزة لينين الدولية للسلام.
توفي في برلين 14 آب 1956
إعداد : محمد عزوز