بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وعند انعقاد مؤتمر الصلح، طرح الرئيس الأميركي آنذاك – وودرو ويلسون نقاطه الأربعة عشر (التي تمهد لعالم تكون السيطرة فيه للولايات المتحدة)، فما كان من السياسي الفرنسي العجوز كليمنصو إلا أن علّق ساخراً "إن مستر ويلسون يثير في نفسي الضجر بنقاطه الأربعة عشر، فلماذا جاء الرب بعشر فقط؟" ملمحاً بذلك الى الوصايا العشرة.
من هذه الحادثة التي لم تعرها الدول العظمى حينذاك اهتماماً كافياً، بدأت اميركا محاولات السطو على العالم حتى وصلت الى مرحلة أعلن فيها كولن باول في بيانه أمام مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ 17/1/2001 – أي قبل اعتماده وزيراً للخارجية – أنه "لا توجد دولة على سطح الأرض خارج التأثير الأميركي، لأننا أصبحنا القوة المحركة للحرية والديموقراطية في العالم".
فقد أبعدت أميركا من المركز الاول كلاً من الأتحاد السوفياتي وفرنسا وبريطانيا والمانيا مع ما تطلّبه ذلك من حربين عالميتين، إضافة الى الكثير من الحروب الإقليمية في عدد كبير من الدول، والتي في مضمونها، هي إزاحة الدول الكبرى في سيطرتها على هذه الدول والإنتقال الى فلك السيطرة الأميركية. كما تم تحييد الصين ودول شرق آسيا، فلم يعد هناك بعد إنتهاء الحرب الباردة تسابق على امتلاك الأسلحة الاستراتيجية، كما لم يعد هناك سباق على الفضاء وغيره.
وهذا يعني أنه كان على الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، أن يوجِد قضية كبرى تتمحور حولها سياسته لضمان استمرار السيطرة الأميركية على العالم، وحشد العدد الكبير من المخططين والإستراتيجيين لهذا الهدف.
وجاءت عملية تفجير البرجين في نيويورك (11 ايلول 2001)، لتعطي الإدارة الأميركية المبرر لفرض حرباً مزعومة على "الإرهاب" ظاهرياً، أما ضمنياً فلتكريس السيطرة الأميركية على العالم تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
ومن اختلاقها حروباً وضربات عسكرية، كان لسورية نصيب بمحاولة توجيه ضربات وصلت معالجتها الى مرحلة جنونية لولا وقوف عقلاء أكدوا أن العنف مرفوض من كل الجهات، وكان على رأسهم قداسة البابا فرانسيس – ولأول مرة في تاريخ الكرسي الرسولي – ينتمي بابا الى الرهبنة اليسوعية (التي تعمل بمجال الخدمات الإنسانية على الأرض السورية وفق توجيهات قداسته الشخصية، وهنا أقولها أنه لولا الرسالة التي وجهها الرئيس العام للرهبنة اليسوعية حول رفض الضربة وأكدها قداسة البابا فرانسيس من الفاتيكان – بالإضافة الى الكثير من العقلاء – الذين يرفضون العنف بالمطلق، لكانت أميركا قد قامت بتوجيه الضربة تحت ذرائع متعددة. وهنا أسجل استغرابي من بعض المسؤولين الذين يقولون أنهم لا يهمهم الفاتيكان، مخالفين بذلك تماما التوجهات الرسمية لأعلى الهرم السياسي.
ولن ندخل في عملية معرفة من المسؤول عن أحداث ايلول 2001، ولكن لا بد من وضع بعض النقاط على الحروف في أسباب "العنف" ولن نستخدم كلمة "الإرهاب" لأنها جزء من العنف.
ينقسم العنف الى وجوه كثيرة متداخلة، فمن العنف الثوري الى الإجرامي، يتسع الطيف بينهما ليستوعب أنواع كثيرة من العنف، حتى أنه تم استخدام العنف مراراً كوسيلة نحو غايات يقبلها الجميع ويُثنون عليها، فمثلاً كان خلق الأمة الأميركية وظهورها الى الوجود مجبولاً بالعنف. كذلك كان العنف مطيّة لا بد منها لخلاص الأمة الأميركية وخروجها موحدة من الحرب الأهلية وأثناء فترة إعادة البناء والتعمير، مما يعني أن العنف لم يكن ملجأ يستظل به الأشرار والعنصريين فحسب، بل إنه كان كذلك السبيل الذي اختاره أكثر الناس احتراماً في المجتمع. وتاريخ إنشاء الدول خير دليل.
إن أميركا التي جُبلت على العنف لا تستطيع التفكير بغير العنف والعضلات لإظهار قوتها وحل مشاكلها، في الوقت الذي يقف العقلاء كمثل المرجعيات الدينية جميعها موقفاً مغايراً لقيادة العالم.
أذكر جملة لقداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني "لقد اصبح العالم بحاجة الى جسور للتواصل"
اللهم اشهد اني بلغت