….هل ستـــــقلب الحــــــرب كل المعــــــــــــــادلات ؟
…………………ويتفـــــــــــــــــتت معســــــــــكر العـــــــــــدوان ؟
………………….وتتـــــــــــحول أوروبــا إلى قــــــارة عجـــــــوز ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمحامي الاستاذ محمد محسن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أعتقد أن أحداً يجادل في ان الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الطاغية الباغية المستبدة ، قد فجرت هذه الحروب في دول البلقان ، وجورجيا ، واكرانيا ، وغيرها ، بهدف توسيع دائرة هيمنتها وتسلطها على شعوب العالم وبخاصة أوروبا ، وكان هدفها دائماً تمزيق أوربا الغربية والشرقية وتفتيتهما كما مزقت دول البلقان وتوسيع التناقضات بين مكوناتها السياسية والاجتماعية ، والحؤول من حيث النتيجة دون تحقيق أي تلاق أو توافق بين دولها في المستقبل المنظور ، لأن أي تكتل دولي ولو أوروبي لابد وأن يقود إلى تكتل اقتصادي منافس ، وهذا من حيث النتيجة لا يتوافق ومصالح أمريكا المستقبلية ، كما يمنعها من لعب دور الشرطي العالمي الذي يحمل بيده السوط لتأديب من يفكر في التمرد متكئة غالباً على الجهد الأوروبي ذاته . كل ذلك يتم تحت حجة التضييق على روسيا الاتحادية التي جهدت أمريكا دائماً لإقناع أوروبا ان روسيا خصمها الألد ، وأن هذه الحروب كلها تؤدي إلى حرمان روسيا من مجالها الحيوي الذي قد يؤهلها مستقبلاً لتشكيل قطب عالمي آخر بالتعاون مع الهند والصين الدولتان الصاعدتان ، كما أن التضييق على روسيا وتوسيع التناقضات معها يمنعها من التقارب مع الدول الأوروبية ، ولعب دور ايجابي في حل المشاكل التي قد تنتج بين الدول الأوربية ذاتها .
.
كل هذه الحروب خاضتها الولايات المتحدة لأول مرة بالوكالة عن طريق الأنظمة التابعة وعملائها في الداخل وبجهد أوروبي مكثف ، بعد أن هيجوا وحوش الأرض في الطول والعرض من إرهابيين ظلاميين ، بعد أن صُنِّعوا بفقه ومال سعودي ، وبتدريب ورعاية وعناية كل الاستخبارات العالمية الأمريكية والأوروبية مروراً "بإسرائيل " وصولاً إلى تركيا وكل دول العدوان .
…..فهل لأوروبا من حيث النتيجة مصلحة في كل هذه الحروب ؟
لقد فهم الروس هذه الحقيقة مبكراً فحاولوا مد أكثر من جسر مع بعض الدول الأوروبية وبخاصة مع ألمانيا وفرنسا ، ولكن البغضاء التاريخية والضغط الأمريكي لا يزالان يحولان بينها وبين فتح أي جسر بينهما ، رغم العلاقات الاقتصادية التي تتوسع باضطراد ـــ علماً أن شعار روسيا الاتحادية" النسر برأسين " أحدهما يتجه نحو الغرب والرأس الثانية تتجه نحو الشرق ـــ مما دفع روسيا الاتحادية من التوجه شرقاً باتجاه الهند والصين ودول " البركس " المتضررة من الوصاية الأمريكية ، ساعية وراء اقامة قطب عالمي جديد ، يحافظ على مصالح هذه الدول المنضوية تحت لوائه من جهة ، ويقف ضد الغطرسة الأمريكية وتطاولها على مصالح جميع الدول التي لا تدين لها بالولاء ولا تسير وفق توجهاتها السياسية والاقتصادية ، ولجميع هذه الدول مصلحة أكيدة في الوقوف بحزم ضد سعي الولايات المتحدة الأمريكية الدائم من أجل التفرد بقيادة القطب العالمي واحد أوحد ، لتهيمن من خلاله على السياسات الدولية ، وامساكها بكل خيوط اللعبة الدولية ، ومنع ظهور أية قوة منافسة .
