منيرة احمد
(( رغم قدم المقالة نسبيا لكنها كتبت في العام الذي بدأت ظلامية عالمية تنشر شرورها في سورية وكان للدور التركي ما لا يخفى على احد — ورغم بعض التبدلات في الوضع الداخلي التركي خصيصا بعد الانقلاب الفاشل او المدبر كما قيل فإن للمقال مكانه في وقتنا الحالي —- وربما لاحقا — لان القارئ للسياسة التركية وارثها الاستعماري سيدرك ان التركي وان هادن – او ناور في السياسة تبقى مطامعه واحلامه الاردوغانية لاستعادة سلطنة السلاجقة — وطرقهم متعددة ))
إنّ المتابع للسياسة التركية وخاصة في العقد الأخير ، بعد إمساك الأردوغانية مقاليد الحكم والسلطة فيها،يدرك جيداً بما ليس فيه شك، مدى المراهقة السياسية في إدارة هذا الحدث الأطلسي، فلا هو تجاوز مراهقة آل عثمان ولا هو بلغ سن الرشد الأوروبي0 كل مافعله هذا اليافع التركي أنه تخلّى عن العباءة العثمانية واستبدلها بربطة العنق المطلوبة وفق المقاييس الأوروبية للدخول إلى الحظيرة الخاصة بهم0
لقد انطلق الأتراك الجدد ،نحو هدفهم الوحيد والأوحد، ألا وهو محو الصورة الراسخة في أذهان الغرب الحضاري المتمثلة (بالرجل المريض والمتخلف) والتي مازالت تثقل كاهل تركيا الجديدة ، فكانت عضوية الاتحاد الأوروبي (الحلم) ،هي التي ستنسف الصورة المقيتة تلك ، إذا ماتحقق هذا الحلم على أيدي هذا اليافع المتوثب 0 فقد سعى حزب العدالة والتنمية ،الذي ورث كل طموحات وتناقضات حزبي الرفاه والفضيلة ، واللذان أنجباه من صلبهما بعملية قيصيرية، ليتوافق مع تركيا العلمانية والحضارية، فقد سعى للإستفادة من كل الأوراق المتاحة لدى تركيا، داخلياً وإقليمياً ودولياً، وهنا يجب الإشارة لعدة أمور في هذا السياق:
أولاً: إن ازدياد شعبية أردوغان وفوز حزبه بثلاث جولات انتخابية متتالية ، ماكانت لتتحقق لو لم يلتقط أردوغان الخيط الذي يدغدغ الأتراك ويخيط به ماانقطع من ثوبهم القومي، لحد التماهي معه بكل ماقام به حتى الآن،وذلك لكون ثلاثة جهات تركيا في الشرق والشمال والجنوب, مسلماً بشكل رئيسي, هذا التوجه القومي لحزب العدالة والتنمية هو الذي أعاد أمجاد الماضي القريب ،وأطل ّ برأس تركيا عبر النافذة الغربية غير المسلمة نحو الغرب المسيحي، من خلال تذكيرهم بالإمبراطورية الافتراضية لآل عثمان0
ثانياً: إنّ إعادة بناء تركيا المتطورة وفق تصورات حزب العدالة والتنمية وليس وفقاً للإملاءات الأوروبية وخاصة بعد نجاحه في مجالي الاقتصاد والديمقراطية، جعل أردوغان وحزبه أكثر ميلاً نحو محيطه المسلم وبالتالي انسجاماً مع مشروعه القومي، ونزوحاً إلى خياره البديل عن أوروبا، وذلك بالعودة إلى الساحات التي شغلها الأجداد من آل عثمان ،مع إبقاء الحلم الأوروبي هدفاً لابد من تحقيقه0
ثالثاً:الفراغ السياسي العربي وعدم مصداقية أمريكا وأوروبا بحل القضايا العربية حلاً عادلاً ومتوازناً، وانحيازها الدائم نحو إسرائيل،وكذلك غياب الدولة العربية القائدة بعد مرض مصر العضال من كامب ديفد وحتى الآن،كل ذلك جعل من تركيا الدولة الأقدر للعب الدور الحاسم والمهم في محيطها العربي والإسلامي من خلال إلغاء تأشيرة الدخول عبر البوابة السورية لهذا الفضاء العربي، وكذلك عبر الاستدعاء المصري للباب العالي أثناء حرب غزة،فكان دخولاً منطقياً لرجلٍ قويّ، وخروجاً مذلاً لرجل ٍ ضعيف كحسني مبارك ، وكأن التاريخ يعيد نفسه فالإمبراطورية العثمانية التي خرجت من غزة لاستحقاقها لقب الرجل المريض ، عادت لتدخلها من غزة أيضاً ،بعد أن أعاد لها أردوغان هيبتها0