هذه الحروب التي شاركت فيها الدول الأوروبية بمجموعها كل بحسب حجمه والدور المرسوم له ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، هل حققت هذه الحروب المصلحة الأوروبية التي توازي كل تلك التضحيات والمساهمات المادية والبشرية التي قدمتها ، وهل لأوروبا مصلحة بهذه الحروب وتلك المساهمات على المستوى الاستراتيجي المستقبلي ؟ .
.
الغريب ان اوروبا تُستخدم كأداة طيعة بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، وغالباً ما تكون قاعدة انطلاق وتحشيد وتخطيط ، لتنفيذ أغراض تبدو للوهلة الأولى ان لأوروبا بعض المصلحة فيها ، ولكن سرعان ما ستجير لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تحرك الحلفاء والتابعين كما يحرك لاعب الشطرنج أحجار الرقعة على هواه ومصلحته ، والمثال القريب والفاقع اعتذار " طوني بلير " عن مشاركة بريطانيا في حرب العراق واقراره أنه لم يكن لبلده أية مصلحة فيها ، ولكن ما ينفع الندم بعد فوات الأوان . " ففي الصيف ضيعت بريطانيا اللبن ".
كان ديغول العظيم رئيس الجمهورية الفرنسية الخامسة ، قد أدرك من خلال خبرته النضالية ونظرته الاستراتيجية الثاقبة ، أن هناك تمايز وغالباً تباين بين المصالح الأوروبية وبين المصالح الأمريكية ، فاتخذ مواقفاً في كثير من القضايا العالمية تتناقض والسياسة الأمريكية ، لأن الولايات المتحدة هي اكبر منافس اقتصادي لأوروبا ، وأنها هي التي نازعتها على جميع أسواقها بل اقتنصتها في الشرق الأقصى والأوسط حتى وأفريقيا إلى الحد الذي جعل " رامسفيلد " وزير الدفاع الأمريكي في عهد بوش الابن يصف أوروبا " بالرجل العجوز " وهو من حيث أراد أن يغمز من مواقع أوروبا في ميدان السياسات الدولية ، عبر بكل صدق عن حجم أوروبا الذي يتقلص عاماً بعد عام في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية ، وأن الحيز الذي تخسره على جميع الأصعدة تتلقفه أمريكا تلقائياً .
وهذا يقودنا إلى القول أن حلف الناتو الذي تشترك فيه كل الدول الأوروبية الشرقية والغربية ، في الوقت الذي لم يعد له اي دور فعلي يلعبه لا على الساحة العسكرية ولا السياسية ، هو بالفعل يستخدم فقط كفزاعة في يد الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا الاتحادية وحلفائها ، ويمنع الدول الأوروبية حتى من التفكير الجدي في الفكاك منه والبحث عن مصالحها المستقبلية بعد انتهاء الحرب الباردة .
.
نعم كان العداء مستحكماً حقاً بين أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق لأن كل منهما كان يريد تعميم فلسفته الاقتصادية والثقافية ، وكانت أوروبا تمور بالأحزاب الشيوعية الموالية أيدولوجياً للاتحاد السوفييتي ، ولكن وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاج روسيا سياسة غير عدائية ضد أوروبا ، معتمدة ذات النظام الرأسمالي الذي تتبناه أوروبا في سياستها الاقتصادية ،فضلاً عن أنها تمد أوروبا بالغاز الطبيعي الذي يعتبر شريان الحياة وأس الصناعات الأوروبية ومصدر دفئها ، هذا يعني أن مصلحة أوروبا لم تعد بكليتها مع العملاق الأمريكي الذي عمل على تقزيمها ، بل باتت مع الشرق حتى مع روسيا ذاتها ، وما حلف الناتو الموجود شكلياً إلا الأداة التي تمنع أوروبا من البحث عن مصالحها خارج الدائرة ، وهو أداة أمريكية تهدف من خلاله تكتيل أوروبا وسوقها حيث تريد في محاولاتها الدائمة على منع روسيا من قيادة معسكر ثان ، يقف حائلاً ضد الطغيان الأمريكي على شعوب العالم ، ويقيم حالة توازن ستفيد منها شعوب الدول الفقيرة ، التي تمددت على حسابها في دول الخليج وافريقيا حتى وجنوب شرق آسيا .
.
يبدو أن أوروبا قد ابتليت بقيادات لم تعد بحجم أوروبا التاريخي والحالي والمستقبلي ، ولم تعد قادرة على اتخاذ سياسات ذات طابع مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية ، بل وفي جميع مواقفها تعبر عن تبعية مخجلة وكأن الأوربيون لم يعودوا ينتمون إلى تلك الإمبراطوريات التي لم تكن تغيب عنها الشمس ، وهم ينتقلون رويداً إلى مصاف دول الدرجة الثانية أو الثالثة إذا استمر الهوان الأوروبي على انهياراته المذلة المهينة .
يجب أن نذكر أن عداءً تاريخياً تكنه أوروبا للعرب ، ويبادلونهم العرب نفس الروح العدائية ، وهذا انعكاس طبيعي لما عاناه العرب من الاستعمار الغربي منذ الحروب الصليبية وحتى الاستعمار الحديث ، كما كان الأوربيون يعتبرون الوحدة العربية تهدد مصالحهم ، لأن لا مصلحة لهم بوجود دولة قوية على الشاطئ الجنوبي للبحر البيض المتوسط ، وما زرع "اسرائيل " في خاصرة الدول العربية من قبل أوروبا إلا تنفيذاً لهذه الرؤية ،
ولكن وبنظرة متأنية وثاقبة نجد أن مصالح أوروبا لم تعد في أمريكا اللاتينية حتى ولا في جنوب شرق آسيا ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد نازعتها على تلك الأسواق ، ولم تترك لها إلا فضلة الموائد التي تسمح لها بازدرادها ، فمحميات الخليج التي ترسخت في عهد الاستعمار البريطاني هي الآن نهب للشركات الأمريكية ، ومحطة للقواعد العسكرية الأمريكية ، وقد تتمكن احدى الدول الأوروبية من اقتناص صفقة هنا وهناك كجائزة ترضية لا تتم بدون اعطاء الضوء الأخضر من أمريكا ،
ثم والاستخفاف الأمريكي بأوروبا وصل إلى الحد الذي تدفعها للتعاون وتوظيف الحركات الإسلامية الإرهابية التي أوجدتها أمريكا ضد سورية ، وفتكت في أمنها الداخلي داخل أسوارها .
.
إن أوروبا العجوز لا محيد لها من الخروج من تحت العباءة الأمريكية ، التي انتزعت منها معظم أسواقها في العالم ، والاستدارة شرقاً لأن سبب عدائها لروسيا لم يعد يملك ما يكفي من المبررات ، ولأن الشرق لا يملك بعد القدرة على منافستها ، لذلك يمكن لها أن تجد أسواقاً بديلة للأسواق التي خسرتها بشرط واحد أن تعيد النظر بجدية في تحالفاتها الدولية ــ هذه القراءة ستتحقق في المستقبل القريب ــ .
وإذا ما اضفنا إلى كل ما تقدم الخطر الداهم القادم من الجاليات الإسلامية التي باتت تعج بها أوروبا ، والتي تحولت بفضل السياسة الأمريكية ، إلى بؤر نائمة للإرهاب تتحرك عندما يطلب منها ذلك ، وهذا سيحول أوروبا " بلاد الكفر " إلى أرض حرب متفجرة تفقد فيها استقرارها ، لذلك كان من مصلحة أوربا إعادة النظر بكل سياساتها وأن :
1. تستدير إلى الشرق .
2. العــمل مع روسيــا لحــل قضــايا المنـطقة بالطــرق السـلمية .
3. اعتبــار الحركات السيــاسية والدول الدينــية ضـد الحضارة .
4. العمل لتعزيز العقلانية في المنطقة مما يشيع السلام والتعاون .