رابعاً:على أن هذا الفضاء البديل ليس بغريب عن تركيا وتركيا ليست غريبة عنه, وهذه ميزة لم تملكها دول الاستعمار القديم ولا أميركا ولا حتى الكيان الصهيوني المعادي بتكوينه لنسيج المنطقة0إذاً والحال هكذا، إذا هبّتْ رياحك يا أردوغان فاغتنمها، وهذا ما حصل000
ولكن0000
هل نضجتْ الحالة السياسية لتركيا الأردوغانية وفريقه الغوليّ والأوغلوي؟ إلى الحد الذي يمكنّهم من إعطاء النصائح للدبلوماسية السورية ، التي يقال عنها أقل مايقال : بأنها دبلوماسية الأزمات، عبر تجاربها المحنّكة في قضايا المنطقة والعالم؟ وهل من اللباقة السياسية أو الكياسة الدبلوماسية ، أن يخاطب رئيس دولة ذات سيادة و يقول على وسائل الإعلام: طلبت منه أن يقوم بكذا ونصحته أن يعمل كذا000وبعد ذلك يلوّح رئيس دولته بالخيار العسكري لترجمة طلبات ونصائح رئيس وزراءه، ماهذا الحضيض السياسي؟ وهل الساسة الأتراك وصلوا إلى هذا الإفلاس في الإبتكار السياسي، ليعيدوا اكتشاف أبجدية آل عثمان في مرج دابق ويعطونا دروساً في التاريخ والديمقراطية و كذلك تجاربهم المشرّفة في مجال حقوق الانسان، عبر بناء منطقة عازلة بمساحة عشرة كيلومترات على الحدود السورية التركية وبناء المخيمات الترفيهية الاستباقية000؟؟
يبدو أن حسابات حقل أردوغان في مرج دابق، خالفت التوقعات والطموحات في بيدر جسر الشغور0فمن السذاجة الجيوسياسية أن يقال بأن سورية سهلة الهضم في المعدة التركية ياسيد أردوغان بعد اليوم،فلو كانت كذلك لما أعطيت َ شرف المحاولة أيها الحالم؟ وما وفرّها لك أسيادك في حلف الناتو وربيبته إسرائيل؟ أعتقد أنه لديك حدوداّ مع إيران أيضاً ولسوف تصبح الناتو كل الناتو هدفاً لصواريخ قد تأتي من تلك الحدود في رحلةٍ ترفيهية إلى أزمير؟!
أما في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، فأعتقد بأن المعارضة السورية الوطنيةلا تقبل بهذه الهدية الرخيصة ،لأن المعارضة السورية الوطنية لا تريد أن يسرق منها نوابها المنتخبون ديمقراطياً؟ أو ُيدك بعضهم في السجون كما فعلت بالأمس القريب، وأجزم بأنهم سيقسمون اليمين الدستورية على غير مافعلت المعارضة لديكم0 فكمال أتاتورك ليس فخوراً بكم وأعتقد السلطان عبد الحميد كذلك؟
ولأن الحالة الإقتصادية هي جلّ مايمكن أن تفخر به تركيا اليوم، فإننا لا نريد أن نقطع شعرة معاوية ومد يد التعاون في هذا المجال، ولكن على أسس ٍ عادلة ومتوازنة بعد اليوم ، فما أخذتموه بالأمس القريب كان امتيازاً عابراً أفلس في بنك مواقفكم الخلبيّة السابقة واللاحقة ،فمن أضحكنا في منتدى دافوس الاقتصادي هو نفسه من أوجعنا في جسر الشغور، لذلك أعتقد بأن الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا والهند هم أولى بالبيدر السوري في جسر الشغور في الفترة القادمة0
ولأن سوريا بخير كما أعلن رئيسها على مدرّج جامعة دمشق، عليك أن تلحق ياسيد أردوغان بالنصيحة السورية غير المعلنة وتأكل من طيبات القطاف العربي من المائدة السورية حصرياً، كما سيفعل ممن ذكرتهم قبل قليل ولكن بطبخة سورية خالصة والطباخ هو سوري ، لأننا لانحب الطبخات القادمة من اسطنبول ولا أنطاليا ولا الغرب الأطلسي0
وأعتقد أنه لكي تبقى سوريا بخير يجب أن نؤسس لدولة ديموقراطية حديثة تتسع لكل أبناءها وتؤمن لهم حياة حرة وعادلة وديمقراطية، ولأن سوريا هي لجميع أبناءها فهي بخير وستبقى، لأن الحوار والثقة والاحترام المتبادلين هم ثالوث الأثفية للدولة الديمقراطية (المقاومة ) هي التي ينشدها كل مواطن سوري شريف0
دمشق في 3/7/2011م