…………………ويتفـــــــــــــــــتت معســــــــــكر العـــــــــــدوان ؟
………………….وتتـــــــــــحول أوروبــا إلى قــــــارة عجـــــــوز ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمحامي الاستاذ محمد محسن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أعتقد أن أحداً يجادل في ان الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الطاغية الباغية المستبدة ، قد فجرت هذه الحروب في دول البلقان ، وجورجيا ، واكرانيا ، وغيرها ، بهدف توسيع دائرة هيمنتها وتسلطها على شعوب العالم وبخاصة أوروبا ، وكان هدفها دائماً تمزيق أوربا الغربية والشرقية وتفتيتهما كما مزقت دول البلقان وتوسيع التناقضات بين مكوناتها السياسية والاجتماعية ، والحؤول من حيث النتيجة دون تحقيق أي تلاق أو توافق بين دولها في المستقبل المنظور ، لأن أي تكتل دولي ولو أوروبي لابد وأن يقود إلى تكتل اقتصادي منافس ، وهذا من حيث النتيجة لا يتوافق ومصالح أمريكا المستقبلية ، كما يمنعها من لعب دور الشرطي العالمي الذي يحمل بيده السوط لتأديب من يفكر في التمرد متكئة غالباً على الجهد الأوروبي ذاته . كل ذلك يتم تحت حجة التضييق على روسيا الاتحادية التي جهدت أمريكا دائماً لإقناع أوروبا ان روسيا خصمها الألد ، وأن هذه الحروب كلها تؤدي إلى حرمان روسيا من مجالها الحيوي الذي قد يؤهلها مستقبلاً لتشكيل قطب عالمي آخر بالتعاون مع الهند والصين الدولتان الصاعدتان ، كما أن التضييق على روسيا وتوسيع التناقضات معها يمنعها من التقارب مع الدول الأوروبية ، ولعب دور ايجابي في حل المشاكل التي قد تنتج بين الدول الأوربية ذاتها .
.
كل هذه الحروب خاضتها الولايات المتحدة لأول مرة بالوكالة عن طريق الأنظمة التابعة وعملائها في الداخل وبجهد أوروبي مكثف ، بعد أن هيجوا وحوش الأرض في الطول والعرض من إرهابيين ظلاميين ، بعد أن صُنِّعوا بفقه ومال سعودي ، وبتدريب ورعاية وعناية كل الاستخبارات العالمية الأمريكية والأوروبية مروراً "بإسرائيل " وصولاً إلى تركيا وكل دول العدوان .
…..فهل لأوروبا من حيث النتيجة مصلحة في كل هذه الحروب ؟
لقد فهم الروس هذه الحقيقة مبكراً فحاولوا مد أكثر من جسر مع بعض الدول الأوروبية وبخاصة مع ألمانيا وفرنسا ، ولكن البغضاء التاريخية والضغط الأمريكي لا يزالان يحولان بينها وبين فتح أي جسر بينهما ، رغم العلاقات الاقتصادية التي تتوسع باضطراد ـــ علماً أن شعار روسيا الاتحادية" النسر برأسين " أحدهما يتجه نحو الغرب والرأس الثانية تتجه نحو الشرق ـــ مما دفع روسيا الاتحادية من التوجه شرقاً باتجاه الهند والصين ودول " البركس " المتضررة من الوصاية الأمريكية ، ساعية وراء اقامة قطب عالمي جديد ، يحافظ على مصالح هذه الدول المنضوية تحت لوائه من جهة ، ويقف ضد الغطرسة الأمريكية وتطاولها على مصالح جميع الدول التي لا تدين لها بالولاء ولا تسير وفق توجهاتها السياسية والاقتصادية ، ولجميع هذه الدول مصلحة أكيدة في الوقوف بحزم ضد سعي الولايات المتحدة الأمريكية الدائم من أجل التفرد بقيادة القطب العالمي واحد أوحد ، لتهيمن من خلاله على السياسات الدولية ، وامساكها بكل خيوط اللعبة الدولية ، ومنع ظهور أية قوة منافسة .
هذه الحروب التي شاركت فيها الدول الأوروبية بمجموعها كل بحسب حجمه والدور المرسوم له ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، هل حققت هذه الحروب المصلحة الأوروبية التي توازي كل تلك التضحيات والمساهمات المادية والبشرية التي قدمتها ، وهل لأوروبا مصلحة بهذه الحروب وتلك المساهمات على المستوى الاستراتيجي المستقبلي ؟ .
.
الغريب ان اوروبا تُستخدم كأداة طيعة بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، وغالباً ما تكون قاعدة انطلاق وتحشيد وتخطيط ، لتنفيذ أغراض تبدو للوهلة الأولى ان لأوروبا بعض المصلحة فيها ، ولكن سرعان ما ستجير لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تحرك الحلفاء والتابعين كما يحرك لاعب الشطرنج أحجار الرقعة على هواه ومصلحته ، والمثال القريب والفاقع اعتذار " طوني بلير " عن مشاركة بريطانيا في حرب العراق واقراره أنه لم يكن لبلده أية مصلحة فيها ، ولكن ما ينفع الندم بعد فوات الأوان . " ففي الصيف ضيعت بريطانيا اللبن ".
كان ديغول العظيم رئيس الجمهورية الفرنسية الخامسة ، قد أدرك من خلال خبرته النضالية ونظرته الاستراتيجية الثاقبة ، أن هناك تمايز وغالباً تباين بين المصالح الأوروبية وبين المصالح الأمريكية ، فاتخذ مواقفاً في كثير من القضايا العالمية تتناقض والسياسة الأمريكية ، لأن الولايات المتحدة هي اكبر منافس اقتصادي لأوروبا ، وأنها هي التي نازعتها على جميع أسواقها بل اقتنصتها في الشرق الأقصى والأوسط حتى وأفريقيا إلى الحد الذي جعل " رامسفيلد " وزير الدفاع الأمريكي في عهد بوش الابن يصف أوروبا " بالرجل العجوز " وهو من حيث أراد أن يغمز من مواقع أوروبا في ميدان السياسات الدولية ، عبر بكل صدق عن حجم أوروبا الذي يتقلص عاماً بعد عام في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية ، وأن الحيز الذي تخسره على جميع الأصعدة تتلقفه أمريكا تلقائياً .
وهذا يقودنا إلى القول أن حلف الناتو الذي تشترك فيه كل الدول الأوروبية الشرقية والغربية ، في الوقت الذي لم يعد له اي دور فعلي يلعبه لا على الساحة العسكرية ولا السياسية ، هو بالفعل يستخدم فقط كفزاعة في يد الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا الاتحادية وحلفائها ، ويمنع الدول الأوروبية حتى من التفكير الجدي في الفكاك منه والبحث عن مصالحها المستقبلية بعد انتهاء الحرب الباردة .
.
نعم كان العداء مستحكماً حقاً بين أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق لأن كل منهما كان يريد تعميم فلسفته الاقتصادية والثقافية ، وكانت أوروبا تمور بالأحزاب الشيوعية الموالية أيدولوجياً للاتحاد السوفييتي ، ولكن وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاج روسيا سياسة غير عدائية ضد أوروبا ، معتمدة ذات النظام الرأسمالي الذي تتبناه أوروبا في سياستها الاقتصادية ،فضلاً عن أنها تمد أوروبا بالغاز الطبيعي الذي يعتبر شريان الحياة وأس الصناعات الأوروبية ومصدر دفئها ، هذا يعني أن مصلحة أوروبا لم تعد بكليتها مع العملاق الأمريكي الذي عمل على تقزيمها ، بل باتت مع الشرق حتى مع روسيا ذاتها ، وما حلف الناتو الموجود شكلياً إلا الأداة التي تمنع أوروبا من البحث عن مصالحها خارج الدائرة ، وهو أداة أمريكية تهدف من خلاله تكتيل أوروبا وسوقها حيث تريد في محاولاتها الدائمة على منع روسيا من قيادة معسكر ثان ، يقف حائلاً ضد الطغيان الأمريكي على شعوب العالم ، ويقيم حالة توازن ستفيد منها شعوب الدول الفقيرة ، التي تمددت على حسابها في دول الخليج وافريقيا حتى وجنوب شرق آسيا .
.
يبدو أن أوروبا قد ابتليت بقيادات لم تعد بحجم أوروبا التاريخي والحالي والمستقبلي ، ولم تعد قادرة على اتخاذ سياسات ذات طابع مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية ، بل وفي جميع مواقفها تعبر عن تبعية مخجلة وكأن الأوربيون لم يعودوا ينتمون إلى تلك الإمبراطوريات التي لم تكن تغيب عنها الشمس ، وهم ينتقلون رويداً إلى مصاف دول الدرجة الثانية أو الثالثة إذا استمر الهوان الأوروبي على انهياراته المذلة المهينة .
يجب أن نذكر أن عداءً تاريخياً تكنه أوروبا للعرب ، ويبادلونهم العرب نفس الروح العدائية ، وهذا انعكاس طبيعي لما عاناه العرب من الاستعمار الغربي منذ الحروب الصليبية وحتى الاستعمار الحديث ، كما كان الأوربيون يعتبرون الوحدة العربية تهدد مصالحهم ، لأن لا مصلحة لهم بوجود دولة قوية على الشاطئ الجنوبي للبحر البيض المتوسط ، وما زرع "اسرائيل " في خاصرة الدول العربية من قبل أوروبا إلا تنفيذاً لهذه الرؤية ،
ولكن وبنظرة متأنية وثاقبة نجد أن مصالح أوروبا لم تعد في أمريكا اللاتينية حتى ولا في جنوب شرق آسيا ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد نازعتها على تلك الأسواق ، ولم تترك لها إلا فضلة الموائد التي تسمح لها بازدرادها ، فمحميات الخليج التي ترسخت في عهد الاستعمار البريطاني هي الآن نهب للشركات الأمريكية ، ومحطة للقواعد العسكرية الأمريكية ، وقد تتمكن احدى الدول الأوروبية من اقتناص صفقة هنا وهناك كجائزة ترضية لا تتم بدون اعطاء الضوء الأخضر من أمريكا ،
ثم والاستخفاف الأمريكي بأوروبا وصل إلى الحد الذي تدفعها للتعاون وتوظيف الحركات الإسلامية الإرهابية التي أوجدتها أمريكا ضد سورية ، وفتكت في أمنها الداخلي داخل أسوارها .
.
إن أوروبا العجوز لا محيد لها من الخروج من تحت العباءة الأمريكية ، التي انتزعت منها معظم أسواقها في العالم ، والاستدارة شرقاً لأن سبب عدائها لروسيا لم يعد يملك ما يكفي من المبررات ، ولأن الشرق لا يملك بعد القدرة على منافستها ، لذلك يمكن لها أن تجد أسواقاً بديلة للأسواق التي خسرتها بشرط واحد أن تعيد النظر بجدية في تحالفاتها الدولية ــ هذه القراءة ستتحقق في المستقبل القريب ــ .
وإذا ما اضفنا إلى كل ما تقدم الخطر الداهم القادم من الجاليات الإسلامية التي باتت تعج بها أوروبا ، والتي تحولت بفضل السياسة الأمريكية ، إلى بؤر نائمة للإرهاب تتحرك عندما يطلب منها ذلك ، وهذا سيحول أوروبا " بلاد الكفر " إلى أرض حرب متفجرة تفقد فيها استقرارها ، لذلك كان من مصلحة أوربا إعادة النظر بكل سياساتها وأن :
1. تستدير إلى الشرق .
2. العــمل مع روسيــا لحــل قضــايا المنـطقة بالطــرق السـلمية .
3. اعتبــار الحركات السيــاسية والدول الدينــية ضـد الحضارة .
4. العمل لتعزيز العقلانية في المنطقة مما يشيع السلام والتعاون .